إعلان هام

قال : أنا خير منه

بقلم: ناصر السلاموني

أول كبرياء ظهر في تاريخ الوجود الإنساني كان كبرياء إبليس، حين أمره الله سبحانه وتعالى بالسجود لآدم عليه السلام، فسجدت الملائكة جميعًا إلا إبليس، قال تعالى:

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» (البقرة: 34).

لقد اعترض إبليس معتزًا بمنزلته، محتجًا بأن النار أشرف من الطين، فقال: «أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (الأعراف: 12). ومنذ تلك اللحظة أصبح الكبر والغرور أصل كل بلاء، فطُرد إبليس من الجنة، ومع ذلك لم يرضَ أن يفوز آدم بها، فوسوس له حتى أكل من الشجرة، فبدت لهما سوءاتهما، وأُنزلا إلى الأرض ليبدأ الصراع بين ذرية آدم وإبليس إلى يوم القيامة.

ولم يسلم البشر من كيد الشيطان، فكان أول قتل على وجه الأرض بتحريضه، حين قتل قابيل أخاه هابيل حسدًا وغرورًا. ومنذ ذلك الحين لم تنقطع وساوس الشيطان للإنسان، فيغريه بالكبرياء والغرور، ويزين له المعاصي والعداوات. قال تعالى محذرًا: «وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (الحديد: 14)، فجعل الشيطان عنوان الغرور ومصدره.

والكبر لم يكن خاصًا بإبليس، بل تكرر في مصائر الأمم. فهذا فرعون الذي قال متحديًا موسى عليه السلام: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ» (الزخرف: 52). استكبر على الحق وادّعى الألوهية، فكانت نهايته الغرق عبرة للعالمين، قال تعالى: «فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ» (النازعات: 25).

وكذلك قارون الذي اغتر بماله، وقال متبجحًا: «إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي» (القصص: 78). فنُبّه فلم يعتبر، وأُغرق في الأرض هو وماله، فصار ماله حسرة عليه، وصار عبرة لكل مغرور.

وهكذا يبين القرآن أن الكبرياء لا يرفع صاحبه بل يهوي به إلى الهلاك، وأن الغرور ليس دليل قوة وإنما علامة ضعف وجهل.

واليوم ما أكثر من يكرر قول إبليس، فإذا حدثته قال: «أتدري من أنا؟» أو «أنا ابن فلان» أو «موقعي ومالي يرفعانني فوق الناس». وما علم هؤلاء أن الكبرياء لا يليق إلا بالله وحده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (رواه مسلم).

فلِمَ التكبر وأنت مخلوق من ماء مهين؟! وغدًا حين تموت، لن يبقى معك جاه ولا مال، وستُلقى في قبر ضيق مظلم، ويأكلك الدود، وينفر منك أحب الناس إليك إذا شم رائحتك. عندها لن تنفعك ألقابك ولا قصورك ولا أموالك، إنما ينفعك عملك الصالح وتقواك.

فاتق الله، وتذكر أن الكبرياء والغرور كانا سبب طرد إبليس من الجنة، وغرق فرعون في البحر، وخسف قارون بالأرض، وهلاك أمم كثيرة. واعلم أن التواضع يرفع صاحبه عند الله والناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تواضع لله رفعه».

فهل ما زلت تقتدي بإبليس؟ أم تختار طريق التواضع الذي يُرضي الله ويُنجّي صاحبه في الدنيا والآخرة؟


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

⚙️
شاهد القنوات مباشرة
أهم الأخبار

أهم الأخبار

عرض كافة المقالات
error: المحتوى محمي !!
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً
العربيةالعربيةFrançaisFrançais