السفهاء والأنبياء

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرّمه على سائر المخلوقات، فأمر الملائكة بالسجود لآدم تعظيمًا لصنع الله وقدرته، فامتثلوا جميعًا إلا إبليس، الذي كان من الجن، فاستكبر وعصى ربه، فكان من المطرودين. لكنه لم يستسلم، بل سأل الله أن يمهله ليغوي بني آدم، فكان جوابه:

﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴾ (الحجر: 37).

منذ ذلك الحين، بدأ الشيطان مهمته في إضلال البشر، فوسوس لآدم وحواء حتى أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فبدت لهما سوءاتهما، ثم تابا إلى الله، فغفر لهما، لكنه أنزلهما إلى الأرض لاختبار ذريتهما، كما قال تعالى:

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (الملك: 2).

وحذر الله الإنسان من فتنة الدنيا ووسوسة الشيطان، فقال:

﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ (لقمان: 33).

كما نبّهه إلى عداوة الشيطان، فقال:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ (فاطر: 6).

وهكذا، انقسم البشر إلى مؤمنين صادقين، وكافرين جاحدين، ومنافقين يظهرون غير ما يبطنون. يقول الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة: 13).

وبالرغم من أن الله حذر الإنسان من عدوه الشيطان، إلا أن بعض الناس استسلموا له، بل وتحالفوا معه، كما قال سبحانه:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ (الجن: 6).

لكن من رحمته سبحانه، لم يترك عباده بلا هداية، بل أرسل إليهم رسلًا مبشرين ومنذرين، يحملون نور الوحي، ليخرجوا الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإيمان والتوحيد، ويرشدوهم إلى طريق الحق. قال تعالى:

﴿ رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ (النساء: 165).

وقد اصطفى الله أنبياءه من خيرة البشر، وجعلهم مثالًا في الصبر، والصدق، والأمانة، والحكمة، والعفو، فقال:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ (السجدة: 24).

لكن هؤلاء الرسل لم يسلموا من أذى أقوامهم، فالمكذبون على مر العصور كانوا يسخرون منهم، ويحاربون دعوتهم، ويتهمونهم بالسفاهة والضلال، كما قال قوم نوح له:

﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ (الأعراف: 60).

ولم تكن حجج الكافرين جديدة، فقد أنكرت الأمم السابقة البعث، وقالوا مستهزئين:

﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ (الصافات: 16).

كما تمسكوا بتقاليد آبائهم في عبادة الأصنام، ورفضوا اتباع الحق، فقال تعالى:

﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ (الزخرف: 22).

ولم يقتصروا على الإنكار، بل لجأوا إلى الطغيان والتنكيل بالمؤمنين، لكن الله كان لهم بالمرصاد.

نوح عليه السلام دعا قومه قرونًا، لكنهم كذبوه وسخروا منه، حتى جاء الطوفان فأغرقهم، ونجّى الله المؤمنين.

إبراهيم عليه السلام تحدى قومه وكسر أصنامهم، فحاولوا إحراقه، لكن الله أنجاه، فقال:

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ (الأنبياء: 69).

موسى عليه السلام واجه فرعون المتجبر الذي ادعى الألوهية واستعبد بني إسرائيل، فكان عقابه الغرق في البحر، كما قال الله:

﴿ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ (الشعراء: 66).

عيسى عليه السلام جاء مبشرًا ومصلحًا، فحاولوا قتله، لكن الله رفعه إليه.

محمد ﷺ واجه قريشًا الذين اتهموه بالسحر والجنون، وقالوا:

﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ (الحجر: 6).

ورغم الأذى، استمر في دعوته حتى أتم الله النعمة وأكمل الدين، وفتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، كما قال تعالى:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ (النصر: 1-2).

لقد كانت عاقبة المكذبين عبرة لمن يعتبر، فقد أهلك الله الأمم الظالمة بأشكال مختلفة:

الطوفان على قوم نوح.

الطاغية (الصيحة) على ثمود: ﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ﴾ (الحاقة: 5).

الريح العاتية على عاد: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ (الحاقة: 6).

الخسف بقارون: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ (القصص: 81).

إغراق فرعون وجنوده: ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُ وَجُنُودَهُ جَمِيعًا ﴾ (الزخرف: 55).

فاللهم اجعلنا من أتباع أنبيائك، وثبتنا على الإيمان حتى نلقاك وأنت راضٍ عنّا.

﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾ (آل عمران: 8).