مديحة كامل .. حسن الخاتمة طريقُها إلى الله
لا ترى نفسها ” جميلة ” بنفسِ الطريقةِ التي يراها البعض بها .. لكنها في حقيقةِ الأمر جمعت بين الإثارةِ والبراءة .. بين الخجلِ والجمالِ الأخاذ .. بين الموهبةِ الكبيرة والحضورِ اللافت .. فحجزت لنفسها مكاناً متقدماً بين صفوفِ فناناتِ جيلها العظيمات . بل وتربعت في قلوبِ محبيها وعشاقها . وبنقاءِ وصفاءِ قلبها اختار الله لها طريقَ الصلاحِ والهدايةِ وحسنِ الخاتمة . فكان آخر عهدها بالدنيا حفظ آياتٍ من سورةِ البقرة وصلاة فجر الرابعِ من شهر رمضان المعظم جماعة مع زوج ابنتها لتنام َ النومَ الأخير وتصعد روحها الطاهرة وهي صائمة إلى بارئها .
إنها الفنانة الكبيرة مديحة كامل أميرة السينما المصرية وزهرة بستانها .
مديحة كامل .. بين الطفولةِ بالإسكندرية وحياةِ الشهرةِ والمجد بالقاهرة .
وسط أسرة ميسورة الحال عاشت ” مديحة كامل صالح أحمد ” المولودة بالإسكندرية في ٣ أغسطس عام ١٩٤٦ م حسب ما أكدت عليه ابنتها الوحيدة ” ميرهان محمود الريس ” رداً على بعض المواقع التي أشارت إلى أن عام ميلادها ١٩٤٨ م .
كانت مديحة كامل الطفلة الثانية من بين ستة إخوة وأخوات ” ثلات بنات وثلاثة أولاد ” . عشقت الرسم و الألعاب الرياضية مثل الجمباز والكرة الطائرة وكرة السلة والسباحة ” وهو ما يفسر سر رشاقتها ” إلى جانب حبها الجارف للتمثيل منذ نعومة أظافرها حيث حصلت على ” كأس الجمهورية ” من مدرستها ” الشاطبي النموذجية ” بمدينة الإسكندرية عندما قدمت دور ” رابعة العدوية ” على المسرح المدرسي خلال المرحلة الإعدادية وطافت به محافظات مصر .
ظل عشقها للتمثيل يراودها رغم رفض والدها القاطع له مما اضطرها إلى الموافقة على الزواج في سن مبكرة من أحد أصدقاء والدها رجل الأعمال ”
محمود الريس ” الذي كان يكبرها بسنوات كثيرة قبل أن تتم السادسة عشرة من عمرها عندما وعدها تلبية رغبتها في أن تكون ممثلة .
حضرت مديحة كامل إلى القاهرة بصحبة والدتها بعد انفصالها عن والدها وتزوجت الصغيرة وهي في الصف الثاني الثانوي والتحقت بالمدرسة القومية وأتمت المرحلة الثانوية وهي تحمل ابنتها ميرهان في احشائها . وعند ولادتها بدأت في البحث عن فرصة مناسبة لها في السينما . حيث كانت تعمل عارضة أزياء من قبل في الإسكندرية والقاهرة لفترة لكنها لم تكن ملبية لطموحها . في الوقت الذي التحقت فيه بكلية الآداب جامعة عين شمس . فراحت تطرق أبواب الاستديوهات بحثاً عن فرصة مناسبة .
وفي عام ١٩٦٤ شاركت بأدوار صغيرة في أفلام سينمائية . فكانت بدايتها عندما رشحها المخرج أحمد ضياء الدين للعب دور صغير في فيلم ” امرأة شاذة ” أمام الفنان رشدي أباظة والفنانة شويكار والفنان أحمد رمزي . إلى أن جاءت الفرصة الحقيقية أمام الفنان الكبير فريد شوقي إذ شاركته بطولة فيلم ” ٣٠ يوم في السجن ”
ورغم مقومات مديحة كامل التي جمعت بين الجمال والموهبة الفنية إلا أنها ظلت أسيرة الدور الثاني حتى ابتسم لها الحظ عندما رشحها المخرج الكبير كمال الشيخ لبطولة فيلم ” الصعود إلى الهاوية ” أمام الفنان الكبير محمود ياسين الذي حقق نجاحاً كبيراً جعل الفنانة مديحة كامل تتصدر أفيشات السينما في تلك المرحلة .
مقومات مديحة كامل طريقها إلى الفن السابع .
بريق عينيها وملامحها الفاتنة وأنوثتها الطاغية وصوتها الدافئ وعودها الملفوف إلى جانب براءتها المعهودة .. كانت مقومات مديحة كامل إلى عالم الشهرة . ومفاتيح لكل الشخصيات التي كانت تؤديها في أعمالها السينمائية ومن
بعدها المسرح والتليفزيون .
” فلم تكن تعاني في أثناء الانتقال من دور لآخر ” . فهى الفتاة الخجولة والفلاحة البسيطة والجاسوسة الخائنة وفتاة الليل وبنت البلد القوية . فقدمت أكثر من تسعين عملاً سينمائياً و خمس مسرحيات و أكثر من عشرة مسلسلات استطاعت مديحة كامل من خلالهم حجز مكانة متقدمة بين جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي وأصبحت حقاً أميرة السينما والدراما المصرية وفتاة الشاطئ كما يحب أن يلقبها البعض من محبيها وعشاق فنها بعد حصولها على هذا اللقب في إحدى المسابقات على شاطئ الإسكندرية في سن السادسة عشرة وتم وضع صورتها على غلاف مجلة الكواكب .
فكان أبرز ما قدمته الفنانة مديحة كامل للسينما بجانب فيلم ” الصعود إلى الهاوية ” نقطة تحولها إلى عالم القمة .. أفلام ” بريق عنيكِ .. أصدقاء الشيطان .. شوارع من نار .. الأخرس .. المعلمة سماح .. أشياء ضد القانون .. الرغبة .. الاحتياط واجب .. السقوط .. ملف في الآداب .. درب الهوى .. اللعنة .. امرأة في مهب الريح .. عندما يبكي الرجال ” وأخيراً ” بوابة إبليس ” الذي قررت أثناء تصويره الاعتزال تماماً عن التمثيل دون رجعة .
وفي ذلك قصتان إحداهما تناقلتها المواقع الإلكترونية وأحاديث بعض النقاد عنها ومقدمي البرامج ” بالقول ” :
” إنه خلال تواجدها بغرفتها بمكان التصوير وأثناء وقوفها أمام المرآة شعرت أن وجهها وجه شيطان ( والغريب أن الفيلم كان اسمه بوابة إبليس ) وتكرر المشهد إلى حد عدم قدرتها على الوقوف أمام المرآة فقررت الاعتزال .
أمام القصة الثانية ” فعلى لسان ابنتها ميرهان ” التي أكدت أن سبب قرار اعتزال والدتها الفنانة مديحة كامل الذي لم يكن له أي مقدمات وقتها خاصة أنها كانت مشغولة في تصوير فيلم بوابة إبليس بالقاهرة وعرض مسرحية حلو الكلام بالإسكندرية هو ” مرض جدتي المفاجئ والدة الفنانة مديحة كامل حيث كانت مرتبطة بها وبأخواتها ارتباطاً شديداً ” .
و تقول ميرهان أصيبت جدتي بنزيف في المخ وغيبوبة بسبب إرتفاع ضغط الدم دون مرض او سابق إنذار . وهنا تركت والدتي الفنانة الكبيرة كل ما وراءها من أعمال . وأصيبت بصدمةٍ شديدة وهي تلاحظ التغيرات التي طرأت على جدتي بشكل سريع . فبعد أن كانت جميلة تشع حيوية ونشاط تحولت جدتي وانكمشت وتغير شكلها وابيض شعرها خلال يومين .
” الحديث على لسان ابنة الفنانة مديحة كامل ” التي تقول ( والدتي اتخضت واترعبت من ربنا وشعرت أن الدنيا زائلة ) . وفي لحظة قررت أن تعتزل وتعيش في معية الله في هدوء دون أن تعلن ذلك أو تظهر في اي برامج وعادت من المستشفي التي كانت فيها جدتي وارتدت الحجاب .
” إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ”
هي مناجاة من الله لعبده دون البحث عن الأسباب .
( فربما القصتان حقيقيتان أو إحداهما حقيقية والأخرى شائعة ) لكنها في النهاية إرادة الله لمن اختار لهم طريق الهداية .
فما بين العبد وربه لا يعلمه غير الله سبحانه وتعالى جلت قدرته .
لذلك حاول مخرج فيلم بوابة إبليس عادل الأعصر اقناعها بالعودة لاستكمال مشاهد الفيلم المتبقية بعد تلف أجزاء منها ولكن دون جدوى ما اضطره الاستعانة بدوبليرة بعد استئذان مديحة كامل وحقق الفيلم وقتها نجاحاً كبيراً .
أما مسرحية حلو الكلام التي كانت تعرضها على المسرح أمام الفنان سعيد صالح حينها فقد تم خصم أجرها بالكامل مقابل رفضها الاستمرار في تقديم المسرحية .
فالأجر والثواب دائما عند الله لا عند العباد .
وفي مجال الإنتاج الدرامي بالتليفزيون قدمت مديحة كامل مسلسلات نذكر منها ” المجهول .. الأفعى .. أيوب البحر .. ينابيع النهر .. البشاير ” إلى جانب فيلمي ” دعوة للحب والاتحاد النسائي من إنتاج التليفزيون .
أما المسرح فوقفت على خشبته منذ بدايتها الفنية مقدمة مسرحيات نذكر منها ” هاللو شلبي .. لعبة اسمها الفلوس .. يوم عاصف جداً .. ومسرحية حلو الكلام التى اعتزلت أثناء عرضها .
عاشت الحب مع ابنتها وتزوجت ثلاث زيجات .
تزوجت الفنانة الكبيرة مديحة كامل ثلاث زيجات .
الأولى من رجل الأعمال ” محمود الريس ” قبل دخولها عالم الفن وأنجبت منه ابنتها الوحيدة ميرهان وانفصلت عنه بعد أن شاركت في أول أفلامها ” امرأة شاذة ” عام ١٩٦٤ م حيث طالبها بترك الفن والتفرغ للحياة الزوجية فرفضت لأنها وافقت بالأساس على الزواج مقابل دخولها عالم التمثيل وهو ما تسبب في وقوع الطلاق وكان عمر ابنتها عام ونصف فقط . فقامت مديحة كامل بدور الأم والأب مع ميرهان ولم تتركها لحظة واحدة كما ردد البعض تركها عند خالتها لتتفرغ للتمثيل . بل كانت دائمة المتابعة معها في دراستها ومذاكرتها وأصبحتا صديقتين يخاف كل منهما على الآخر بل واصطحبت مديحة كامل ابنتها لأداء العمرة مرتين عام ١٩٨٤ م وعام ١٩٨٩ م حتى تزوجت ميرهان وحضر كتب الكتاب فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه وأهداها مصحف وكتب عليه بيت شعر بخط يده .
أما الزيجة الثانية فكانت من المخرج السينمائي ” شريف حمودة ” وكانت زيجة قصيرة جدا حيث اعتقدت أنه سيساعدها في عملها بالفن وهذا لم يحدث فتم الطلاق .
وزواجها الأخير كان من المحامي ” جلال الديب ” الذي وجدت فيه الحب بعد التجربتين الماضيتين . وهنا تقول ابنة الفنانة مديحة كامل عن جلال الديب ” إنه كان يعاملني كأب خاصة أنه كان متزوج قبل والدتي ولم ينجب وكان وقتها عمري حوالي ست سنوات وعشت معه وأمي حياةً سعيدة ولكنها قصيرة بسبب وجود مشاكل بينه وبين الدولة واضطر للسفر ووقع الطلاق بعد رفض والدتي ترك أهلها وفنها للسفر معه .
الروماتويد ينفي شائعة وفاة مديحة كامل بالسرطان .
تقول ميرهان ابنة الفنانة الراحلة مديحة كامل إن والدتي لم تكن مريضة بالسرطان بل أصيبت عام ١٩٨٦ م بالروماتويد قبل اعتزالها وكانت حياتها تسير بشكل طبيعي خاصة بعد أن تابعت مع طبيب أجنبى أعطاها علاجاً كانت تسير عليه بانتظام . لكن مع إجهاد العمل أصيبت مديحة كامل بالتهابات عميقة في الساق دخلت على أثرها المستشفى وأجرت الإعلامية سلمى الشماع حوارها الأخير مع الفنانة الراحلة قبل الاعتزال في غرفتها رقم ٥٠٢ بإحدى مستشفيات المهندسين .
وبعد اعتزالها تسبب الروماتويد في إصابتها بمياه على القلب عام ١٩٩٢ م وتم علاجها بالكورتيزون وتحسنت حالتها بشكل كبير وعادت لممارسة حياتها الطبيعية بل وتحملت مشقة الحج عام ١٩٩٥ م مع والدها الذي كانت تقوم على خدمته .
وعن أسباب الوفاة تقول ميرهان إنها كانت غير متوقعة فمرض والدتي كان مزمناً متعايشة معه ومع علاجه بشكل منتظم وفي ليلة الرابع من شهر رمضان المعظم كنت عند والدتي مع زوجي وابني يوسف حفيد الفنانة الراحلة وبعد السحور تحدثت مع بعض صديقاتها لتحثهن على صلاة الفجر في الوقت الذي كانت تحفظ فيه سورة البقرة وبعد أداء صلاة الفجر جماعة مع زوجي دخلت إلى غرفتها لتنام وقبل النوم كعادتها كانت تضع بجوارها كتيب لتواصل حفظ الآيات بعد الفجر واعتادت ضبط المنبه على الساعة ١٢ ظهراً حتى تقوم لأداء صلاة الظهر .
لكنه النوم الأخير لتذهب الي عالم الخلود وسلكت الطريق الذي اختاره الله لها إلى جنة النعيم بإذنه تعالى . ملبيةً نداء ربها في الثالث عشر من يناير عام ١٩٩٧ م وكان أخر عهدها في الدنيا الصوم والعبادة وقراءة القرآن الكريم .
العلاقة بين العبد وربه لا يعلمها غيره سبحانة وتعالى .. كثرت الشائعات حول فنانين وفنانات وهناك من اختار الله لهم حسن الختام وهناك من لم تظهر عليهم علاماته . لكن العلم أيضاً عنده تعالى . فالله رحيم بعباده المخلصين .
والفنانة مديحة كامل أضاء الله وجهها بالقرآن واختار لها حسن الخاتمة واضحاً جلياً ” وفى ذلك عبرة يا أولي الألباب ” .
رحمة الله عليكِ وأسكنكِ الفردوس الأعلى وكتب الله لنا جميعاً حسن الخاتمة نهاية لرحلتنا في الحياة .
فحقاً .. إنه الطريق إلى الله
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.