تعقيبًا على مقال معصوم مرزوق: التعرض للسفارات المصرية
تعليق : منال الشربيني

يطرح معصوم مرزوق في مقاله المعنون «التعرض للسفارات المصرية» رؤية قانونية وسياسية متماسكة بشأن الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج، مؤكداً أن مثل هذه الأفعال تمثل انتهاكاً غير مقبول على الصعيدين القانوني والأخلاقي، حتى في ظل النزاعات المسلحة أو الخلافات السياسية، نظراً لاستمرار السفارات في أداء مهامها الرسمية (مرزوق، 2025). ويشير الكاتب إلى أن أقصى ما يمكن أن يلجأ إليه المعارضون في الخارج هو تنظيم وقفات احتجاجية سلمية، ضمن الأطر القانونية، والتواصل مع السفارة عبر تقديم مطالبهم بطرق حضارية. كما يوصي بتكليف دبلوماسيين، وربما السفير نفسه، بالاستماع إلى ممثلي هذه التجمعات، تفادياً لأي تصعيد قد يفضي إلى أزمات قانونية مع الدول المضيفة، خاصة في حال ارتكاب انتهاكات جسيمة مثل اقتياد أفراد بالقوة إلى داخل السفارات.
ويذهب مرزوق إلى أن الربط بين الاعتداءات على السفارات المصرية والعدوان الإسرائيلي على غزة يفتقر إلى المنطق السياسي والقانوني، إذ قد يسهم هذا الربط في إضعاف التأييد الشعبي للقضية الفلسطينية، بل وتشويه صورتها في الرأي العام الدولي. من ثمّ، يدعو الكاتب وسائل الإعلام إلى الالتزام بالحياد المهني في تغطية مثل هذه الأحداث، والابتعاد عن خطاب التحريض أو زرع الانقسام بين أبناء الجالية المصرية بالخارج. كما يقترح أن تتبنى وزارة الخارجية خطاباً موجهاً للجاليات المصرية، يوضح حساسية المرحلة الراهنة ويعزز قيم التضامن الوطني، بالتوازي مع فتح قنوات مؤسسية للاستماع إلى رؤاهم ومقترحاتهم البناءة (مرزوق، 2025).
وتتجلى في المقال محاولة الموازنة بين احترام القانون الدولي وحق الدولة في حماية بعثاتها، وبين صون حق الأفراد في التعبير السلمي عن مواقفهم. غير أن تركيز الكاتب على فكرة «الحصانة غير المطلقة» للسفارات يثير إشكالاً قانونياً يستدعي إعادة القراءة في ضوء اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)، بما يحدد على نحو دقيق حدود هذه الحصانة وضوابطها (Vienna Convention on Diplomatic Relations, 1961). كما يبقى النداء إلى الإعلام والجاليات المصرية خطوة عملية في اتجاه ضبط التفاعلات الخارجية وحماية وحدة الصف الوطني في سياقات إقليمية ودولية شديدة الحساسية.
ومع ذلك، يظل السؤال مطروحاً: هل تكفي سياسة «ضبط النفس» التي يدعو إليها مرزوق في مواجهة الاعتداءات المتكررة على السفارات المصرية، والمظاهرات التي قد تحمل طابعاً عدائياً كما في حالة احتجاجات بعض القوى أمام سفارة مصر في فلسطين، أم أن المبدأ الأجدى يتمثل في المعاملة بالمثل وفق القانون الدولي، مع الحذر من أي تجاوزات قد تُستغل للإضرار بصورة الدولة؟ هذه الإشكالية تفتح المجال أمام نقاش علمي معمق يتجاوز حدود المقال.
وعليه، تفرض عدة أسئلة نفسها على المشهد ككل:
كيف يمكن تحديد الحدود الدقيقة لحصانة السفارات في ضوء أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)، وما مدى إمكانية اعتبارها حصانة مطلقة أو نسبية؟
إلى أي مدى تستطيع الدول المضيفة التوفيق بين التزاماتها الدولية بحماية البعثات الدبلوماسية وحقوق مواطنيها في التظاهر والتعبير السياسي؟
ما هي الأبعاد الإعلامية والسياسية للربط بين الهجمات على السفارات المصرية والقضية الفلسطينية، وكيف ينعكس ذلك على الرأي العام الدولي؟
هل تمثل سياسة «ضبط النفس» أداة فاعلة لحماية المصالح الدبلوماسية المصرية، أم أنها قد تُفسَّر بوصفها ضعفاً في إدارة الأزمات الخارجية؟
كيف يمكن للجاليات المصرية في الخارج أن تشارك في تعزيز صورة الدولة دبلوماسياً، دون الوقوع في فخ الانقسام أو استغلال الأزمات السياسية الإقليمية؟
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.