إعلان ثابت

خدمة مميزة يقدمها الاتحاد لأعضائه:
صمم موقعك باحترافية وابدأ رحلتك الرقمية اليوم

اضغط على الصورة للتفاصيل
إعلان

في ذكرى رحيل القائد والزعيم .. جمال عبد الناصر .. الراحل الذي يعيش بيننا

عصام التيجي .. يكتب

0

نعيشُ معك .. نسيرُ معك .. نجوعُ معك .. وحين تموت نحاول ألا نموتَ معك .

هكذا رثاه الشاعر الفلسطيني محمود درويش ، وكان لسانُ حال المصريين أيضاً ، حين وضعت النكسةُ أوزارها ، وألقت بظلالِها السوداء على نفوسِ الشعبِ المصري ، الذي أبى ألا يموت حُلم الدولةِ المصرية ، بتنحي قائِدها وزعيمِها الرئيس جمال عبد الناصر في أعقابِ نكسةِ ١٩٦٧ إدراكاً منه بتحملِ المسئوليةِ التاريخيةِ عن الهزيمة ، ليتصارع حُب الزعيم ومرارةُ الهزيمة والنقمةُ في قلوبِ المصريين ، ويخرج الجموع في مظاهراتٍ عارمةٍ مطالبين إياه بالاستمرار في الحكم وعدمِ التنحي .

هي أخلاقُ شعبِ إذن أحب مفجرَ ثورته البيضاء ، الذي طرد من جثم على أرواحهم لسنواتٍ عديدة ، محققاً لهم حُلم الحريةِ والعدالةِ الاجتماعية والكرامةِ الإنسانية ، التي طالما أُهدرت في العهودِ البائدة خلال غزو وسيطرةِ المحتل .

 

بل هي كرامةُ مواطنٍ قبل أن يكونَ زعيماً استاءَ من أوضاعٍ عاشها الشعب خلال تلك العهود .

 

معاهدة ٣٦ .. قدر حول حياة الزعيم الراحل .

————————————–

فجاء الحُلم والوعد وإرادة القدر عند توقيعِ معاهدة ١٩٣٦ م بين الحكومةِ البريطانيةِ وحكومةِ الوفد التي رفضها المصريونَ لاحتوائها على جانبٍ من جوانب السيادة لبريطانيا على مصر ، لكن القدر وضعها أمامه ليحقق ما كان يسعى إليه وهو الالتحاق بالكليةِ الحربية بعد محاولاتٍ باءت بالفشل من قبل .

حيث أعلنت الحكومةُ المصريةُ وقتها عن احتياجِها لدفعةٍ استثنائيةٍ للالتحاق بالكلية عام ١٩٣٧ م ، فتقدم الطالب جمال عبد الناصر بأوراقهِ بعد أشهر قليلة من دراستِه للقانون بكليةِ الحقوق جامعة فؤاد الأول ” القاهرة حالياً ” ونجح هذه المرة وتخرج فيها برتبةِ ” ملازم ثان ” في يوليو عام ١٩٣٨ م وهو في سن التاسعَة عشرة .

وفور تخرجه عمل ناصر في صعيدِ مصر ثم انتقل الى السودان ورُقيَ إلى رتبةِ ” ملازم أول ” ، بعدها عمل في منطقةِ العلمين بالصحراءِ الغربية ، فحصل على رتبة يوزباشي ” نقيب ” عام ١٩٤٢ م ، ثم تولى قيادة أركان إحدى الفرق العسكرية العاملة هناك ، وفي العام التالي اُنتدب للتدريس في الكليةِ الحربية ، وظل بها ثلاث سنوات إلى أن التحق بكليةِ ” أركان حرب ” وتخرج فيها عام ١٩٤٨ م .

 

حصار الفالوجا .. بداية تحقيق حُلم الجمهورية المصرية .

————————————–

شارك عبد الناصر في حرب فلسطين عام ١٩٤٨ م خاصة في أسدود ونجبا والفالوجا ، وأثناء حصار الفالوجا توصل الزعيم الراحل إلى قناعةٍ مفادُها أن الدولةَ المصريةَ في حاجةٍ إلي تحقيقِ نهضةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعية .

ورأى أن هذا التغيير لن يحدثَ في ظلِ استمرارِ الأوضاعِ السياسيةِ على حالها ، والتي انتهت بالبلاد والمنطقةِ العربيةِ إلى هزيمةِ حرب ١٩٤٨ م وقيام دولة إسرائيل .

فكان له دور مهم في تشكيلِ وقيادةِ مجموعةٍ سريةٍ في الجيشِ المصري أَطلَقت على نفسِها اسم ” الضباط الأحرار ” بهدف الإطاحةِ بحكم الملك فاروق والهيمنةِ البريطانية وضمت ضباطاً من مختلفِ الانتماءاتِ والاتجاهاتِ الفكرية .

سار ومن معه في طريقِ الحُلم بل وأكثر ، حتى جاءت اللحظةُ الحاسمة التي أنهى بها عصور الظلم والاستبداد بقيامِ الثورةِ البيضاء ، وطرد ملك البلاد ، لتصبحَ مصرُ بحلمِ الشباب ” جمهوريةً ” يقودُها الضباط الأحرار .

لم يولد عبد الناصر وفي فمهِ ملعقةٍ من الذهب ، ولم يحيا حياةَ الأثرياء ولم ينفصل عن شعبه ، بل كان واحداً من الطبقةِ المتوسطة التي يعيشها غالبية الشعب المصري ،فوالده كان موظفاً حكومياً يعمل في مصلحة البريد بصعيد مصر الذي ينتمي إليه ” قرية بني مُر بمحافظة أسيوط ” ، ونظراً لطبيعةِ عمله انتقل والده إلى الإسكندرية التي ولد فيها البطل الجسور ، ” ناصر الحق وجابر القلوب ” ، فشعرَ بمعاناةِ الشعب خاصة في الصعيدِ والدلتا التي تنقَل إليها ودرس فيها بحكمِ طبيعةِ عمل والده .

تحقق الحٌلم وجاء الوعد الذي قطعه الضباط الأحرار على أنفسِهم ، وبعد أن استقرت أوضاع الثورة ، أُعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار ، وأصبحت تعرف باسم ” مجلس قيادة الثورة ، الذي تكون من ١١ عضواً برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب أكبر الأعضاء سناً ، وأصدر المجلسُ قوانين الإصلاحِ الزراعي ، وعمل على استصلاحِ المزيدِ من الرقعةِ الزاعيةِ المصرية ، حتى تضاعف عدد الأفدنة التي امتلكها صغار الفلاحين .

من يعرف طريق الخير يعرف طريق الحق ، منهج سار على دربِه الرئيس جمال عبد الناصر الذي تولى قيادة البلاد في يونيو عام ١٩٥٦ م من خلالِ استفتاءٍ شعبي ، وكان من أهم وأجرأ قراراته التي غيرت مسار الدولة المصرية بالكامل ” تأميم قناة السويس ” عام 56 وعدم السماح للبريطانيين بالتدخلِ في مسارِ الدولةِ الاقتصادي .

أما الهاجسٌ الكبير الذي سيطر على القائد والزعيم تحقيق حُلم ” القوميةِ العربية ” فأعلن الوحدة مع سوريا عام ١٩٥٨ م وساند حركات التحررِ العربيةِ والإفريقية .

عبد الناصر .. وصراع الإخوان

————————————

كان الزعيم جمال عبد الناصر أولَ من كشف للشعب عن حقيقةِ الإخوان الذين حاولوا القضاء على الثورة وتنصيب أنفسهم أوصياء على الدولة ، ففي عام ١٩٥٤ م وخلال رئاسته لمجلس قيادة الثورة وقيامه بمهام رئيس الجمهورية قبل الاستفتاء الشعبي ، تعرض الزعيم لمحاولةِ اغتيالٍ فاشلة من قبل جماعة الإخوان والتي عرفت وقتها “بحادث المنشية ” حيث أُطلق عليه النار خلال إلقاء خطابه في ميدان المنشيةِ بالإسكندرية وهي المحاولة التي تورطت في التخطيط لها وتنفيذها الجماعة .

ُأُجريت التحقيقاتُ الدقيقة وصدر الحكم بإعدامِ ” محمود عبد اللطيف ” الذي أطلق رصاص الغدر على الزعيم القائد في محاولة الاغتيال ، وسجن عددٍ من قياداتِ التنظيم ، وبعد سنواتٍ قليلة أعادهم عبد الناصر للحياة العامة بكامل حقوقهم المالية والوظيفية ، حتى أظهروا سلوكهم الدموي مرةً أخرى عام ١٩٦٥ م ، ما اضطره للزج بهم داخل السجون ، حمايةً للمشروعِ الوطني والسلمِ الاجتماعي .

حرب الاستنزاف مفتاحُ النصر في حرب أكتوبر .

————————————-

اهتم عبد الناصر بعد هزيمةِ ١٩٦٧ م بأعادةِ بناء القوات المسلحة المصرية ، ودخل في حربِ استنزاف مع إسرائيل عام ١٩٦٨ م التي كبدت العدو خسائرَ فادحة ، وكان من أبرز أعماله في تلك الفترة بناء شبكةِ صواريخِ الدفاع الجوي التي كانت لها أكبر الأثر في نصر أكتوبر ١٩٧٣ م بجانب سلاح الطيران .

جمال عبد الناصر .. الزعيم الإنسان .

————————————-

نشأ عبد الناصر بين شعبٍ ٩٠ % منه فقراء ، وشاءت الظروف أن يكون من بين هذه النسبةِ الغالبة ، حيث قال …

” أنا جمال عبد الناصر ، أفخرُ بأن عائلتي لاتزالُ في بني مُر مثلكم ، تعمل وتزرع وتقلع من أجلِ عزةِ هذا الوطن وحريته .. وأنا أقول هذا لأسجل أن جمال عبد الناصر نشأ من عائلةٍ فقيرة ، وأعاهدكم بأن جمال سيستمر حتى يموت فقيراً في هذا الوطن ” .

لذا كانت مواقفه الإنسانية العديدة تتناقضُ مع الطبيعةِ العسكريةِ التى شب عليها ويذكر أنه بكى من أجل طفلٍ فقير حافي القدمين ، وثار عندما علٌمَ بأمرِ موظفٍ لم ينل حقه .

أرقام في حياة الزعيم القائد خلال الفترة الرئاسية.

————————————–

بحلولِ عام ١٩٦٧ م ووفقاً لإحصائياتِ البنكِ الدولي ، فإن صغارَ الفلاحين امتلكوا ” 4 ” مليون فدان مقارنة ب ” 2 ” مليون فدان قبل ثورة 23 يوليو 1952 م .

كما نجحت مصرُ في عهد عبد الناصر من تحقيقِ الاكتفاء الذاتي من المحاصيلِ الاستراتيجيةِ عدا القمح الذي حققت منه 80 % .

وبحسب تقرير البنك الدولي فإن مصر عقب تأميم قناة السويس في عام 56 وحتى عام 67 حققت نمواً اقتصادياً بما يعادل 7 % سنوياً ، وهو أعلى معدل تنمية في دول العالم الثالث ، كما أنه من بين أعلى معدلات التنمية عالمياً .

أيضا وبحسب البنك الدولي شهدت الحقبة الناصرية تأسيس وتدشين أضخم بنية صناعية في تاريخ الدولة المصرية ، حيث شهدت تلك الفترة إنشاء أكثر من 1200 مصنع ، بينهم مجمع الألومنيوم ومجمع الحديد والصلب ومصانع تكرير البترول والزيوت والأسمنت وغيرها .

وكان لكل هذا النمو السبب الرئيسي في انخفاضِ معدلاتِ البطالةِ في مصر إلى 10 % والتي كانت تقدر ب 30 % قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 م .

عاش زعيماً ومات زعيماً .

—————————————

حتى أنفاسه الأخيرة ظل عبد الناصر كالجبال أوتاداً، زعيماً صامداً ، حَملَ همومَ شعبه ومنطقته العربية على أكتافيه ، مدافعاً عن رايةِ الحقِ والحرية ، لا يخشى المواجهة والصدام في سبيل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، إلى أن جاء ” أيلول الأسود ” على المنطقة العربية بأكملها ، بل على العالمِ أجمع الذي نال احترامه رغم مواجهته لبعض زعمائه ورؤسائه ، فبعد مشاركته في اجتماعات مؤتمرِ القمةِ العربيةِ بالقاهرة لوقف القتال الناشب بين المقاومةِ الفلسطينية والجيشِ الأردني ، لفظ الزعيم البطل أنفاسَه الأخيرة ملبياً نداءَ ربه في الثامنِ والعشرينَ من سبتمبر عام ١٩٧٠ ميلادية إثر جلطة في القلب بحسب تقرير الأطباء ، و الله أعلم بما تخفيه الصدور وبواطن الأمور .

إنها مسيرةُ قائدٍ أبى أن يتركَ الدنيا دون تحقيقِ حُلم ” الجمهورية المصرية ” ، بل أبى أن يموتَ إلا والعرب مجتمعين على كلمةٍ سواء .

رحل عبد الناصر مفجرَ الثورةِ البيضاء ، وفاضت معه دموع من عاش لأجلهم ، لكنه ترك فيهم حب البقاء للحفاظِ على مكتسباتِ هذا الوطن ، الذي عاش من أجله ومات مرفوعَ الرأسِ على ترابه .

مات جمال وليس بعجيبٍ أن يموت ، فالناسُ كلهم يموتون ، لكن العجيبَ وهو ميت أن يعيشَ معنا ، وقليل من الأحياءِ يعيشون وخير الموت ألا يغيب المفقود ، وشر الحياة الموت في مقبرةِ الوجود .

” فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في رثاء زعيم المصريين البطل الجسور جمال عبد الناصر ”

رحمةُ اللهِ عليه وأسكنه فسيحَ جناته بقدرِ العزيمةِ والإصرار ، وتحريرِ البلاد من شرِ الظلم والاستبدادِ وقسوةِ الاستعمار .

 

 


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً