استعرضنا خلال المقالات السابقة على جزئين الجذور التاريخية للأزمة الروسية الأوكرانية وتطوراتها الحالية وفى هذا المقال الجزء الثالث والأخير نطرح السيناريوهات المحتملة والتقديرات المستقبلية للأزمة ..
وتلخصت الأجزاء السابقة أن الحرب البارده استعرت من جديد بين روسيا من جانب والولايات المتحده الامريكية والغرب بشكل عام وأن روسيا تعتبر نفسها الوريثة الشرعية للإتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية وتعتبرها مجالها الحيوى وأن أى تهديد لهذا المجال هو تهديد للأمن القومي الروسي ومن الجانب الآخر شرعت الولايات المتحده الامريكية والاتحاد الأوروبى منذ انهيار الإتحاد السوفيتي إلى محاولة التغلغل داخل المجال الحيوي الروسي وهو ما ترفضه الأخيره تماما.
خلال الأزمة الحالية برزت أمامى فتره الحرب البارده بين أمريكا والإتحاد السوفيتى وما تضمنته من احتكاكات بين الجانبين وعلى سبيل المثال وليس الحصر أزمه كوبا عام ١٩٦٢ والتى تلخصت فى مسانده الإتحاد السوفيتى لنظام فيدل كاسترو فى كوبا ونشر صواريخ سوفيتية تطال عمق الولايات المتحدة الأمريكية واستمرت الأزمة لشهور وانتهت باتفاق وتسوية بين الجانبين تضمن أن يسحب الإتحاد السوفيتى الصواريخ من كوبا مقابل أن تكف الولايات المتحدة عن محاولة اسقاط فيدل كاسترو وسحب صواريخها من ايطاليا وتركيا وهو ماحدث وقتها.
واليوم يشهد العالم إحدى فصول الحرب البارده تبزغ من جديد بعد ان استعادت روسيا عافيتها وتساندها الصين القوية فى إعادة التوازن إلى العالم بالإعلان عن قطب جديد وانتهاء فتره القطب الواحد الممثل فى الولايات المتحدة الأمريكية والتى صالت وجالت فى العالم منذ تفكك الإتحاد السوفيتي عام ١٩٩١.
إن اطالة أمد الأزمة الحالية رغم معرفة أسبابها وسبل حلها له أسبابه الموضوعية فروسيا لن تتراجع و لن تتنازل عن صياغات دولية امريكية ملزمه تضمن عدم المساس بمجالها الحيوي والمتمثل فى دول الإتحاد السوفيتى القديمة ودول الكتلة الشرقية ومن جانب آخر تلوح باستعراض القوه لجارتها أوكرانيا لارغامها على القبول بمطالبها وفك ارتباطها المحتمل مع الناتو والإتحاد الأوروبى.
من جانب آخر الولايات المتحدة الأمريكية تطيل أمد الأزمة كمزيد من الضغط على روسيا وأوكرانيا معاً لتحقق أفضل نتائج تفاوضية من أجل الحصول على ضمانات روسية بعدم انقطاع امدادات الغاز عن أوروبا وكذا محاولة تحجيم الدب الروسي من التوسع فى مناطق نفوذ أمريكية أخرى ولو أخطأت روسيا باجتياح أوكرانيا يصبح أمام المجتمع الدولي المبرر للتدخل الخشن وبالعقوبات لاعاده الأمور إلى نصابها وهو ما يدركه بوتين تماما ومن جانب آخر مع أوكرانيا أن تضمن الولايات المتحدة الأمريكية الولاء الأوكراني للغرب لاستخدامه سواء فى إمدادات المواد الغذائية او المواد الخام التى تتمتع بها أوكرانيا .
والجانبان مدركان تماما التأثيرات الاقتصادية لو تطورت الأمور إلى صراع عسكري من ارتفاع التضخم، وبالتالي أسعار الفائدة بأسواق السندات وتضخم أسعار الأغذية، لانقطاع تدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود و توقف 35% من الغاز الطبيعي القادم من روسيا، وبالتالي ارتفاع أسعاره في أوروبا بأكملها وفي القطاع المالي، تتركز المخاطر في أوروبا، وستكون الأصول الروسية والأوكرانية في طليعة الخاسرين والعقوبات التي ستفرض على روسيا في حيال قيامها بالحرب ستزيد الوضع سوءا اذاً فالجانبان خاسران .
إذا لا أتوقع نهائياً اجتياح روسي لأوكرانيا وقد يكون هناك بعض المناوشات على الحدود المشتركة ولكن لن ترقى الى حرب شاملة بين الجانبين .
التسويه هو مايحدث الآن وكل التصريحات المتبادلة والرحلات المكوكية والاجتماعات ليست سوى مناقشة للتسوية المطلوب التوصل إليها واى تهديد او تلويح من طرف لآخر ليس سوى حث الطرف الآخر على الإسراع بعملية التسوية بين الجانبين على أساس احترام المجال الحيوي لروسيا فى مقابل إحترام مناطق النفوذ الغربية والأمريكية .
كاتب المقال .. اللواء تامر الشهاوى ضابط المخابرات الحربية المصرية السابق وعضو مجلس النواب المصرى ولجنة الدفاع والامن القومى السابق.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.