إعلان هام

غزة بين مطرقة إسرائيل وسندان التواطؤ الدولي و الخذلان العربى

بقلم: ناصر السلاموني

لم يكن الاحتلال الأوروبي والأمريكي عبر التاريخ إلا سلسلة متصلة من الجرائم البشعة التي ارتكبت باسم “الحضارة”، بينما حملت في جوهرها السيف والنار وسفك دماء الأبرياء وانتهاك الحرمات والمقدسات واستباحة الأرض والعرض. ومن المحيط إلى الخليج، ومن مصر إلى الجزائر، ومن فلسطين إلى العراق، لا تكاد تخلو بقعة من وطننا من جرح أحدثه المحتل أو دم سال ظلمًا أو حضارة طُمست عمدًا. واليوم نرى الوجه ذاته يتكرر في غزة، حيث يُعاد إنتاج التاريخ بآلة إسرائيلية مدعومة بالكامل من الولايات المتحدة وأوروبا، في مشهد يكشف زيف القيم الغربية وحدود إنسانيتهم الانتقائية.

من مجازر فرنسا في مصر والجزائر وتونس والمغرب، إلى جرائم إيطاليا في ليبيا، إلى بطش بريطانيا في مصر والعراق وفلسطين، وصولًا إلى جرائم أمريكا في اليابان وفيتنام والعراق، ظل الدم العربي والمسلم وقودًا لمطامع الغرب. واليوم تتسلم إسرائيل العصا من أسيادها لتعيد ذات المأساة في غزة، حيث الحصار والتجويع والإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من العالم. المجازر اليومية في القطاع، واستهداف المستشفيات والمدارس ومخيمات النازحين، وقتل الصحفيين العزّل الذين ينقلون الحقيقة للعالم، ليست سوى فصل جديد من هذا التاريخ الملطخ بالدماء. والأسوأ أن قوانين الأمم المتحدة التي طالما تبجحوا بها، تُعطل تمامًا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

ما يجري يكشف عن نفاق عالمي صارخ؛ فأوروبا وأمريكا التي سارعت لتسليح أوكرانيا والدفاع عنها بحجة الحرية وحقوق الشعوب، تتجاهل اليوم آلاف الشهداء في غزة، فقط لأنهم عرب ومسلمون. لم نرَ حزم العقوبات على الاحتلال كما فُرض على روسيا، ولم نسمع قادة الغرب يتحدثون عن “حقوق الإنسان” حين يكون الضحايا فلسطينيين. بل على العكس، نرى العواصم الأوروبية والأمريكية تفتح مخازن أسلحتها لإسرائيل وتمنحها الضوء الأخضر للمضي في سياسة الأرض المحروقة، بينما يُمنع حتى عن أطفال غزة شربة ماء أو كسرة خبز، في سياسة تجويع ممنهجة تهدف لإخضاع المقاومة وقبول الأمر الواقع.

في ظل هذه الأجواء، تتحرك الوساطة المصرية والقطرية محاولةً انتزاع هدنة تحفظ ما تبقى من الأرواح، لكن الاحتلال يماطل، مدعومًا بالغطاء الأمريكي والأوروبي، وكأن حياة الفلسطينيين ليست على جدول أولويات العالم. وفي المقابل، يتحرك الشارع الأوروبي والأمريكي بقوة، حيث خرجت مظاهرات مليونية في لندن وباريس ومدريد وبرلين وواشنطن رافعة شعار “أوقفوا الحرب”، لتؤكد أن الشعوب أكثر إنسانية من حكوماتها. لكن هذه الأصوات رغم قوتها، لا تزال عاجزة عن تغيير سياسات صناع القرار الذين يقفون في صف إسرائيل بلا خجل.

وما يزيد المشهد قتامة هو الانحياز الأمريكي الأعمى، حيث لم يتردد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في تشجيع نتنياهو على “القضاء على حماس” و”تهجير سكان غزة إلى رقعة ضيقة من الأرض”، في تكرار لمشروع استعماري قديم يقوم على الإبادة والتهجير القسري. وكلما ارتفع منسوب القمع الإسرائيلي بدعم واشنطن، يراهنون على أن المقاومة ستقبل بالتنازلات.

لكن ما يغفله العرب أن غزة لا تدافع عن نفسها فقط، بل تدافع عن بقاء الأمة العربية كلها؛ فمجرد القضاء عليها يعني فتح الباب واسعًا أمام تنفيذ مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي أعلن نتنياهو عنه صراحة، والذي يبدأ من تهويد كامل فلسطين ويمتد إلى ما حولها. إن سقوط غزة ليس هزيمة لفصيل أو مدينة محاصرة، بل ضربة قاصمة لروح الأمة ووجودها في قلب المنطقة.

المجتمع الدولي لم يفشل فقط، بل قرر الصمت، وهو صمت لا يخلو من الرضا. فغياب أي تحرك فعلي من الأمم المتحدة أو محاسبة على جرائم الحرب بحق المدنيين والصحفيين يعني أن ما يجري في غزة يتم بغطاء دولي كامل.

غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل مرآة تكشف وجه العالم الحقيقي: أوروبا وأمريكا الداعمتان للقتل، حكومات عربية صامتة أو عاجزة، شعوب تتحرك بجرأة، وإعلام يسقط مرة بعد مرة في تزييف الوعي. والتاريخ يعلمنا أن أعداء الأمس هم أنفسهم أعداء اليوم والغد، وأن ما يُنتزع بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. وما لم تنهض هذه الأمة لاستعادة زمام المبادرة، ستظل تنزف… وسيظل الاستعمار في ثوبه الجديد يواصل حصد الأرواح باسم “الأمن” و”الديمقراطية”

فمتى يفوق العرب؟!.


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

اترك تعليقاً

⚙️
شاهد القنوات مباشرة
أهم الأخبار

أهم الأخبار

عرض كافة المقالات
error: المحتوى محمي !!
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً
العربيةالعربيةFrançaisFrançais