
احتفالا بالذكرى ١٠٤ لميلاد الكاتب والصحفى الكبير إحسان عبد القدوس فهو مواليد أول يناير ١٩١٩. وتوفى فى 12 يناير 1990. ويعتبر من اوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية. وصاحب أكبر عدد من الأعمال التي تم تحويلها إلى أفلام ومسلسلات تليفزيونية من رواياته الشهيرة: في بيتنا رجل، النظارة السوداء، لا وقت للحب. أيام من شبابي له ما يقرب من 59 رواية.
ومن أكثر الأعمال الإبداعية توزيعا في الصين من بين أدباء مصر الذي ترجموا لهم أعمالهم إلى اللغة الصينية هو “إحسان عبد القدوس”.
نشأ إحسان عبد القدوس في بيت جده لوالده رضوان والذي تعود جذوره إلى قرية السيدة ميمونة زفتا الغربية. وكان من خريجي الجامع الأزهر ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية. وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جداً، وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، بحيث كان يحرم على جميع النساء في عائلته الخروج إلى الشرفة بدون حجاب.
وفي الوقت نفسه كانت والدته الفنانة والصحفية السيدة روز، سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن.
وكان ينتقل وهو طفل من ندوة جده حيث يلتقي بزملائه من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده. وقبل أن يهضمها يجد نفسه في أحضان ندوة أخرى على النقيض تماماً لما كان عليه. إنها ندوة روز اليوسف
والدة إحسان “روز اليوسف” اسمها الحقيقي فاطمة اليوسف وهي لبنانية الأصل، نشأت يتيمة إذ فقدت والديها منذ بداية حياتها واحتضنتها أسرة (مسيحية)، صديقة لوالدها والتي قررت الهجرة إلى أمريكا. وعند رسو الباخرة بالإسكندرية، طلب إسكندر فرح صاحب فرقة مسرحية من الأسرة المهاجرة التنازل عن البنت اليتيمة فاطمة ليتولاها ويربيها فوافقت الأسرة. وبدأت حياتها في الفن.
وتعرفت فاطمة اليوسف على المهندس محمد عبد القدوس، المهندس بالطرق والكباري، في حفل أقامه النادي الأهلي وكان عبد القدوس عضواً بالنادي ومن هواة الفن فصعد على المسرح وقدم فاصلاً من المونولوجات المرحة، فأعجبت به فاطمة وتزوجته، فثار والده وتبرأ منه وطرده من بيته لزواجه من ممثلة، فترك الابن وظيفته الحكومية وتفرغ للفن ممثلاً ومؤلفاً مسرحياً.
قبل أن يسافر والده “محمد عبد القدوس” إلى إيطاليا عام 1924 لدراسة فن التمثيل أدخل “إحسان” كتابا بالعباسية، وبعد ان عاد أدخله مدرسة السلحدار الإبتدائية في “باب الفتوح” ليكون في رعاية “محمد عبد الوهاب” مدرس الموسيقى وصديق “محمد عبد القدوس”، وبعدها إلتحق بمدرسة خليل أغا، ثم مدرسة فؤاد الأول حيث حصل على التوجيهية عام 1938، وكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول، وحصل على الليسانس عام 1942. وفشل في أن يكون محامياً
ويتحدث أحسان عبد القدوس عن فشله هذا فيقول: “كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محامياً لامعاً”.
وفي نوفمبر عام 1943 عقد قرانه على “لواحظ إلهامي” في منزل “محمد التابعي” وكان يتمرن في مكتب “إدوار قصيري المحامي” ولم تحضر أمه السيدة “روزاليوسف” عقد القران، وإستضاف الوالد العروسين في شقته الصغيرة بعابدين. وفي عام 1945 كتب مقالا ضد السفير البريطاني بعنوان “هذا الرجل يجب أن يذهب”، وكان “محمود فهمي النقراشي” رئيسا للوزراء فصادر المجلة وقبض على إحسان وأودع سجن الأجانب. وشهد مكتب وكيل النيابة مناقشة حامية بين الأم “روزاليوسف” والإبن “إحسان عبد القدوس” كل منهما يريد أن يتحمل مسئولية المقال.
وتقول الأم “فاطمة اليوسف” في مذكراتها أنها عينت “إحسان” بعد الإفراج عنه رئيسا لتحرير المجلة، وسمحت له بالتدخين لأول مرة أمامها، ظل إحسان رئيسا للتحرير من 1945-1964. وكان قد تولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف عام 1960 عقب تأميم الصحافة. ثم عين رئيسا لتحرير أخبار اليوم من 1966-1974، وعين عام 1971 رئيسا أيضا لمجلس إدارة المؤسسة. وإختير كاتبا متفرغا بجريدة الأهرام من 1974-1975 ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام من مارس عام 1975 حتى مارس عام 1976، وبعدها كاتبا متفرغا في الأهرام حتى وفاته في يناير عام 1990.
تولى إحسان رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عاماً، وهي المجلة التي أسستها والدته. وقد استلم رئاسة تحريرها بعد ما نضج في حياته، ولكن لم يمكث طويلاً في مجلة روز اليوسف ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين، ويتولى بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم عين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974.
لقد كتب إحسان عبد القدوس أكثر من ستمائة رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عدداً كبيراً منها حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات
ومن هذه الروايات (النظارة السوداء) و(بائع الحب) و(صانع الحب) والتي أنتجت قبيل ثورة 23 يوليو 1952. وكذلك في روايته(شي في صدري) والتي صاحبتها ضجة كبيرة في العام 1958، والتي رسم فيها صورة الصراع بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشعبي وكذلك المعركة الدائرة بين الجشع الفردي والإحساس بالمجتمع ككل.
كان لإحسان عبد القدوس دوراً بارزاً في صناعة السينما ليس فقط عن طريق الأفلام التي أعدت عن قصصه ورواياته ولكن بالتي شارك في كتابة السيناريو والحوار للكثير منها، فقد كان على النقيض من الأديب نجيب محفوظ، فهو لم يكن يؤمن بأن صاحب العمل الأدبي الأصلي لا علاقة له بالفيلم أو المسرحية التي تعد من عمله الأدبي. فقد شارك في صياغه وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم (لا تطفئ الشمس) للمخرج صلاح أبو سيف الذي كتب نص الحوار فيه، كما كتب الحوار أيضاً لفيلم (إمبراطورية ميم) الذي كانت قصته مكتوبة على أربعة أوراق فقط والذي أخرجه حسين كمال، كما شارك كذلك الكاتبين سعدالدين وهبة ويوسف فرنسيس في كتابة سيناريو فيلم (أبي فوق الشجرة).
وقد وصلت عدد رواياته التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات قرابة ال 70 فيلم ومسلسل سينمائي وتلفزيوني، منها ما عرض ومنها ما لم يعرض ليتربع بذلك على عرش أكثر كاتب وروائي له أفلام ومسلسلات في تاريخ السينما والتلفزيون المصرية، ولا ينافسه في ذلك إلا الأديب نجيب محفوظ.
أخرج لإحسان عبد القدوس عدد محدود من المخرجين وصل إلى 16 مخرجاً، وقد كان نصيب الأسد منها للمخرجين حسين كمال وصلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى وأحمد يحيى. وهذا يدل على أنه لم يكن يتعامل مع أي مخرج يعرض عليه إخراج أعماله، بل يتعامل فقط مع من يثق في قدراتهم في استيعاب أعماله بصورة جدية وجيدة. وقد قام المخرج حسين كمال بإخراج 9 أفلام من روايات إحسان عبد القدوس أولها فيلم (أبي فوق الشجرة) الذي اعتبر في وقته نقله جديدة في السينما الاستعراضية، ومن ثم اتبعهم بفيلم (أنف وثلاث عيون) من بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين، وتلاها بتقديم فيلم (إمبراطورية ميم) الذي كان نقلة نوعيه جديدة في السينما المصرية، وقد شهد فيه عودة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وليخرج بعدها فيلم (دمي ودموعي وابتسامتي) من بطولة نجلاء فتحي ونور الشريف، وكذلك فيلم (بعيدا عن الأرض)، ومن ثم قدم فيلمين للنجمة نبيلة عبيد هما (العذراء والشعر الأبيض) والذي كان انطلاقه كبيرة للفنانة نبيلة عبيد في عالم النجومية و(أرجوك أعطني هذا الدواء)، وآخر ما قدم المخرح حسين كمال من أعمال إحسان عبد القدوس كان فيلم (أيام في الحلال).
وبالرغم من كمية الأفلام التي انتجت من رواياته إلا أن هنالك جزء منها نجح نجاحاً باهراً في السينما المصرية مثل أفلام (لا أنام) وهو من بطولة فاتن حمامة وإخراج صلاح أبو سيف و (في بيتنا رجل) من بطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف و (كرامة زوجتي) بطولة صلاح ذو الفقار وشادية وغيرها من الأفلام التي أثرت السينما المصرية.
ويقول إحسان عبد القدوس:” أما الممثلات اللاتي استطعن أن يجدن تمثيل شخصيات قصصي في مقدمتهن كانت فاتن حمامة. فقد استطاعت أن تصور خيالي عندما مثلت دور (نادية) في فيلم (لا أنام)، وعندما جسدت دور (فايزة) في فيلم (الطريق المسدود)، وأذكر اني ذهبت يوما أنا ويوسف السباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من فيلم (لا أنام)، ووقفت أنا ويوسف السباعي مشدودين ونحن ننظر إلى فاتن حمامة، فقد كانت تشبه البطلة الحقيقية للقصة التي كتبتها، كذلك من أفضل اللواتي جسدن شخصياتي هن نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني”.
فالممثلة نبيلة عبيد أدت له العديد من الأعمال، فوصفها النقاد بأنها كانت نقلة كبيرة في مشوارها الفني، حيث قالت نبيلة عن إحسان:” لقد كان سبباً في وجودي في عالم السينما، فلولاه لما كانت نبيلة عبيد فقد كان ينتقي لي أدواري، ويعطيني العديد من النصائح لذا فأنا ممتنة له.
كان إحسان عبد القدوس يكتب للناس ولا يضع عينيه على النقاد، ولكن مثلما كانت له معارك سياسية في قصصه ورواياته التي كتبها كانت له أيضا منازلات فنية مع السينما والرقابة ومنها
فيلم البنات والصيف تدخلت الرقابة في القصة وقامت بتعديل نهاية الفيلم وذلك بانتحار البطلة مريم فخر الدين وذلك عقابا لها لأنها خانت زوجها في الفيلم وذلك عكس مجريات القصة الحقيقية.
– فيلم لا أنام قامت الرقابة بتعديل نهاية الفيلم بحرق بطلة الفيلم فاتن حمامة لأنها كانت بنتا شريرة رغم أن القصة لم تكن كذلك.
وفيلم الطريق المسدود طلبت الرقابة تعديل نهاية الفيلم بزواج البطلة بدلاً من انتحارها.
– وفيلم يا عزيزي كلنا لصوص رفضت الرقابة اسم الفيلم بحجة أنه يدل على أن فيه حكم على كافة البلد بأنهم لصوص، ووزير الثقافة في ذلك الوقت أوقف الفيلم سنتين حتى تمت الموافقة عليه بعد ذلك.
فيلم حتى لا يطير الدخان عندما عرضت قصته على الرقابة رفضت تماما، حتى أن منتج الفيلم تخلى عن إنتاج الفيلم، ومن ثم بعدها بفترة قام مخرج الفيلم أحمد يحيى بعمل استئناف إلى لجنة التظلمات وكانت معركة طويلة إلى أن تم الموافقة على الفيلم.
لن تنسى الحياة السياسية المصرية نضال إحسان عبد القدوس من أجل الديموقراطية والحياة الدستورية والحريات العامة حتى دفع الثمن كما ينبغي أن يدفعه المناضلون الأحرار دون أن يخفت له صوت أو يجف له قلم أو يساوم على مبادئه التي آمن بها إلى آخر يوم من حياته. لم يكن حزبيا في يوم من الأيام إلا انه كان عضوا غير منتسب إلى كل القوى الشريفة التي كانت تناضل من أجل حرية الشعب وإحترام الدستور. وعندما صدرت صحيفة الوفد في عام 1984 كان قلم إحسان عبد القدوس في طليعة الأقلام الشريفة التي كتبت فى الصحيفة.

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.