يحل علينا العام الجديد 2023، حيث تأمل شعوب العالم ان يكون عام سلام وخير، وان تنتهي على الاقل الحرب الروسية الاوكرانية التي أنهكت الاقتصاد العالمي، حيث زاد التضخم، وارتفاع الأسعار، والبطالة، ولم تفرق اثار هذه الحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى الغنية، ودول العالم الثالث الفقيرة، فالكل يعاني، والكل يتمنى ان يكون العالم الجديد عام سلام للبشرية، وتنتهي مشاكل النفط، والحبوب، والاسمدة، ويعود الازدهار مرة اخرى.
ورغم كل هذه الآمال، فان الشواهد الاخيرة قد لا تدل على ذلك، فكانت زيارة الرئيس الاوكراني الى واشنطن، حيث قابل الرئيس الامريكي جو بايدن، وبعدها القى خطابه في الكونجرس الامريكي حيث قوبل بترحاب كبير، وبعدها عاد الرئيس الاوكراني الى بلاده يحمل مزيدا من الدعم المالي بقيمة 45 مليار دولار، وقرار امريكي بدعم اوكرانيا بصواريخ الباتريوت الامريكية، المضادة للطائرات والصواريخ البالستية الروسية، وبذلك عاد وقد ارتفعت معنوياته، وكذلك معنويات الشعب الاوكراني.
ومع وصول الرئيس الأوكراني الى كييف، كانت الضربات الروسية الصاروخية قد اصابت محطات الكهرباء، وعم الظلام في معظم المدن الأوكرانية، حيث قضى معظم الاهالي في اوكرانيا ليلة عيد الميلاد في ظلام دامس، وبرد شديد، وحولهم شظايا الصواريخ، والطائرات المسيرة الروسية، رغم ذلك فان الجميع ما زال يأمل ان يسود السلام في العام الجديد، حتى شعوب اوروبا تنتظر ان تنتهي الحرب، لكي تتخلص من برد الشتاء القارص، التي فرضته روسيا بتقليل دفع الغاز، والاثار الاقتصادية التي اضرت الجميع، اما دول العالم الثالث، فتأمل ان يعود السلام، لكي تتدفق حبوب القمح، والذرة، والزيوت، الى بلادهم. ويختفي التضخم، وارتفاع الأسعار، وتقل البطالة.
ولقد كانت اولى بوادر امكانية التوصل الى حل سلمي، وبدء مفاوضات سياسية، من اجل تحقيق حل لهذه الحرب، عندما اعلن هنري كسينجر، مستشار الرئيس الأمريكي، للأمن القومي، وزير الخارجية الأسبق، في شهر مايو خلال مؤتمر ديفوس، حيث تم استضافته في مداخلة لاستطلاع رأيه، وكان واضحا وصادما حيث أعلن ان حل هذه المشكلة لن يتحقق بالقتال ولكن من خلال مباحثات سلام بين الطرفين الروسي والاوكراني. وانه يجب اولا ايقاف إطلاق النار ثم الدخول في مفاوضات على اساس ان تنسحب روسيا من الاراضي الاوكرانية في سبيل ان تتنازل اوكرانيا عن شبه جزيرة القرم.
وبالطبع هذا الفكر لم يرضي اوكرانيا وأعلن الرئيس الاوكراني انه يرفض هذا المقترح تماما. وقبل ان ينتهي العام وفي يوم 17 ديسمبر كتب كسينجر مقالا مطولا في جريدة the spectator بعنوان كيف نتجنب حرب عالمية قادمة how to avoid another world war و شرح فيها رأيه وموقفه وتحليله لهذه الحرب، والذي اكد فيها على عدة نقاط هامة. اولها ان الحرب لن تحسم هذه المشكلة. لأنه ليس من المقبول ان تخرج روسيا مهزومة من هذه الحرب. ولا حلف الناتو ولا امريكا. واكد كيسنجر في مقاله ان الحياد لم يعد له معنى بعد انضمام فنلندا وسويسرا لحلف الناتو. واضاف ان الشتاء سيفرض توقف العمليات العسكرية الرئيسية حاليا. وهذا يجب استغلاله بالبدء في محادثات سلام على اساس مبدأ تقرير المصير. وتطبيقه تحت اشراف دولي على المناطق المتنازع عليها ويقصد بها بالطبع المقاطعات الأربعة لوهانسك ودونتسك وذابورجيا و خيرسون. واخيرا بالطبع شبه جزيرة القرم على اساس اجراء استفتاء دولي ليكون لهذه المناطق حق تقرير الانضمام الى روسيا او البقاء تحت حكم اوكرانيا. وقال انه يجب ان يكون هناك نظام دولي جديد يكون لروسيا مكانا فيه. معتبرا ان النكسات العسكرية الروسية لم تقضي على نفوذها النووي العالمي وهذا ما اعطاها القوة لكي تبدأ هجومها على اوكرانيا في تحدى واضح للعالم كله. وجاء تحذيره واضحا من ان تفكك روسيا او تدمير قدراتها السياسية الاستراتيجية يمكن ان تحول اراضيها الشاسعة الى فراغ متنازع عليه. يسبب استخدام الالاف من المخزون النووي لدى روسيا.
واعتقد ان تلك المقالة قد تم مناقشتها في معظم القنوات الإخبارية في العالم، حيث اعتبرها الجميع انها تفتح الابواب لامكانية الوصول الى تسوية في اي مباحثات قادمة، لكن المشكلة تكمن حاليا، ان كل طرف من الاطراف الروسي والاوكراني لديه شروط للدخول في هذه المباحثات، حيث ترى روسيا ان شروطها للدخول في المفاوضات للوصول الى سلام يتمثل في أربع نقاط؛ الأولى، ان يتم نزع سلاح اوكرانيا بالكامل، وتصبح دولة محايدة مثل سويسرا. والنقطة الثانية، ان تتعهد اوكرانيا بانها لن تنضم الى حلف الاطلنطي، او اي حلف اخر. والنقطة الثالثة، ان تعلن أوكرانيا، انها لن تحصل على سلاح نووي مستقبلا. النقطة الرابعة، ان تعترف اوكرانيا بأحقية روسيا في شبه جزيرة القرم، وانضمام الاربع مقاطعات الى الدولة الروسية، بعد الاستفتاء الذي تم من قبل.
وعلى الطرف الاخر، نجد ان اوكرانيا وضعت شروطها الاربعة هي الأخرى، للدخول في مفاوضات مع روسيا، وهو انسحاب روسيا من جميع الاراضي التي احتلتها، والا تفرط في اي جزء من أراضيها، ثانيا، ان تعطي روسيا ضمان الى الامم المتحدة، انها لن تهاجم اوكرانيا مرة أخرى، ثالثة، ان يتم الاعلان امام الامم المتحدة ان روسيا قد اخطأت في غزوها لأوكرانيا، والرابع، ان تتحمل روسيا كافة تكاليف اعادة الاعمار، نتيجة التدمير التي أحدثته في هذه الحرب.
وهكذا نجد ان كلا الشروط التي وضعتها كلا الدولتين تبدو شبه مستحيلة، في التنفيذ والتطبيق، ولكن ما زال هناك امل ان يجلس الطرفان على مائدة المفاوضات، حيث اعلنت روسيا رغبة في الدخول في مفاوضات سلام، وبالطبع بشروطها. اما أوكرانيا، فهي ترفض حتى الدخول في مفاوضات سلام قادمة، ولكن هناك البعض من الدول الأوروبية يأمل، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يقيم اتصالات من وقت لأخر مع موسكو. ان يتم في القريب العاجل وقف إطلاق النار بين الطرفين. او كما أطلق عليها من قبل تجميد الموقف، على ما هو عليه، وذلك من اجل الجلوس بعدها على طاولة المفاوضات، بهدف احلال السلام. ويعتمد المؤيدين لهذا الفكر، على ان الاوضاع القادمة في الولايات المتحدة الامريكية، بعد سيطرة الجمهوريين على الكونجرس الأمريكي، سوف تقلل من دعم امريكا مستقبلا الى أوكرانيا، كذلك فان الولايات المتحدة ستدخل العام الجديد، ومعها بداية معركة انتخابات الرئاسية للبيت الأبيض، الامر الذي سيقلل ايضا من التركيز على الحرب الروسية الاوكرانية. كل هذه الضوابط بلا شك، تجعل كييف تقبل مستقبلا الجلوس على طاولة المفاوضات مع موسكو، وهو الامل الذي يراود الجميع، لتحقيق السلام.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.