كلنا نقف أمام المرآة أوقاتا طويلة حتى نحسن من مظهرنا ..واشكالنا. ..وربما ننفق على الملبس والزينة وعمليات التجميل أموالا طائلة…
فهل وقفت أمام نفسك…!
كما تقف أمام المرأه.. وسألتها ..عن حالها ..
عن سلوكها .. عن صدقها ….وكذبها ..عن غرورها ..عن انانيتها ..عن تجبرها وعنادها ..عن تقصيرها فى طاعة ربها .او عقوقها لأبويها .وهجرها لأهلها . …عن ظلمها ..عن تصرفاتها ..
نعم يحرص الإنسان على صورته ومظهرة وملبسه
وهذا أمر مطلوب ومأمورين به شرعا بداية من تزين الزوجين لبعضهما …و التزين للخروج إلى المسجد يقول سبحانه وتعالى ..(يابنى ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد .)والله جميل يحب الجمال والله طيب لايقبل الا طيبا .
.والتجمل المظهرى هو محاولة لإصلاح العيوب فى الشكل أو إظهارشكل الإنسان فى أبهى صورة…
فهلا أيضا… نظرت إلى داخلك وأصلحتها . وعاتبت نفسك وكانت نفسك لوامة …حتى تصلح ذاتك وتحسن من اخلاقك حتى يتسق جمال المظهر مع جمال المخبر..
أم أنك لا تهتم الا بالمظهر. فمن يتغاضى عن النظر إلى سريرته واهتم فقط بمظهره …إن استطاع أن يخدع الجميع بشكلة .. فجمال الشكل خادع أو مزيف لانه جمال صناعي، أو زينة مصطنَعة والذى يعتمد فى علاقاته على الجمال المظهرى …سرعان مايتبدل هذا الجمال وينتهى ويتلاشى مع الزمن ويظهر مخبر الإنسان أو بمعنى آخر يظهر الإنسان على حقيقته…
والجمال أمر نسبي وما نراه جميلاً اليوم ربما لا نراه جميلاً غدًا.
ولذلك كان نبيُّنا عليه الصَّلاة والسَّلام إذا نظر في المرْآة يقول: «اللهُمَّ أحسنتَ خَلْقي فأحسِن خُلُقي» وهذا الدعاء رسالةً إلى أُمَّته؛ صلى الله عليه وسلم أنَّ تكون عنايتهم بالباطن، وبجمال القلب والأخلاق،..
لأن الجمال والزينة الأساسيَّة والحقيقية هي زينة الدَّاخل وجمال الباطن؛ أيْ: جمال الأخلاق، جمال الروح، وجمال النَّفس، وهى التى تنعكس وتؤثر على سلوك الإنسان الخارجيَّة،
اى أن الجمال هو جمال المَخْبَر، لا جمال المظهر.
ويقول الشاعر ..
لَيْسَ الجَمَالُ بِمِئْزَرٍ *** فَاعْلَمْ وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إِنَّ الجَمَالَ مَعَــادِنٌ *** وَمَنَاقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْـدَا
لَيْسَ الجَمَالُ بِأَثْوَابٍ تُزَيِّنُنَا
إِنَّ الجَمَالَ جَمَالُ العِلْمِ وَالأَدَبِ
فليس مِن الحُسْن أن نَسعَى إلى ستْر عورةِ الجسم، ونتركَ عورةَ النَّفس باديةً لكلِّ أحدٍ، واللهُ تَفضَّل علينا فقال: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
يقول الشاعر …
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى *** تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ كَاسِيَــــا
وَخَيْرُ لِبَاسِ المَرْءِ طَاعَةُ رَبِّـــــــهِ *** وَلا خَيْرَ فِي مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيَا…
فالجمال الحقيقى هو الذى يجمع بين جمال المظهر و جمال الجوهر، وجمال النفس, وجمال الروح، وجمال الخلق, وجمال العقل.
و يظهر ذلك فى جمال الفكر وسعة الثقافة ..مع التواضع والابتعاد عن الغرور والمن ..وعدم تقليل شأن البشر. لذلك كن صاحب نفس زكية غنية راضية بعطاء الربوية لها ..
كما أن الجمال يظهر فى اخلاقك السوية ..والكلمة الطيبة ..التى تقدر المشاعر والتى تبتعد عن التأنيب . والتجريح وايذاء المشاعر حتى ولو كنت على حق …
ومن علامات الجمال الحقيقى أن تكون عطاءا . ولا تتبع عطاؤك بالمن والأذى فتعطي بسخاء وسعاده لوجه الله ولا تنتظر من ذلك المقابل..الا من الله عز وجل ..
و أن تحس بالناس وظروفهم واحتياجاتهم من غير طلب او شكوى…
كما سيظهر جمالك من لسانك فاللسان هو ترجمان المشاعر والمعبر عن المواقف ولذا قال أحد الحكماء: « إن نصف جمال الإنسان في لسانه، والنصف الآخر في عقله، أما الوجه فليس أكثر من غلاف يبلى مع الزمن»..
ومن مميزات الجمال الحقيقى أنه جمال أبدى مستمر ودائم لايزول ولايمل ولا يتغير على مدى السنين لانه متعلق بجمال الروح والأخلاق…
والناس تتفاضل فى الدنيا وفى الآخرة وفى درجة قربهم من النبى صلى الله عليه وسلم بجمال أخلاقهم وأرواحهم لقوله صلى الله عليه وسلم ..(أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ”.
ويقول “ديموقريطس عن الجمال ”بأن الجمال يخضع للأخلاق ويرتبط بالاعتدال، ووربطه”أرسطو” بالتآلف والنقاء والإشعاع والتوازن والنظام، و رأى “الفارابي”أنه تحقيق القيم الخيرة في الأشياء الجميلة من خلال بنائها وترتيبها، وننتهي “لابن سينا” الذي يقول أن جمال أي شئ هو أن يكون على ما يجب له، أي يؤدي وظيفته المطلوبة تماما…ويقول إيمرسون:”نجوب العالم بحثا عن الجمال، ولاندري أننا يجب أن نحمله بداخلنا، وإلا لن نجده أبدا”.
نعم الله خلقنا على الفطرة وأودع بداخل كل منا بذرة للجمال الحقيقي: نقاء السريرة وسمو الروح ومَلَكة العقل، لكننا عندما لانستطيع ري هذه البذور، يعتريها العطب، نلجأ لما نعتقد أنه سيسد حاجتنا تلك، كمن يسقي البذور بالزيت ويتوقع إثمارها، فنزداد عطبا من الداخل، نزداد أفولا، يجلدنا الاكتئاب بسوطه، ونستمرفي إفساد البذرة ظنا أنها تحتاج المزيد من الملابس.عن طريق الجمال المظهرى أو الشكلى
فلنخرج الجمال الجوهري من مخدعه، حتى يفيض بأنواره على الظواهر، لنُجمل العين بالرحمة، واللسان بالصدق، واليد بالإحسان، والوجه بالبسمة، والقلب بالمجاهدة، والعقل بالتفكر و العلم، ولايضاهـي شئٌ جمال القلب والعقل إذا تجّمَلّا. وقبل ذلك كله لندرب أنفسنا عن البحث عن هذا الجمال الصادق في كل ما حواليْنا، نُبقي عينَي القلب والعقل متيقظتين لالتقاطه، ولإنهما بحقٍ من يستشعرانه وليست العين الفيزيائيـة، يقول “جبران خليل جبران”: (جمال الروح هو الشئ الوحيد الذي يستطيع الأعمى أن يـراه). دُمتَ جميلا..
بقلم .. أ.د / إبراهيم حسينى درويش وكيل زراعة المنوفية
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.