قال تعالى: ”وجعلنا الليل لباسا ، وجعلنا النهار معاشا”
اسمحوا لي بهذا المقال الموجع بصراحة، فالصراحة والمواجهة ولو كانت بقسوة نافعة وقد قيل بالامثال العامية “ماحرك داواك”.
إننا في خطر بسبب العبث بالوقت والصحة والمال وتضييعها على المتع التافهة. والأمثلة على المتع التافهة والضارة أيضاً كثيرة، وليس لها علاقة سلبية أو إيجابية بالأخلاق الحميدة.
هي فقط ممارسات لا تضيف شيئاً مفيداً للعقل ولا للمهارات ولا لصحة النفس والبدن. والسهر الطويل لربات البيوت حتى ساعات الفجر، ثم الاستيقاظ مع صلاة الظهر ، هذه واحدة من أهم الممارسات الشائعة للعبث بالوقت والصحة والمال.
يقول د. جاسر الحربش “استشاري أول في الطب الباطني”، من بين كل عشر مراجعات للعيادات الطبية تشتكي سبع أو ثماني سيدات من عسر الهضم وحرقة المعدة وانتفاخ البطن والإجهاد السريع وضيق التنفس.
عندما تسأل إحداهن عن برنامج حياتها اليومي تكتشف أنها تسهر حتى ساعات الفجر أمام التلفزيون، ثم تنام حتى الظهر، لتستيقظ بمزاج البائس التعيس الذي لم يرَ نور الصباح ولم يستنشق هواء نقياً منذ أعوام طويلة.
بالفحص الطبي يتضح عند هذا النوع من ربات البيوت مجموعة من الأمراض الناتجة عن العبث بالوقت والحياة:
➖ عضلة المريء ترتخي مما يسبب الارتجاع الحمضي.
➖ الأمعاء تصبح طبلاً مليئاً بالغازات المتخمّرة من وجبة العشاء المتأخرة.
➖ الكبد غارقة في الدهون.
➖ فقر دم رغم السمنة الظاهرة.
➖ عضلات الأطراف ضامرة رغم ضخامة الجذع والبطن.
➖ طاقة التنفس هزيلة والعظام هشة بسبب نقص فيتامين د وعنصر الكالسيوم، لانقطاع التعرُّض لأشعة شمس الصباح.
ما هي إلا سنوات قليلة ثم يداهم مثل هذه السيدة مرض السكري والكوليسترول وحصوات المرارة وارتفاع ضغط الدم، ثم تتحوّل إلى عالة على منزلها ومصدر نزيف مالي مستمر على الأدوية والاستشارات الطبية.
على النقيض من هذه الكتلة العليلة من الشحوم تكون العاملة الآسيوية التي لا يزيد وزنها على خمسين كيلوغراماً ، قادرة على العمل لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة دون آلام عضلية ولا لهاث في التنفس ولا انتفاخ في الأمعاء، تضع رأسها على المخدة قبل منتصف الليل فتستمتع بنوم عميق مريح ثم تصحو في السادسة صباحاً مع الطيور.
تنازلت ربة البيت عن استثمار وقتها فيما يفيد، وأهملت الشروط الضرورية لاكتمال الصحة وتعللت بخدعة نقص فيتامين د المزعوم بل ودفعت المال للعاملة لتنوب عنها في إدارة المنزل.
ضحّت بكل ذلك مقابل السهر ساعات إضافية على مسلسلات وبرامج تافهة في الفضائيات.
هذا النموذج من ربات المنازل لا يتواجد فقط في الطبقات الغنية المرفّهة ، بل تجده في أغلب البيوت حتى في أبعد قرية عن العمران.
الشبان والشابات من طلبة المدارس والجامعات، مصابون أيضاً بداء السهر وبنفس العلل الصحية المترتبة عليه، لأنهم يسهرون حتى بعد منتصف الليل على أجهزة الدردشة وبرامج التلفزيون.
الرجال في مثل هذه البيوت لديهم نفس الاعتلالات والأمراض؛ لأنهم يدمنون السهر في المقاهي وملاحق المنازل، ويتناولون وجبات عشاء دسمة بعد منتصف الليل من أقرب مطعم فيصبح الحال من بعضه.
ومن جهه اخرى تقول ام منصور، أغلب ربات البيوت الأغلب يجبرون على السهر خصوصا إذا كان لديها أطفال صغار في وقت النفاس أو يكون لديها زوج أو أحد أفراد الأسرة يعاني من مرض ، فالمرأة تجبر على السهر من أجل خدمة ذويها لخدمتهم وأنها هي المسؤولة عن البيت ومن فيه ، فهي مرغمة على هذا السهر وخصوصا في وقت الإجازات السنوية مثل الإجازة الصيف وإجازة الأعياد وغيرها من الإجازات لأنها مهما فعلت من أمور لا تستطيع السيطرة على الجميع والنوم خصوصا إذا كان هناك دراسة صيفية لأي أحد أو هي تكون عاملة ويكون لديها دوام ليلي. هذا يؤدي إلى السهر لأنها تعود إلى المنزل وتقوم بالكثير من الأعمال التي لم تنجزها في غيابها.
وتقول ان الرجل يسهر ويتعرض لنفس الشيء محتمل يكون هو أيضا مرغم على هذا السهر لنفس الأسباب التي تكون لدى المرأة.
قبل عدة سنوات كان الناس عندنا ينامون بعد صلاة العشاء بساعتين على الأكثر ، وينهضون مع بواكير الفجر الأولى مكتملي الحيوية والنشاط ، ومع طلوع الشمس ينصرف كل طرف إلى مهماته اليومية.
آنذاك كانت معدّلات الإصابة بالسكري وضيق الشرايين وتصلُّب المفاصل والاعتلالات الهضمية تكاد تكون صفراً .
مجتمعنا الحالي مصاب بكل أمراض التسيب والتساهل مع الوقت وشروط الحياة الطبيعية.
نحن في أمسّ الحاجة إلى إعادة تأهيل وبرامج توعية، تعيدنا إلى الالتزام بقواعد التعامل مع الزمن وشروط الجودة النوعية للحياة .
لولا الخشية من فساد الأطعمة في ثلاجات ومخازن التبريد، لاقترحت قطع الكهرباء عن المنازل والاستراحات قبل منتصف الليل ، باستثناء يومي نهاية الأسبوع.
ولم يبق إلا ان تتخذ الدول قرارات بمنع المقاهي والأسواق وحتى منع التجول بدون سبب بعد الحادية عشر ليلا ،ورغم كثرة المسافرين لدول اخرى ومشاهدة الواقع عين اليقين وكيف انهم بعد المغرب تهدأ المدن وتخلى الشوارع من الحركة ويخيم السكون الا اننا لم ننقل هذا الواقع لمدننا فماهو السبب ؟؟!!
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.