ألقى المدير العام لمركز إرسيكا مَحْمُودْ اِرُولْ قِلِيجْ ندوة للمشاركين الأتراك والمصريين حول المخطوطات في مقر إقامة السفارة.
بهذه الندوة بدأ الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر في القاهرة.
خلال الندوة تم تقديم النسخة العربية من المخطوطة التركية العثمانية “عبر البشر في القرن الثالث عشر” التي كتبها محمد عارف باشا، سكرتير كفالالى محمد علي باشا ووالي تكيرداغ في الدولة العثمانية.
ألقى المدير العام لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) والأكاديمي والسفير التركي السابق في جاكرتا الأستاذ الدكتور محمود أرول قليج ندوة حول المخطوطات بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر.
حيث زار الاستاذ الدكتور قليج الدورة 56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يعد من اهم معارض الكتب على مستوى العالم.
وبهذه الفرصة نظمت الندوة التي جرى فيها تقديم النسخة العربية من كتاب “عِبر البشر في القرن الثالث عشر” الذي عثر عليه الأستاذ الدكتور مَحْمُودْ اِرُولْ قِلِيجْ في إسطنبول.
وفي حديثه أثناء الندوة اعطى الأستاذ الدكتور قِلِيجْ معلومات عن كتاب “عِبر البشر في القرن الثالث عشر” الذي كتبه محمد عارف باشا، كاتب كافالالي محمد علي باشا ووالي “تكيرداغ” في الدولة العثمانية، وذكر أن الترجمة العربية للكتاب وقد نشر العمل في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.
وأشار إلى أن النسخة الأصلية من العمل محفوظة في جامعة إسطنبول كما قدم قِلِيجْ معلومات عن المخطوطة التركية العثمانية وقال إن المخطوطات هي علامة مهمة على ذاكرة الأمة.
وأوضح الأستاذ الدكتور قِلِيجْ أنهم يعملون أيضًا بشكل وثيق مع السلطات المصرية بشأن رقمنة وحفظ المخطوطات التركية العثمانية مضيفا أن هذا العمل يقدم معلومات مباشرة عن جهود كافالالي محمد علي باشا ومحمد عارف باشا في نشر اللغة والثقافة التركية في مصر.
وفي كلمته في الندوة أشار الأستاذ الدكتور قِلِيجْ إلى أن مكتبة السليمانية في تركيا والتي تضم أكبر مجموعة من المخطوطات في العالم الإسلامي تعتبر نَظَيرًا لمكتبة دار الكتب المصرية. وقال أن تركيا ومصر من أهم الدول في مجال تبني المخطوطات والحفاظ عليها، وأن البلدين يملكان أغنى مجموعات المخطوطات العربية في العالم الإسلامي.
وتابع الأستاذ الدكتور قِلِيجْ قائلا إن هذا يرجع الى الموقع المركزي للبلدين في التاريخ والحضارة الإسلامية، حيث استضافتا العديد من السلالات والعائلات والحضارات عبر التاريخ، فضلاً عن كونهما عاصمتين للعديد من البلدان في عصرهما.
ولذلك، فإن كل من تركيا ومصر لديهما تراث ثقافي فريد من نوعه ومكتبات مليئة بالمخطوطات.
وفي هذا السياق، أضاف الأستاذ الدكتور قِلِيجْ أن عدد المخطوطات الإسلامية في العالم اليوم يقدر بأكثر من مليون وخمسمائة ألف مخطوطة، وأن هذه المخطوطات موزعة في ألفين وخمسمائة مجموعة مختلفة في مائة وستة بلدان، وتقع في أكثر من 100 دولة. أكثر من ألف وثلاثمائة مدينة.
وردا على سؤال حول إمكانية ترجمة المخططات التي في الأرشيف العثماني الى اللغة العربية قال الأستاذ الدكتور محمو أرول قليج أوضح ان احد منشورات مركز ارسيكا يسمى البلاد العربية في الوثائق العثمانية وبسبب هذا سجلت على سبيل المثال كل شارع وزقاق في فلسطين حتى ان الكيان الصهيوني ادعى انه لا توجد أي وثيقة تثبت ملكية العرب لحرم المسجد الأقصى ونحن وقد طلب منا الفلسطنيين هذه الوثيقة وارسلناها لهم.
وفي هذا السياق، ألقى سفير الجمهورية التركية في القاهرة صالح موطلو شن كلمة في الندوة وأعرب عن سعادته بتنظيم مثل هذه الندوة المفيدة بمشاركة الأستاذ الدكتور مَحْمُودْ اِرُولْ قِلِيجْ ، وقال إن العمل ” عِبر البشر في القرن الثالث عشر” هو المصدر الأصلي للفهم الصحيح للتاريخ المصري التركي المشترك وأن النسخة الأصلية من هذا العمل أحضرت إلى القاهرة في عهد الملك فؤاد وتم حفظها ونسخها وترجمتها إلى اللغة العربية ولكن بعد ذلك نسيت وفقدت. معربا عن شكره للدكتور محمد سرحان الذي ترجمها إلى العربية.
وأضاف السفير صالح موطلو شن أنه متأكد من أن هذا العمل سيحظى باهتمام كبير من الأجيال الشابة مؤكدا أن الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر بدأ بهذه الندوة في القاهرة.
وأشار السفير شن إلى أن وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي سيقوم بزيارة رسمية إلى تركيا في 4 فبراير 2025، وأنه سيتم إقامة حفل لتسليم قطعة أثرية مصرية إلى تركيا خلال هذه الزيارة، مضيفًا أن الزيارة ستكون حدث ثقافي بين مصر وتركيا، وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الحدث سيقدم إسهامات كبيرة في تطوير العلاقات.
السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور مَحْمُودْ اِرُولْ قِلِيجْ
وُلد الأستاذ الدكتور مَحْمُودْ اِرُولْ قِلِيجْ في عام 1961 باستانبول. وتخرّج في كلية العلوم السياسية بجامعة استانبول عام 1985. وأثناء دراسته الثانوية والجامعية درس أيضًا علوم الصّرف والنّحو والتفسير والحديث والفقه على يد بعض المشايخ. وحضر أيضاً دروس بعض مشايخ الصوفية. وبعد تخرّجه أقام مدةً من الزمن في المملكة المتحدة وفي مصر، ثم قَبْلَ التحاقه بالعالَم الجامعي عمل مديراً لإحدى دور النشر. وفي قسم الفلسفة الإسلامية بجامعة مرمرة، حيث بدأ عمله مساعداً، كتب رسالة الماجستير تحت عنوان “هرمس والفكر الهرمسي في ضوء المصادر الإسلامية”، ونُشرت في عام 1989. وبعد إنشاء قسم التصوف في الجامعات التركية عام 1993، أعدّ أطروحته تحت عنوان “الوجود ومراتبه في فكر ابن العربي” (ونُشرت سنة 1995)، وكانت أول أطروحة دكتوراه كُتبت في ذلك التخصّص العلمي الجديد. ثم ترقّى برتبة أستاذٍ مشاركٍ عام 1998، ثمّ برتبةِ أستاذٍ متفرّغٍ عام 2004. كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. ونُشرت المقالات التي كتبها في موسوعاتٍ ومجلاتٍ متعددة. وقدّم أوراقاً بحثية في مؤتمراتٍ وطنية ودولية. ونال بحثه الذي يحمل عنوان “عثمانلي تصوف شعرينين پووتيكاسى” (الصوفي والشعر: شعريّة الشعر الصوفي العثماني) على جائزة الدراسات والبحوث، مَنَحَهُ إيّاها اتحادُ كتّاب الأتراك في عام 2004، وقد تُرجم إلى عدّة لغات. وألّف الأستاذ الدكتور قِلِيجْ ثمانية عشر كتاباً، وترجم خمسةً، وحقَّقَ كتابَيْنِ، نُشرت جميعها؛ كما أنه يجيد اللغة الإنجليزية والعربية والفارسية والفرنسية. ويدرِّس في معهد الدراسات الصوفية بجامعة أوسكودار في استانبول. والأستاذ الدكتور قِلِيجْ متزوجٌ وله وَلَدَانِ وسِبْطَانِ.
عضو في الهيئات العلمية التالية:
2010-2015: عضو في هيئة تحرير مجلة الدراسات الصوفية (لايدن، دار بريل للنشر)،
2014-2022: عضوٌ في الهيئة العامة للجنة الوطنية التركية العامة لليونيسكو،
عضوٌ فخري في جمعية محيي الدين ابن العربي بأوكسفورد،
2021- ، عضو في المجلس الاستشاري للمجلة التركية للدراسات الإيرانية،
2021- ، عضو في المجلس العلمي للجمعية التاريخية التركية،
2021- عضو في المجلس الاستشاري لمركز جامعة مرمرة للتطبيق والبحث في الدراسات حول القدس.
الوظائف الإدارية:
2005-2008: رئيس متحف الآثار التركية والإسلامية في استانبول،
2008-2018: أمينٌ عامٌّ لاتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في طهران،
2019-2021: سفير الجمهورية التركية لدى جمهورية إندونيسيا،
2021- ، مديرٌ عامٌّ لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي.
الأعمال المنشورة:
1) عثمانلي تصوف شعرينين پووتيكاسى (الصوفي والشعر: شعريّة الشعر الصوفي العثماني)، نُشر في استانبول عام 2004، وصدرت عنه عشر طبعات، وتُرجم إلى اللغة الفارسية والفرنسية والألبانية والتركية الآذرية.
2) أوله يولجولق [رحلة إلى الأول]، نُشر في استانبول عام 2008، وصدرت منه ستُّ طبعاتٍ، وتُرجم إلى اللغة الفارسية.
3) شيخ أكبر: ابن عربي دوشونجه سينه ﮔيريش [الشيخ الأكبر: مدخل إلى فكر ابن العربي]، نُشر في استانبول عام 2009، وصدرت عنه ثماني طبعات، وتُرجم إلى اللغة الفارسية.
4) أناطولونك روحى [روح الأناضول]، نُشر في استانبول في عام 2011، وصدرت عنه خمسُ طبعاتٍ، وتُرجم إلى اللغة الفارسية.
5) هرمسلر هرمسي: إسلام قايناقلارى ايشيغيده هرمس و هرمتيق دوشونجه [هرمس الهرامسة: هرمس والفكر الهرمسي في ضوء المصادر الإسلامية]، نُشر في استانبول عام 2017، وصدرت عنه ثلاثُ طبعات، وتُرجم إلى اللغة الفارسية.
6) تصوفه ﮔيريش [مدخل إلى التصوف]، نُشر في استانبول عام 2012 وصدرت عنه اثنتا عشرة طبعةً.
7) حياتين سطر ارالرى [بين سطور الحياة]، ونُشر في استانبول في عام 2013 وصدرت عنه تسعُ طبعاتٍ.
8) تصوف دوشونجه سي: مقاله لر – قونفرانسلر 1 [الفكر الصوفي: مقالات ومحاضرات 1]، نُشر في استانبول عام 2014 وصدرت عنه ثلاثُ طبعاتٍ.
9) صوفي و صنعت: مقاله لر – قونفرانسلر 2 [الصوفي والفن: مقالات ومحاضرات 2]، نُشر في استانبول عام 2015، وصدرت عنه طبعتان، وتُرجم إلى اللغة الألبانية.
10) مولانا اوزرينه قونوشمالر [محاضرات حول مولانا جلال الدين الرومي]، نُشر في استانبول عام 2014 وصدرت عنه طبعتان.
11) ابن العربي، نشره مركز البحوث الإسلامية –إيسام- في استانبول عام 2015 وصدرت عنه ثلاث طبعات.
12) آييرمغه دكل بيرلشديرمكه ﮔلديك [جئنا للاجتماع لا للافتراق]، نُشر في استانبول عام 2015.
13) اناطولى تصوف تاريخينه نوتلر 1 [ملاحظات حول تاريخ التصوف في الأناضول 1]، نُشر في استانبول عام 2016.
14) اناطولى تصوف تاريخينه نوتلر 2 [ملاحظات حول تاريخ التصوف في الأناضول 2]، نُشر في استانبول عام 2016.
15) التحفة العشاقية: عشاقي سالكلرينين آدابى [التحفة العشاقية: آداب الطريقة العشاقية] (إعداد)، نُشر في استانبول عام 2016 وصدرت عنه ثلاث طبعات.
16) شفق يازيلرى 1 [مقالات في جريدة شفق]، صدرت في استانبول عام 2017.
17) شفق يازيلرى 2 [مقالات في جريدة شفق]، صدرت في استانبول عام 2018.
18) كلنكيك پشينده بير دين فلسفه سي اوله رق تصوف [في أثر الأعراف. التصوّف كفلسفة الدين]، صوفي كتاب، إستانبول، 2024.
تحقيق الكتب:
ابن العربي، فصوص الحكم، تحقيق محمود أرول قليج وعبد الرحيم آلقيش، بالاعتماد على أقدم مخطوطٍ مؤرّخٍ بسنة ستمائة وثلاثين هجرية (630هـ) وموجودٍ في متحف الآثار التركية والإسلامية (1933)، وصدر عن «دار لِيتِيرَا للنشر» في استانبول عام 2016.
عبد الله صلاح الدين العشاقي، شرح كتاب مواقع النجوم (ثلاث مجلدات)، تحقيق محمود ارول قليج ومحمد أديب الجادر، وصدر
عن “دار نَيْنَوَى للنشر” في دمشق عام 2015.
كُنوزُ التاريخِ المُشتَرَك: المخطوطات في مصر وتركيا
بَدَأت الأدبيات المخطوطة في التاريخ الإسلاميّ مع تَدوين القرآن الكريم وأحاديثِ النبيّ عليه أفضل الصلاة وأتَمُ التسليم، ومع تنوّع العلوم وحتى اختراع الطباعة أصبحت هذه المخطوطات واحدة من أهم رَكائز العِلمِ والثقافة. وقد أضفت الفنون المرتبطة بالمخطوطات التي بدأت بتجليد المصاحف، وصِناعة الحبر، وفن الخط، والورق، والمُنَمْنَمات، والزخرفة (التذهيب)، أبعادًا جماليةً على المخطوطات، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في إضفاء جماليةٍ خاصة على المسيرة الفنيّة للحضارةِ الإسلامية. وبالتالي، فإنّ وَصفَ الحضارة الإسلامية بأنها “حضارةُ المخطوطات” ليس بالمُبالغة. فلقد لعبت المخطوطات الإسلامية دورًا كبيرًا في نقل ميراث الحضارات الهندية والفارسية والإغريقية-الرومانية، إلا أنّ الكثير منها فُقِدَ بسبب عوامل الزمن وأحداثه. واليوم، قدرتنا على الحديث عن أعلام تاريخ العلوم ورموز الحضارة الإسلامية أمثال أرسطو، الكِندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، الغزالي، البخاري، الطبري، ابن الهيثم، الخوارزمي، ابن حوّقل، ابن خُرداذبة، ابن العربي، ابن تيمية، ابن بطوطة، ابن جُبَير، مولانا جلال الدين الرومي، ابن خلدون، بيري ريّس، أوليا جلبي، وكاتب جلبي، واطلاعنا على أعمالهم، بل وحتى وُصُول العلوم والتكنولوجيا إلى مستواها الحالي، إنما هو نتيجة للإسهام الفريد والقَيِّم الذي قَدّمته المخطوطات للحضارة الإنسانية جمعاء.
لقد تزايد الاهتمام بالمخطوطات بشكل ملحوظ مع تطور علم دراسة المخطوطات (الكُودِيكولوجيا)، وزيادة الاعتمادِ على الرَقْمَنَة، إلى جانب الإنترنت والمكتبات الرَقْمِيَة والذكاء الاصطناعي، وتقنياتِ التَعَرُّفِ الضَوئيِّ على الأحرف (OCR). وقد قامت العديد من المكتبات حول العالم بِرَقْمَنَةِ ما لديها من المخطوطات وإتاحتها لاهتمام الباحثين والعلماء. كما يُمكِنُ أيضًا قراءة المخطوطات الرقمية باستخدام تقنية التعرّف الضوئي على الأحرف والكلمات، وترجمتها إلى لغات أخرى بمساعدة الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحليل البيانات الضخمة (Big Data) الناتجة عن المخطوطات باستخدام أدوات التنقيب عن البيانات (Data Mining) وعلوم الإنسانيات الرقمية (Digital Humanities)، مما يُسهم في استكمال الصورة الكبرى والفهم الأعمق للتراث العلمي الذي نمتلكه. ومع كل هذه التكنولوجيا وما توفره من تسهيلات، فإنّ الاحتلالات والحروب والاضطرابات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي وعمليات النهب، لا تزال تهدد عشرات الآلاف من المخطوطات، التي لم يتم فَهْرَسَتها أو رَقْمَنَتِها بعد، وخاصةً في دول مثل فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا ومالي، مما يجعلها عرضة للتَلَفِ والضياعِ المُحَقَّقْ.
يُقدَّرُ عدد المخطوطات الإسلامية في العالم اليوم بأكثر من مليون وخمسمائة ألف مخطوطة. وتتوزع هذه المخطوطات في مئة وستة دول ضمن ألفين وخمسمائة مجموعة مختلفة. وتتواجد هذه المخطوطات في أكثر من ألفٍ وثلاثمائة مدينة، وقد كُتِبَت بـأربعين لغة مختلفة. تُشِكِّل المخطوطات المُتَعَلِقة بالعلوم الدينية مثل القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والكتب العلمية وغيرها، النسبة الأكبر من هذه المخطوطات، حيث إن ستين بالمائة منها مكتوبةٌ باللغة العربية. وبالتالي، فإن المخطوطات العربية تحمل أهمية كبيرة من حيث كونها جزءًا أساسيًا من التراثِ الثقافيِ الإسلامي.
تُعَدّ كلٌّ من مصر وتركيا من بين الدول الأكثر أهمية من حيث احتِضانِهِما وحِفظِهِما للمخطوطات العربية. إذ تمتلك هاتان الدولتان أغنى المجموعات من المخطوطات العربية في العالم الإسلامي. ويرجع ذلك إلى مَرْكَزِيَّتِهِما في التاريخ والحضارة الإسلامية، حيث كانتا موطنًا للعديد من الأُسَرِ الحاكمة والدول والحضارات، كما أنّهما احتضنتا عواصم لسلالاتٍ عدة على مر التاريخ. ولذلك، تَمتَلِكُ كلٌ مِن مصر وتركيا إرثًا ثقافيًا مميزًا ومكتبات زاخرة بالمخطوطات. وفي هذا السياق، يُمكنُ أن نَذكر على سبيلِ المِثالِ لا الحَصْر مَناراتٍ عِلميَّةً بارزةً مثل مكتبة دار الكتب المصرية في جمهورية مصر، ومكتبة السليمانية للمخطوطات في الجمهورية التركية.
إنّ تأسيس مكتبة دار الكتب المصرية يُعدّ مثالًا واقعيًا على التعاون الثقافي والارتباط الوثيق بين مصر والدولة العثمانية. فقد تأسست هذه المكتبة بتشجيع من السلطان العثماني عبد العزيز (انظر: جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، ج 2، ص 461)، وبمبادرة من علي باشا مبارك، ناظر الأوقاف في مصر، وبمساعدة الخديوي إسماعيل باشا.
اقتَرَحَ علي باشا إنشاء مكتبة تُجْمَعُ فيها المصاحف المكتوبة بخط اليد والكتب النَفيسة الموجودة في المساجد التابعة للأوقاف، والمدارس، والدواوين الحكومية في القاهرة، خاصة تِلك التي تَعَرَّضَ بَعضُها للتَلَفِ أو الضَياع. وبناءً على ذلك، أصدَرَ الخديوي إسماعيل باشا إرادة سَنِيّة في 23 مارس 1870م يأمر فيها بتأسيس مكتبة عامة تضم ثلاثين ألف مجلد لتكون متاحة للجمهور والمهتمين. وفي خطوة لدعم هذا المشروع الكبير، أهدى الخديوي إسماعيل للمكتبة ثلاثة ألاف وأربعمائة وثمانية وخمسين كتابًا اشتراها على نفقته الخاصة، من بينها ألفان وأربعمائة وثلاثة وسبعون كتابًا باللغة العربية، وستمائة وخمسون كتابًا باللغة التركية، وثلاثمائة وخمسة وثلاثون كتابًا باللغة الفارسية. وبعد ذلك، تم إثراء هذا الكنز الثقافي بدعم من شقيقه مصطفى فاضل باشا.
في البداية، تألفت المجموعات التي شكّلت النواة الأولى لمكتبة دار الكتب المصرية من المصاحف والمخطوطات النفيسة التي أوقفها السلاطين وغيرهم من الشخصيات على المساجد. كما شملت كتبًا تعود إلى شخصيات بارزة مثل حسن باشا المَنَسْتِيرلي، مصطفى فاضل باشا، والشيخ الشَنْقِيطِي. ولاحقًا، أُضيفت إلى المكتبة مجموعات قيّمة من كتب عدد من العلماء ورجال الدولة، مثل محمد علي، خليل آغا، أحمد طلعت، أحمد تيمور، أحمد زكي، إبراهيم حلمي، كمال الدين حسين، يوسف كمال، مصطفى فاضل، أحمد الحسيني، محمود الفلكي، عمر مكرم، علي جلال بك الحسيني، وعمر طوسون.
تُعدّ المكتبة اليوم من أغنى المكتبات بالمخطوطات في العالم العربي. وقد تم إعداد فهارس لمخطوطاتها ونشرها على مراحل مختلفة. ومنذ عام 1971م، أصبحت المكتبة تُعْرَفُ باسم “الإدارة العامة لدار الكتب”، وهي تعمل حاليًا كإدارة عامة تابعة لمؤسسة “الهيئة المصرية العامة للكتاب” (General Egyptian Book Organization) التي أُنشئت تحت إشراف وزارة الثقافة والإرشاد القومي. ومن الجدير بالذكر أن المكتبة لا تزال تواصل أنشطتها في الفهرسة، والنشر، والرَقْمَنَة، مما يجعلها واحدة من أهم المؤسسات الثقافية والعلمية في الحفاظ على التراث العربي والإسلامي.
أما في تركيا، التي تمتلك أكبر مجموعة من المخطوطات في العالم الإسلامي، فَتُعَدُ مكتبة السليمانية نَظَيرًا لمكتبة دار الكتب المصرية. وقد تأسست مكتبة السليمانية من خلال تحويل المكتبتين التابعتين للمدرستين الأولى والثانية في مَجْمَعِ السليمانية التاريخي إلى مكتبةٍ عامة، وذلك من خلال جمع الكتب المنتشرة في مكتبات مختلفة في أحياء إسطنبول. حيث كانت المكتبات الوقفية المنتشرة في مختلف ولايات الأناضول، والتي كانت معظمها في إسطنبول، تضم مجموعات كبيرة من المخطوطات. ومع مرور الزمن، وتحت تأثير عوامل مختلفة، أصبحت هذه المكتبات غير قادرة على الحفاظ على مبانيها أو تقديم خدماتها بالشكل المطلوب. بناءً على ذلك، قررت نظارة الأوقاف جَمعَ الكتب القَيِّمة من تلك المكتبات ووضعها في مبنى واحد بهدف الحفاظ عليها. وفي النهاية، تَقَرَرَ جَمعُ الكتب في مدارس السليمانية، حيث نُقِلَت الكتب إلى مدرسة المتخصصين، ووُضعت مع الكتب الموجودة داخل جامع السليمانية في المدرسة الثانية التابعة للمَجْمَع. وبهذا الشكل، تأسست مكتبة السليمانية العامة في سنة 1918م. ويرجع اختيار اسم “مكتبة السليمانية” إلى موقعها داخل مَجْمَع السليمانية، بالإضافة إلى مجموعة كتب السليمانية التي جاءت من المسجد نفسه وشكّلت نواة المكتبة.
في يومنا هذا، تُعَدُّ مكتبة السليمانية مؤسسة مرموقة تُقَدِّم خدماتها على مستوى دولي للباحثين المحليين والأجانب. كما تضم المكتبة ضمن مجموعاتها المصادر الرئيسية للثقافة التركية الإسلامية من المخطوطات والكتب المطبوعة القديمة بالحروف العربية. وتحتوي المكتبة على أكثر من مائة ألف كتاب موزعة على مئة وثلاث عشرة مجموعة قَيِّمَة، تَشْمَلُ مكتبات أنشأها السلاطين وفاعلو الخير، مثل مكتبات الفاتح، وحميدية، وسلطان أحمد، ومكتبة لالالي، ومكتبة آيا صوفيا التي أسسها السلطان محمود الأول. وتتبع مكتبة السليمانية اليوم لِ”هيئة المخطوطات التركية”، التي تأسست عام 2010م تحت إشراف وزارة الثقافة التركية. كما وتُشْرِفْ هذه المؤسسة على جميع مكتبات المخطوطات في تركيا، وقد قامت بِرَقْمَنَةِ ستمائة واثنان وثلاثون ألفَ مخطوطة وأعمال نادرة من مختلف مكتبات المخطوطات في البلاد، مما أتاح هذه الكنوز للباحثين والخبراء من خلال شبكة الإنترنت، وذلك عبر البوابة إلكترونية: https://portal.yek.gov.tr/main/login
كما تُعَدُ مكتبة قصر طوب قابى (Topkapı) من أبرز مكتبات المخطوطات في تركيا أيضًا. حيث عَمِلَت هذه المكتبة منذ تأسيس القصر المذكور آنِفًا، وقد ضَمَّت المكتبة مجموعة ثمينة تَرْبُو على إثنين وعشرين ألف مخطوطة في مجالات الفن والتاريخ الإسلامي. ونظرًا لكونها مكتبة خاصة بالقصر السلطاني، فإنها تحتوي على العديد من المخطوطات النادرة التي تحمل خط المؤلف ذاته، والتي تُعتبر نُسَخًا وحيدة ولا مَثيل لها. كما أسفرت أيضًا جهود الفِرَقِ المُتخصصة عن إكمال مشروع رَقْمَنَةِ محتويات هذه المكتبة المهمة.
ولا بد من الإشارة إلى أن إرسيكا، الذي يَعْمَلُ منذ خمسة وأربعين عامًا في مجالات التاريخ والثقافة والفنون الإسلامية، يَحْتَضِنُ في بُنْيَتِهِ مكتبة مُتِخصِصة تحتوي على أكثر من مائة ألف كتاب. ومن بين هذه المجموعة المميزة، توجد حوالي أربعمائة مخطوطة، وبعضها يُعَدُ نُسَخًا وحيدة ونادرة. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنه من المُقَرَرِ أن تَنتهي عمليات فَهْرَسَةِ ورَقْمَنَةِ هذه المخطوطات بالكامل خلال هذا العام.
يَشْغَلُ نشر المخطوطات والفهارس مكانةً مهمةً بين إصدارات إرسيكا. فقد قام المركز بنشر النُسَخِ الأولى من مخطوطات المصاحِف القرآنية، الكتاب المُقدَّس لِدينِنا الحَنيف، بأُصُولِها ونُسِخَها المُحَقَقة. ومن أبرز إسهامات إرسكيا في هذا الميدان نشره لعدد كبير من المصاحف القرآنية المُبَكِرَة المنسوبة إلى سيدنا عثمان وسيدنا علي رضي الله عنهما. كما تشمل هذه المصاحف نُسَخًا متنوعة محفوظة في مدينة توبينغن (Tübingen)، والقاهرة (المشهد الحسيني ومتحف الفن الإسلامي)، وباريس، وبرلين، وطوب قابى (نسخة سيدنا عثمان ونسخة المدينة المنورة)، ولندن، وصنعاء.
كما قام مركزنا بعدة مشاريع تُعنى بتصنيف ونَشر فهارس المخطوطات الإسلامية والتراث المكتوب الموجودة في تركيا. ومن أبرز هذه المشاريع “فهرس مخطوطات مكتبة كوبريلي” و”فهرس مخطوطات الطب الإسلامي”. ومن بين الأعمال المهمة التي قام بها مركزنا في مجال المخطوطات أيضًا، يأتي كتاب “الأدب العلمي العثماني” كأحد الإسهامات البارزة في هذا الحقل، فقد تناول هذا الكتاب المخطوطات العثمانية التي توجد في مكتبات العالم، حيث تم نشرها على مدار ثمانية عشر مجلدًا تحت عناوين متنوعة تَشْمَلُ العلوم الموسيقية، العلوم الطبيعية والتطبيقية، العلوم الطبية، الرياضيات والفلك، التنجيم، الجغرافيا، والأدب العسكري.
أما العمل الآخر الذي يجب تسليط الضوء إليه، والذي يُعد هو الآخر من أهم إنجازات مركزنا، فهو “الفهرس البيبليوغرافي للمخطوطات القرآنية الموجودة في مكتبات العالم”. حيث قام مركزنا بإعداد ونشر عدد من الدراسات البيبليوغرافية المتعلقة بترجمات وتفسير القرآن الكريم. مثل:
World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form III (Translations and Exegeses in Turkish). World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form II (Translations in Urdu). World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form I (Turkish, Persian, and Urdu Translations Excluded).
إن مركزنا من ناحية أخرى يواصل تحقيق ونشر المخطوطات العربية الهامة. فقد قام بنشر وتحقيق كتاب “سَنا البَرقِ الشامي” المُتَعَلِق بالتاريخ الأيوبي للبُنْدارِي، وكتاب “سُلَّمُ الوصول إلى طبقات الفُحول” لكاتِب جلبي الذي يتناول فيه تراجم العلماء، وكتاب “فَزْلَكَةُ الأقوال في علم التاريخ والأقوال” المُتعَلِقُ بالتاريخ الإسلامي، وكتاب “وفَيَّةُ الأسلاف” للمؤرخ شهاب الدين مرجاني.
وفي الختام، إن من الأهمية بما كان؛ أن نشير إلى أبحاث إرسيكا وجهودها في الأعوام الأخيرة التي تتعلق بمصر، حيث قام مركزنا على سبيل المثال بنشر كتاب “تاريخ مصر في العهد العثماني 1517-1914م” باللغة العربية وضمن مجلدين. كما قُمنا بنشر كتاب الثقافة التركية في مصر: جوانب من التفاعل الحضاري بين المصريين والأتراك مع معجم الألفاظ التركية في العامية المصرية.
محمد عارف باشا
ولد ونشأ في دارمه بالقرب من قوله، وكان جده والد أمه محمود باشا واليا عليها، وعمه احمد أغا هو أخو طوسون ابن محمد علي باشا في الرضاعة، واخو جده محمد الدفتردار هو زوج نازلي هانم بنت محمد علي.
قدم عارف باشا إلى مصر في شبابه والتحق بخدمة محمد علي، الذي عينه معاونًا له كاتبًا في معيته، وسافر معه إلى كريت، ثم ألحقه محمد علي بخدمة إبراهيم باشا وكان من رجاله في الشام، عينه إبراهيم باشا في المجلس العالي، ثم زوجوه من آمنة هانم القوله لي ابنة خليل القوله لي ابن باتيش هانم اخت مصطفى باشا والد أسرة يكن، مدير رشيد والبحيرة ووالد عبد الحميد نافع بك.
في عصر الوالي عباس باشا وخلفه سعيد باشا كان عارف مديرا للبحيرة ولإسنا ومديرًا للتشريفات وعضوًا في مجلس الأحكام، وفي عهد إسماعيل حصل على رتبة الميرميران وكان مقربًا من توفيق باشا وأنشأ جمعية المعارف المصرية التي كانت من أوائل الجمعيات التي نشرت الكتب في مصر، من أشهرها سفينة المولوية، وقد ضمت الجمعية٧٠٠ عضوا من علية القوم مثل الأمير توفيق باشا ولي العهد، و رفاعة الطهطاوي و شريف باشا وغيرهم كثير.
سافر عارف باشا إلى إستانبول وتولى متصرفًا ل Tekirdağ لمدة عام
، ثم تولى متصرفًا ل Çankırı. 1875م.
وفي استانبول كتب عارف باشا كتابه “عبر البشر” ١٢٩٠ه / ١٨٧٣م وتكلم فيه عن أصول أسرة محمد علي كما سمعها من محمد علي نفسه وابنه إبراهيم.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.