ألقى “نيكولاس مادورو موروس” رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية، خطابه أمام الجلسة العامة للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27)..
فى بداية خطابه رحب بجميع الوفود الحاضرة، وقال: “لقد قطعنا مسافة ١٠.٤٠٧ كيلومترات من أمريكا الجنوبية إلى هنا: شرم الشيخ، مصر، حاملين معنا حقيقتنا وسلامًا تضامنيًا ملتزمًا من جمهورية فنزويلا البوليفارية إلى جميع بلاد العالم، إلى جميع شعوب العالم، وبالأخص إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي وشعب مصر الذي عقد هذا المؤتمر العالمي الرائع ضد تغير المناخ”.
وقال: “من المعروف أن الاختلالات البيئية الرهيبة التي تؤثر اليوم بشكل كبير على الحياة على الكوكب بأسره، والتي تشير إلى التغير المناخي – هكذا يطلق عليه في تعبير تلطيفي مفكك – هي حقيقة واقعة لا بديل لها. ذلك السيناريو البائس الذي يخافه الكثيرون وتنكره النخبة، الذي حذر مبكرًا منه المجتمع العلمي وبعض قادة العالم وتقريبًا كل الحركات الاجتماعية قد تحول إلى نبوءة تتحقق بذاتها. أكبر أزمة تمر بها البشرية منذ بدء الخليقة”.
وأشار الرئيس “مادورو”: بأن أزمة المناخ حقيقة لا يمكن تجنبها ولن يمكن التصدي لها إلا بإجراءات ملموسة، عاجلة وفورية إنه لأمر يؤلم الضعفين أن نضطر للاعتراف بأن أبعاد هذه الأزمة لم تكن مفاجأة بالنسبة لنا.
وقال: منذ بداية الدبلوماسية البيئية، كانت لدينا بيانات كافية لإعلان حالة الطوارئ المبكرة والتصرف على هذا الأساس. مضى على ذلك ٣٠ عامًا، منذ توقيع اتفاقية كيوتو التاريخية في عام ١٩٩١ والتي تم التوصل فيها لإجماع مهم يهدف لتقليل البصمة الكربونية، والذي أعطى نتائج جيدة حتى ٢٠٠٩.
وأوضح: بأن اتفاقية باريس لعام ٢٠١٥ هدفت إلى تحسين الآليات لإجبار ما يسمي بدول الشمال الرأسمالية المتقدمة على تقليل إسهامها في ظاهرة الاحتباس الحراري، والأهم، أن اتفاق باريس يضفي طابعًا مُلزِمًا لمساهمات العلم فيما يتعلق بتغير المناخ. وشدد: بأنه يجب أيضًا أن يقال إن هناك حالات جمود مؤلمة وانشقاقات مثل تلك التي حدثت في عام ٢٠٠٩ في قمة كوبنهاغن، حيث ظهر جليًا عدم استعداد النخبة المُنكِرة للسير بالإيقاع المناسب لحالة الطوارئ وفي الاتجاه الصحيح للحياة. ما زلنا نتذكر كوبنهاجن وقمع الشرطة للحركات البيئية في الشوارع والمخططات البيروقراطية المؤسسية التي يتم اتباعها منذ ذلك الحين.
ونبّه الرئيس “مادورو” بأنه: لقد أهدرنا الكثير من الوقت من حينها إلى الآن، كل ساعة، كل شهر، كل عام من التقاعس، التردد، التراخي، يُترجَم اليوم إلى أنظمة بيئية مدمَرة، إلى أنواع منقرضة وإلى تدهور ظروف الحياة التي وهبنا إياها الكوكب بمنتهى الكرم، ولكنه يبدأ اليوم في فتح كشف حساب على الانتهاكات المرتكبة.
وقال: الاعتراف بالفشل الحضاري هو البداية لتصحيح جذري، لقد هددنا تغير المناخ أمس، ولكن اليوم يهددنا الانهيار المطلق للنظام البيئي الذي يثور كمصير قاتل على مرأى منا؛ تقولها أحدث التوقعات: إذا واصلنا هذا الإيقاع المدمر للذات، فسيكون هذا الكوكب غير صالح للسكن خلال ٣٠ أو ٤٠ عامًا.
وقال: إن أزمة المناخ هذه، كما نعلم، لها وسيكون لها عواقب محتمة على الكوكب تجبرنا على تغيير نموذج الحياة الاستهلاكية. حيث حذر آخر تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة لتغير المناخ ، والذي شارك فيه ١٤٠٠٠ عالم من جميع أنحاء العالم من أنه إذا لم يتم تقليل الانبعاثات من الغازات الدفيئة، كثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد الحديدوز بنسبة ٥٠٪، سيكون الضرر غير قابل للزوال في ثماني سنوات فقط. وهذا يعني أنه بحلول عام ٢٠٣٠ لن يكون هناك بديل لما نمر به: العواصف والأعاصير والأمطار والبرودة الشديدة والحرارة التي تغير ظروف الحياة بشكل غير متوقع، والأهم من ذلك، تضع وجودنا على المحك. يقتل الاحتباس الحراري أشكال الحياة على الأرض، ما هو يبدو أمرًا لا يمكن وقفه. المثال المشهور على ذلك هو النحل: يمكن أن تؤدي الحرارة الشديدة إلى انقراض النحل، وإذا لم يكن هناك نحل ستنقطع الدورة الطبيعية للتلقيح، وإذا لم يكن هناك تلقيح، فلن تتكاثر النباتات وهذا من شأنه أن يقلل الأكسجين في بيئة الأرض.
وأشار: بأنه ارتفعت متوسط درجة الحرارة العالمية السنوية، خلال المائة عام الماضية، بمقدار ٠.٨ درجة مئوية، ومن المتوقع أن تتجاوز ١.٧ درجة مئوية في السنوات الخمس المقبلة. تصل الغازات الدفيئة إلى أعلى مستوياتها في تاريخ البشرية، هذا المستوى الذي انخفض في عام ٢٠٢٠ نتيجة الحجر الصحي، في عام ٢٠٢١ مع إعادة النشاط الصناعي والتجاري، متجاوزة الرقم القياسي لعام ٢٠١٩، عندما كانت أعلى بنسبة ١٢٪ تقريبًا مما كانت عليه في عام ٢٠١٠ وأعلى بنسبة ٥٤٪ من عام ١٩٩٠، خلال ٣٢ عامًا، كانت هناك زيادة يجب تسجيلها في قرن، نتيجة إلى ذلك، وبطريقة غير منظمة، تفاقمت الظواهر مثل الجفاف والأمطار الغزيرة. حول ٨٠٪ من الكوارث الطبيعية بين عامي ٢٠٠١ و ٢٠٢١ كانت مرتبطة إما بالجفاف أو الفيضانات العاصفة.
وقال: وفقًا لتقديرات خبراء المناخ، بحلول عام ٢٠٥٠، عمليًا سيكون المحيط المتجمد الشمالي خاليًا من الجليد البحري لأول مرة في التاريخ مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين مما يهدد بفقدان ٩٩٪ من الشعاب المرجانية في العالم. بصورة مماثلة، فقد ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار ٢٣ سنتيمترًا منذ عام ١٩٨٠، نصف هذه السنتيمترات تقريبًا زاد في آخر ٢٥ سنة فقط، يرتفع البحر بمقدار ٣,٤ ملليمتر كل عام. تتسبب هذه الزيادة في جعل المياه العذبة مالحة، مما يعرض موارد المياه التي يعتمد عليها ملايين الأشخاص على كوكب الأرض للخطر.
وأكد الرئيس “مادورو” على أن: الحضارة الإنسانية هي سبب هذا الأذى العظيم الذي يعيشه الكوكب، ومع ذلك، فإن هذه العبارة غير مكتملة إذا لم يتم تفصيل أن هذه الحضارة غير متكافئة بشكل كبير، فهي تتكون من دول استغلت بشكل عشوائي الموارد الطبيعية للكوكب لمدة قرنين من الزمان، في حين أن الآخرين بالكاد لديهم ما يكفي لإطعام أنفسهم ومستمرون في ظل طريقة إنتاج ترجع إلى عصر ما قبل الصناعة.
وقال: إن فنزويلا مسئولة عن أقل من ٠.٤٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على كوكب الأرض، ومع ذلك، يجب على الشعب الفنزويلي أن يتحمل تبعات الاختلال الذي تسببه الاقتصادات الرأسمالية الرئيسية في العالم التي لوثت وتواصل تلويث كوكب الأرض لصالح قلة قليلة من الناس.
وأشار بأن: الوجود كما نعرفه انقلب رأسًا على عقب إلى الأبد بالنسبة لجميع الكائنات الحية على الكوكب. يتسارع وينتشر معدل انقراض الأنواع التي تشكل النظام المعقد للتنوع البيولوجي بشكل مقلق، كما حذر القائد فيدل كاسترو روز في ذلك الخطاب الشهير في ريو دي جانيرو قبل ٣٠ عامًا في قمة ريو: “هناك نوع بيولوجي مهم معرض لخطر الزوال بسبب التصفية السريعة والتدريجية لظروفه المعيشية الطبيعية: الإنسان” وأضاف القائد فيدل كاسترو: ” غدًا سيكون قد فات الأوان لفعل ما كان يجب أن نفعله منذ زمن بعيد” مشيرًا إلى أن الرأسمالية الوحشية والشرسة مسؤول كبير عن هذا التهديد الكبير للطبيعة، كل هذا في عام ١٩٩٢.
وقال الرئيس “مادورو” فى خطابه: إن أي جهد نقوم به للتخفيف من عواقب هذه الكارثة البيئية سيكون عديم الفائدة، كما هو الأمر حتى الآن، إذا لم تكن لدينا الشجاعة لإدراك أن هذا وليس غيره هو سبب الكارثة القادمة. الرأسمالية الاستهلاكية، الرأسمالية الجشعة المفترسة والمدمرة.
وأوضح بأنه: في عام ٢٠٠٩، في كوبنهاغن، كان لدى القائد هوغو شافيز فرياس الشجاعة ليقول ذلك مباشرة في ذلكم الصباح: “ما هو سبب تغير المناخ؟ السبب هو حلم البحث عن السعادة من خلال التفكير المادي والتقدم اللامتناهي باستخدام تقنيات يمكن من خلالها استنزاف جميع موارد الأرض بمحدودية. دعونا لا نغير المناخ، دعونا نغير النظام!”
وقال: سيادة الرئيس، يمكن مقارنة عدم التوازن والأزمة البيئية التي نشأت في الطبيعة بحالة عدم المساواة والظلم التي خلقتها الرأسمالية ضد الإنسانية. إن النظام الذي يُطبع الاستغلال بين البشر لا يملك الشروط الأخلاقية لاحترام أشكال الوجود الأخرى. ترى الرأسمالية الموارد حيث ترى الثقافات الأخرى الحياة وكل ما هو مقدس، وبالتالي تشعر باستحقاقها لامتلاك وتدمير كل ما هو في طريقها لكنز رأس المال.
وأكد على أنه: من الضروري – في هذه القمة – التوصل إلى اتفاقيات عمل حقيقية وفعالة في مواجهة المشكلة الهيكلية، ولكن يجب علينا أيضًا أن نصمم الآن جدول أعمال محددًا لحماية السكان المعرضين للخطر على كوكب الأرض.
وأشار بأنه: لا يمكن للبشرية أن تبقى يتيمة. من الضروري، سيدي الرئيس، أن نشكّل، دون تأخير، ولا تحايل بيروقراطي، صندوق تمويل الخسائر والأضرار المناخية الذي تحدثنا عنه قبل بضع سنوات في مؤتمرات قمة سابقة. يجب أن نعمل على هذا الاقتراح الضروري حتى أدق وآخر التفاصيل، مُحكمين الآليات بحيث تكون المساعدة المالية مباشرة وعادلة وسريعة وفي الوقت المناسب، بحيث يصل التعويض عن الأضرار البيئية إلى أكثر الشعوب تضررًا. يجب على أي اتفاق يتم التوصل إليه اليوم أن يعالج المشكلة من جذورها وأن يعطي الأولوية للفئات الأكثر ضعفًا على هذا الكوكب.
وقال: إن التفاوت الهائل في بلدان ما يسمى بـ “العالم الأول” مقارنة ببقية البلدان قد ازداد وتعمق في العقود الأخيرة، على نفس وتيرة تدمير البيئة. هناك علاقة بين الأزمة البيئية وأزمة عدم المساواة التي تولِّد الفقر في العالم، حيث إنه بالإضافة إلى أن الاستغلال العشوائي للموارد المتجددة وغير المتجددة يخلق البؤس البيئي، هو المسئول أيضًا عن البؤس الاجتماعي على نطاق الكوكب، والذى يزداد حدة هو الآخر؛ هذا أمر لا يمكن تجاهله عند رسم تدابير جذرية وخطط فعّالة تصحح وتنظم النشاط الحضاري المستقبلي.
وفى نهاية خطابه قال: أخيرًا، سيادة الرئيس، ندعو كدولة ذات سيادة إلى حماية الأمازون، لقد جئنا من لقاء مع رئيس كولومبيا، جوستافو بيترو؛ مع رئيس سورينام؛ مع الحركات الاجتماعية في أمريكا الجنوبية لتحمل المسؤوليات كسكان لأمريكا الجنوبية في إنقاذ الغابة والتنوع البيولوجي في الأمازون.
وقال: لقد تركت آلاف السنين من الوجود آثارًا لا يمكن محوها في منطقة الأمازون. لكننا نعتقد أن الشعوب الأصلية هي التي يجب أن تعلمنا كيف ننقذ الطبيعة وكيف نتعايش معها.
وقال: لطالما تصورت الثقافات القديمة والأصلية لقارة بأكملها، بدءًا من هنود سيوكس الأصليين في أمريكا الشمالية حتى اليانومامي في غابة الأمازون، أن الأرض كائن حي يشعر ويفكر مثلنا، دعونا نوقظ هذه الحقيقة ونخرج من الغطرسة البشرية التي تمنعنا من رؤية مدى قداسة العالم.
وأوضح بأنه: نحن – شعب فنزويلا – لا نعرف التشاؤم، لنا روح مناضلة مُقاوِمة لا تعرف الكلل يملؤها حب كبير للحياة تدفعنا إلى التفكير في إنسانية جديدة من وجهة نظر روحانية جديدة، إنسانية متصالحة مع الطبيعة، ومتصالحة مع نفسها، ومتصالحة مع المستقبل.
كما قال الفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان: “لم يعد هناك ركاب في هذه المركبة الفضائية المسماة الأرض، نحن جميعًا طاقم”، أعلم أنه لا يوجد رجل عادي أو امرأة على استعداد أن يشهد نهاية هذه المغامرة الجميلة التي يمكن أن تكون الإنسانية الجديدة، البشرية التي تم انقاذها، ولن نبقى نحن أيضًا مكتوفي الأيدي لنشهد نهاية العالم.
وقال: يمكن للعالم أن يعتمد على شعبنا الملتزم الدؤوب المليء بالأمل والراغب في توحيد كل الجهود مع إخواننا في إنسانية جديدة.
وأوضح: لقد انتهى وهم التطور اللامتناهي من خلال النزعة الاستهلاكية، فلنضع حدًا للضرر الذي لحق بالطبيعة الأم. سيادة الرئيس، الإخوة والأخوات، لقد ولى زمن الخُطب والرثاء. لم يتبق لنا سوى حاضر واحد لنعمل فيه بشكل جذري ودقيق في سبيل عالم آخر محتمل، حياة حقيقية. وعلى الرغم من أن الحاضر هو لحظة أمام أعين الأبدية، فإنه سيكون كافياً إذا كانت هناك إرادة للحياة؛ وهناك إرادة للحياة.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.