عجبا لهذا الانسان المغرور الذى يظلم نفسه دائما فيحملها مالا تطيق ..فقد اختار ان يحمل الامانة التى أشفقت منها الجبالُ والسماواتُ والارض يقول تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )..وبهذا الاختيار أصبح الانسان خليفة الله فى أرضه وتحمل أمانة التكليف ومنحه الله العقل وبهذا غرس فى النفس البشرية فطرةَ الأفضلية التى كانت سببا فى أن يجتهد ويعمل ويتنافس..وتتطور الدنيا
لكن في المقابل كانت الأفضلية سببا فى أن يصاب الانسان بالغرور والكبر والتسلط ..وحب الذات و ( ألأنا ) ويعتبر نفسه فى كفه وباقى البشر فى كفة اخرى..
وعندما تتحول العلاقات بين البشر من علاقات التعاون والشراكة الى علاقة الوصاية والتدخل فى شؤنهم واستعبادهم ..والتسلط عليهم . تختل موزاين الحياه ..وتفسد المجتمعات …
نماذج للوصاية والتسلط
فعندما يتحول رجل الدين من داعية وقدوة وناصح الى وصى ومتسلط ويمنح نفسه حق إعطاء صكوك الغفران. هذا سيدخل الجنة وذاك سيدخل النار ..وهذا مؤمن وهذا كافر..
وأمثال هؤلاء ينصبون من أنفسهم آلهةً من دون الله ويمنحون لأنفسهم حق الحساب والعقاب …
ومنهم الذى يتطرف فيخربون البلاد ويقتّلون العباد ويسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل. .
وعندما يتحول قادة الفكر والمثقفون فى المجتمع من رواد للتنوير وتشجيع الابداع الى الوصاية والتسلط وينظرون الى العادات والتقاليد بازدراء واحتقار
وصاحب هذا الفكر يستنكر كل صوت إلا صوته، ويسفّه كل رأي إلا رأيه، والناس من وجهة نظره جهلة..وأغبياء. وهو المتعلم والمثقف الوحيد..
وكذلك العلاقات الاسرية سواء بين الزوج والزوجة أو العلاقات بين الإخوة وألابناء إذا تحولت من علاقة قائمة على الرحمة والمودة والشراكة إلى علاقة قائمة على الوصاية والتسلط والإستعباد ويستغل الزوج القوامة اسوأ استغلال .. تنقلب الحياة الاسرية و الزوجية رأسا على عقب.
وتتحول الحياة من السعادة الى الجحيم وتخرب البيوت العامرة ، وتنتهى الاسرة التى هى لبنة المجتمع .
واذا قامت العلاقات الانسانية بين الاصدقاء او الزملاء أو بين ذوى الارحام على الوصاية والتدخل فى شئون حياتهم والتسلط عليهم ساءت هذه العلاقات وتقطعت الأواصر وتحولت العلاقات الطبيعية الطيبة التى تعمل كى تبنى وتنتج و تعمر الى علاقات فاشلة يملؤها الحقد والضغينة والحسد بل ربما يصل الخلاف الى الانتقام
وصايا مهمة ..
١- لا تجعل من نفسك وصيا علي الناس ،عندما تتعامل مع الناس، لا تتدخل فيما لا يعنيك ولا تسأل عن أمور لا تخصك…
٢- لايوجد إنسان إلا وفيه نقائص وأخطاء وعيوب، فلا تَتَبَّع عيوب الناس ونقائصهم؛ واخبارهم السيئة بل استرها، حتى لا يُسلّط الله تعالى عليك من يتتبَّع عيوبك ويفضحها.يقول رسول الله ﷺ “”لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتَّبع عوراتِهم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته””.
٣-احترم خصوصيات الاخر وعقله وارادته .واترك مسافة آمنة بينك وبين الاخرين تؤدى الى استمرار العلاقة بينكما..والعمل على المحافظة عليها..
٤- لا تخن الأمانة والثقة إن وثق بك البعض وحدثوك عن حياتهم،عليك ان تحفظ أسرارهم، ولا تنقلها لأحد، وإن بلغك عن أحدهم ما يسيئ إليه فأجعل الأمر يقف عندك ولا تنقله لغيرك..
٥- عندما تتركك ما لا يعنيك فهذا علامة على حسن اخلاقك ودينك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه )
٦- لا تتكلم فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لايرضيك، ولقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :من أحب أن يفتح الله تعالى قلبه أو ينوره فعليه بترك كثرة الكلام في مالا يعنيه، وترك الذنوب والمعاصي، ويكون له فيما بينه وبين الله تعالى خبيئة من عمل، فإنه إذا فعل ذلك فتح الله تعالى عليه من العلم ما يشغله عن غيره..
٧- لا تُنصّب نفسك وكيلًا على ذُرّية آدم .. ولا تتقمّص دور الوصيّ على البشرية، حتى لوكان من تمارس الوصاية عليه هو اقرب الناس اليك ومهما بلغت محبّتك له فذلك لا يمنحك حقّ الوِصاية عليه أو التدخُّل بخصوصياته….لان تدخلك فى حياته .. تلغى كيانة وارادته وتغتاله فى حرية اتخاذ قراره…..
٨-اعلم أن نصف الراحة في عدم مراقبة الآخرين ونصف الأدب في عدم التدخل في ما لا يعنيك
ومن ألامور التى تجعلك مرتاح البال ..ان تبتعد عن التطفّل على خصوصيات الناس..فلكل انسان مساحة لايحب ان يطلع عليها أحد تمثل نقطة ضعفه البشرى ..
٩- من الأداب التى يجب ان نتعلمها ونعلمها لأبنائنا أن لا تسأل أحداً عن شيء يخفيه عنك فقد وصى والد ابنه فقال ” يَا بُنَيَّ كُنْ أَخْرَس عَاقِلًا.،وَلَا تَكُنْ نطوقا جَاهِلًا، وَلِأَنّ يَسِيل لعابك عَلَى صَدْرِك وَأَنْت كَاف اللِّسَانِ عَمَّا لَا يَعْنِيك،أَجْمَل بِك وَأَحْسَنُ مِنْ أَنَّ تَجْلِسَ إلَى قَوْمٍ
فَتَنْطِق بِمَا لَا يَعْنِيك
١٠- راقب نفسك قبل ان تحرص على مراقبة غيرك ..ولماذا تنسى نفسك التى فى جنبيك التى هى اولى بمراقبة سلوكها وإصلاحها حتى يغنيك الله فأترك الناس بحالهم وانظر الى مافيك أنت
١١- ولا تبدى رأياً لم يَطْلبه منك أحد، ولا تتدخل فيما لا يعنيك، ولا تقترب من خصوصيات الناس. ونختم بقول أحد دهاة العرب :ما غلبتني إلا جاريةكانت تحمل طبقاً مغطّى فسألتها : ماذا يوجد في الطبق ؟ فقالت : ولِمَ غطيناه إذن ؟فأحرجتنى !
وصايا للتعامل مع الشخصية التى تسعى للوصاية والتسلط عليك
وذلك بوضع حدود للتعامل والاحتفاظ بمساحة بينك وبينه لاتسمح لاى فرد ان يتخطاها بما يسمى المسافة ألآمنة .والتجاهل التام له فان ذلك يفسد جميع مخططاته، وهى رسالة له واضحة بان مايقوم به من تصرفات غير مقبولة بالنسبة لك.
وعليك بالمواجهة اذا مارس التهكم او السخرية عليك وطلب منه التوقف عن هذه السخافات .
وتجنب مصاحبة هؤلاء،والابتعاد قدر الإمكان عن هؤلاء بقدر المستطاع .مع الاحتفاظ بالهدوء دائمًا وعدم عدم الاستسلام لهذه الشخصية مهما مارست ضدك اى ضغوط ..
ولا للمجاملة عند اى حديث او رأى له لتشعره بانه وكلامه ورأيه غير مرغوب فيه
الدعاء ..
اللهم لا تشغلني بخلقك ولا برزقك عن قربك ولا بلهو عن ذكرك ولا بحاجة من حوائج الدنيا عن عبادتك وشكرك ولا تأخذني منك إلا إليك ولا تشغلني عنك إلا بك
واجعل أعمالي و أقوالي و حياتي كلها خالصة لوجهك الكريم
وطهر قلبي من الرياء و النفاق و سوء الخلق يارب العالمين ..
بقلم .. أ.د / إبراهيم حسينى درويش أستاذ المحاصيل الحلقية ووكيل كلية الزراعة السابق بجامعة المنوفية
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.