إعلان هام

أصحاب الأعمار الذهبية بين العجز والتجاهل: متى تنصف الدولة أصحاب المعاشات؟

بقلم: منال الشربيني

لم يعد الحديث عن أصحاب المعاشات مجرد شكوى عابرة على شبكات التواصل الاجتماعي، بل صار جرس إنذار وطني يتردد صداه في كل بيت مصري. إنهم أصحاب الأعمار الذهبية الذين أفنوا حياتهم في خدمة الدولة، واودعوا مدخراتهم في صناديق التأمينات على وعدٍ بالحماية والكرامة حين يشتد بهم العمر. لكن ما حدث كان العكس: تجاهل ممتد، أحكام قضائية لا تجد طريقها إلى التنفيذ، وتضخم يلتهم معاشاتهم حتى صاروا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم (فؤاد، 2025).

لقد رفع الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات بقيادة أحمد العرابي سلسلة من الدعاوى القضائية، مطالباً بتنفيذ حكم “العلاوات الخاصة” المتعطل منذ أكثر من خمس سنوات، باستثمار أموال المؤمن عليهم بعائد عادل من أذون الخزانة بدلاً من اعتبارها مجرد قرض حسن، والمساواة في تسوية المعاشات، فضلاً عن رفع المنحة الاستثنائية إلى 1000 جنيه لمواجهة الظروف الاقتصادية الخانقة (العرابي، 2025). المستشار القانوني عبد الغفار مغاوري أوضح بدقة أن عدم التزام التأمينات بتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية يمثّل خرقاً للدستور ذاته، وأن مجلس النواب لم يراعِ البعد الاجتماعي حين صاغ التشريعات المنظمة للمعاشات (مغاوري، 2025).

الأخطر أن 75% من أموال التأمينات تُستثمر في أدوات الدين الحكومية، ما يعني أن أغلبها يظل حبيس خزينة الدولة بينما يحصل أصحابها على فتات من العوائد. والأنكى أن الدولة لجأت إلى آلية “قرض يسدد قرضاً”، لتظل الدائرة مغلقة بلا مردود حقيقي لأصحاب الحق الشرعي. هكذا يتبدى المشهد: أموال مودعة باسم ملايين المواطنين، لكنها تدار بعيداً عنهم، في غياب كامل للشفافية والمساءلة.

لم يعد السؤال اليوم يستفسر عن حجم المعاناة، فقد صار معلومًا وموثقًا، وإنما عن السبب الحقيقي لعدم إنفاذ الدستور وأحكام القضاء. إلى متى يظل أصحاب المعاشات في مواجهة دولة يرونها خصمًا لا حاميًا؟ وإلى متى ستظل التشريعات الاجتماعية حبيسة رؤية مالية باردة تتجاهل أبسط حقوق الإنسان؟ وكيف يُطالب المواطن بالصبر والتقشف بينما تُهدر حقوقه القانونية الواضحة؟ وهل ما زالت الدولة تنظر إلى أصحاب الأعمار الذهبية باعتبارهم عبئًا أم أن الوقت قد حان للاعتراف بأنهم العمود الفقري للتنمية التي قامت عليها مصر الحديثة؟ ومتى يصبح احترام الدستور التزامًا لا خيارًا؟


المراجع:

فؤاد، س. (2025). مقالات في الأهرام عن قضايا أصحاب المعاشات. الأهرام.

العرابي، أ. (2025). تصريحات حول قضايا اتحاد أصحاب المعاشات. الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات.

مغاوري، ع. (2025). مرافعات قانونية و دعاوى أمام القضاء الإداري بشأن حقوق أصحاب المعاشات. المستشار القانوني للاتحاد.


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

اترك تعليقاً

⚙️
شاهد القنوات مباشرة
أهم الأخبار

أهم الأخبار

عرض كافة المقالات
error: المحتوى محمي !!
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً
العربيةالعربيةFrançaisFrançais