
تشهد العلاقات بين مدينة طنجة المغربية ومدينة جبل طارق البريطانية تطورًا متسارعًا في مختلف المجالات، مما يعكس رغبة مشتركة في بناء جسور تعاون متينة تستند إلى روابط تاريخية ومصالح اقتصادية وثقافية متبادلة. ويأتي هذا الحراك في وقت يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية واقتصادية، ما يمنح هذا التقارب طابعًا استراتيجيًا لافتًا.
مذكرة تفاهم تعزز الشراكة بين المدينتين
في نوفمبر 2023، تم توقيع مذكرة تفاهم بين جماعة طنجة وبلدية جبل طارق، بهدف تعزيز التعاون الثنائي وتطوير شراكات في مجالات متعددة. وتندرج هذه الاتفاقية في إطار البحث عن آفاق جديدة للتكامل، خاصة بعد تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي دفعت جبل طارق إلى توسيع علاقاتها مع شركاء خارجيين، وعلى رأسهم المملكة المغربية.
المبادلات التجارية والاستثمارية
ضمن هذا الإطار، تعمل جبل طارق على تعزيز التبادل التجاري مع طنجة من خلال إنشاء مكتب تجاري دائم في المدينة، مما يفتح المجال أمام الشركات المغربية لتوسيع أنشطتها، ويجعل من طنجة بوابة استراتيجية للمستثمرين من الطرفين. ويُنتظر أن تسهم هذه الخطوة في تنشيط القطاعات الحيوية مثل الخدمات اللوجستية، والسياحة، والتكنولوجيا.
الثقافة تقود الدبلوماسية: “قصة مدينتين” في غاليري كِنت
وفي تجسيد ملموس لأهمية التبادل الثقافي كرافعة للتقارب بين الشعوب، احتضنت طنجة معرضًا فنيًا جماعيًا تحت عنوان “قصة مدينتين: التبادل الثقافي بين طنجة وجبل طارق”، وذلك في غاليري كِنت. وقد شهد المعرض حضورًا نوعيًا لمجموعة من الفنانين والكتّاب والمثقفين من الجانبين، وتشرّف بافتتاح رسمي بحضور الأميرة لالة مليكة العلوي، ما أكسبه بعدًا دبلوماسيًا وثقافيًا خاصًا.
عرض المعرض أعمالاً فنية متنوعة من لوحات، ومنحوتات، وتجهيزات فنية معاصرة، تناولت مواضيع الهوية، والانتماء، والذاكرة، والتفاعل الحضاري. كما تخللته ورشات عمل وندوات فكرية تفاعلية أتاحت للجمهور الحوار المباشر مع الفنانين باللغتين العربية والإنجليزية.
وأكّدت عزيزة العراقي، مديرة غاليري كِنت، أن هذا الحدث هو “بداية لمسار طويل من التفاهم والتعاون الثقافي بين المدينتين”، مشيرة إلى خطط مستقبلية لجعل المعرض فعالية سنوية تشمل مجالات فنية وثقافية أوسع.
من جهته، صرّح مارك مونتوفيو، المسؤول الثقافي من جبل طارق، بأن “المبادرة لا تقتصر على الفن، بل تهدف إلى بناء علاقات إنسانية طويلة الأمد وتعزيز الفهم المشترك”. كما أشادت دافينا باربرا، ممثلة وزارة الثقافة بجبل طارق، بدور المعرض في “كسر الحواجز الثقافية من خلال الإبداع المشترك”.
أما من الجانب المغربي، فأشاد سعيد كوبريط، رئيس بيت الصحافة، بأهمية هذه المبادرات قائلاً:
“طنجة وجبل طارق مركزان ثقافيان لهما تاريخ مشترك طويل، والتعاون بينهما يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به في المجالات الثقافية والسياحية والاقتصادية.”
نظرة نحو المستقبل
يبدو أن العلاقة بين طنجة وجبل طارق تدخل اليوم مرحلة جديدة عنوانها التكامل والشراكة المستدامة، بفضل مشاريع استراتيجية، وتبادل ثقافي غني، وإرادة سياسية واضحة. ويمثّل هذا التقارب فرصة حقيقية للمدينتين لتكريس مكانتهما كبوابات بين إفريقيا وأوروبا، وبين الأطلسي والمتوسط، في عالم يتجه نحو المزيد من التعاون الإقليمي العابر للحدود.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.