شهد اليوم الثاني لمؤتمر “الثقافة والمثقفون.. آفاق جديدة” بمكتبة الإسكندرية عددًا من الجلسات المتوازية التي ناقشت قضايا الأدب والفن، والإنتاج الفكري والفلسفي، وحماية التراث المادي وغير المادي، إلى جانب الثقافة المصرية في أبعادها الإقليمية والدولية.
تضمن اليوم جلسة بعنوان “حماية التراث المادي وغير المادي”، تحدث خلالها الدكتور مصطفى جاد، خبير في التراث اللامادي بمكتبة الإسكندرية وعميد المعهد العالي للفنون الشعبية، والدكتور أيمن سليمان، مدير مركز التوثيق الحضاري والطبيعي بمكتبة الإسكندرية، بحضور “د.أحمد زايد” مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية.
وفي مداخلة خلال الجلسة؛ أشاد الدكتور أحمد زايد، بجهود مركز التوثيق الحضاري والطبيعي والذي لمسها منذ توليه مهام إدارة المكتبة، موضحًا أن المكتبة تهدف إلى التوسع في التوثيق المادي وغير المادي، من أجل هدف أعلى وهو وضع خريطة لمصر بها تصنيفات عن الحرف والإبداعات الحديثة.
وأشار “زايد” إلى أنه قدمت قبل عدة سنوات ورقة بحثية بعنوان “التدفقات من أسفل” لعرض إبداعات المصريين في القرى والمدن التي لا يعرف عنها الكثيرين شيئًا، وهذه الإبداعات ليس فقط في الحرف اليدوية، مضيفًا أن المكتبة تسعى للبحث عن هذه التدفقات في كل قرية والخطوة الثانية ستكون النزول إلى هذه القرى لتوثيق التراث والإبداع.
وفي بداية حديثه؛ أكد الدكتور مصطفى جاد، إن مصر على علاقة وثيقة بالتراث وهي جزء من التراث العالمي لارتباطها باتفاقية التراث العالمي المادي التي وقعت عليها عام ١٩٧٢، حيث تم توثيق ٧ مواقع، كما وقعت على اتفاقية التراث الثقافي غير المادي عام ٢٠٠٥، وتشمل ٥ موضوعات وهي؛ التراث الشفهي، الممارسات والاحتفالات، الطبيعة، فنون الأداء الشعبي والمهارات والحرف.
وأوضح “جاد” إن صون التراث المصري محمي بموجب الدستور المصري وليس مجرد قانون، وهناك الكثير من التجارب لحماية التراث، مضيفًا: “حتى الآن ورغم حجم التراث المادي وغير المادي الضخم الذي تمتلكه مصر، إلا أنه لا يوجد وسيلة جمع كل هذا التراث في وسيلة واحدة”.
وأشار “جاد” إلى أن العديد من المبدعين ليس لديهم علم بمجهود بعض الهيئات العاملة والمهتمة بحفظ التراث المصري من متاحف ومعارض وغيرها، نتيجة لعدم التواصل بين هذه الجهات وكذلك المتخصصين في المجال المادي واللامادي.
فيما أوضح الدكتور أيمن سليمان؛ إن مركز التوثيق بمكتبة الإسكندرية يهتم بالتراث المصري على مر العصور، ويعمل بشكل أساسي على المحتوى الموثق، ولدينا مخزون من قواعد البيانات، مضيفًا أن التراث الطبيعي وغير المادي هما أكثر فرعين لا يحصلون على الاهتمام الكافي على الرغم من التراث الكبير الذي تمتلكه مصر في المجالين.
وأكد “سليمان” إن توثيق التراث غير المادي أكثر صعوبة من التراث المادي، نظرًا للتقلبات والاختلافات الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها، مشيرًا إلى أن المركز نجح في انتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية لمجموعة من الحرف والصناعات والمهن عبر العصور، حيث تم جمع وتوثيق ٣٧ حرفة وصناعة ووضعها على ١٣٦ موقع على الخريطة، ومن المخطط الوصول إلى ١٠٠ حرفة خلال ٦ أشهر.
ولفت “سليمان” إلى أن المركز يعمل حاليًا على توثيق الحلى في مصر القديمة، وكذلك مشروع حوائط المعرفة وربطها بتطبيق على الهاتف المحمول حيث يتيح المعلومات بشكل سهل وبسيط، مشددًا على أن المركز يحرص على التواصل مع الشباب وطلاب المدارس، ومن خلال تطويع التكنولوجيا لخدمة مجالات التراث المختلفة.
ومن جانبه؛ أشار الدكتور محمد سليمان، إلى تجربة متحف المخطوطات التي بدأت عام ١٩٩٦، ونجح حتى الآن في توثيق ما يقرب من ١٢٠ ألف عنوان من جميع أنحاء العالم، ٩٩٪ من هذه المخطوطات تم توثيقها رقميًا، كما أن المتحف يمتلك أكبر معمل ترميم في الشرق الأوسط ويستقبل متدربين من دول مختلفة.
كما شهد المؤتمر جلسة نقاشية بعنوان “الثقافة والإنتاج الفكري والفلسفي”، تحدث فيها الدكتور أنور مغيث والدكتور أشرف منصور.
أكد الدكتور أنور مغيث، أن الإنتاج الفكري دليل على حيوية وديناميكية المجتمع ولكن الصوت الواحد دليل على خمول المجتمع، لافتاً إلى أنه علامة على وعي الإنسان بمشكلات مجتمعه. وأشار “مغيث” إلى أن الإنتاج الفكري يعرفنا بما هو عليه العالم ويستشرف مستقبل البشرية، فحين نرى مشاهد تعليم البنات سنجد أن من طالب بأهمية تعليم البنات أشخاص ولكن أصبح تعليم البنات شيء أساسي للجميع فالتاريخ البشري واحد.
وتابع: “حينما نتحدث عن الإنتاج الفكري نستطيع أن نقول إنه وثيق الصلة بالعلوم الإنسانية فهو يختلف عن الإنتاج الأدبي والاكتشافات العلمية”
وتحدث “مغيث” عن العلاقة بين الجامعة والمجتمع فهناك مجتمعات لها صلة وثيقة بالجامعة فحين ينتج المدرس كتاباً فنجد أنه ينتشر على مستوى المجتمع ككل وليس فقط للدارسين والطلاب في الوقت الذي يقتصر فيه بعض اصدارات الجامعة على الطلاب فقط وبغرض الامتحان فيه فقط وليس له فائدة مجتمعية”.
وربط بين الإنتاج الفكري وحرية الرأي في المجتمع، مشيراً إلى أهمية أن يكون هناك حرية رأي خاصة بالكتاب والباحثين نظراً لما يمثله من أهمية كبيرة لمستقبل المجتمع. وتطرق إلى علاقة الإنتاج الفكري بالفلسفة، قائلا إن الفلسفة لازالت مثار شبهه في المجتمع ولكن الفلسفة مهمة جدا وجميع بلاد العالم تقرر مادة الفلسفة في المرحلة الثانوية.
وأشار إلى أن هناك ١٢دولة في الاتحاد الأوروبي تدرس الفلسفة في مرحلة الحضانة، مستطردًا في مميزات الفلسفة وعلاقتها بالعلوم الأخرى فضلاً عن كون الإنتاج الفلسفي إنتاج إنساني بحت يستطيع أن يلمسه الإنسان في كل أنحاء العالم بغض النظر عن ثقافته وخلفيته.
بدروه قال الدكتور أشرف منصور، إن الثقافة صناعة ثقيلة نحتاج إلى بنية تحتية وإنفاق وميزانية كبيرة، ولكن من المفترض أن تكون مجانية وبدون ربح. وأوضح أن السنوات الماضية شهدت رواجاً للكتب الفكرية فنرى الكتب الفكرية للفلاسفة الكبار على الأرصفة ولدى باعة الكتب وهو أمر جيد.
وأشار إلى أن الفلسفة لها سوق ليس فقط على مستوى الكتب المطبوعة ولكن على مستوى مواقع الانترنت والمنصات الرقمية.
وأكد “منصور” أهمية أن يعي المتخصصون أهمية مواكبة هذا التطور من خلال تطوير أسلوب الكتابة من أجل أن تصبح أكثر جاذبية خاصةً في فئات الشباب. وتحدث عن اتجاه الشباب للقراءة، مؤكداً أهمية أن يتم طرح أفكار مختلفة لجذب هؤلاء الشباب من خلال إنتاج كتيبات صغيرة الحجم لتلخيص التراث الإنساني.
كما شهد المؤتمر جلسة بعنوان “الأدب والفن: آفاق المستقبل”، تحدث فيها كلا من الأستاذ الدكتور حسين حمودة؛ أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، والكاتب الصحفي الأستاذ سيد محمود.
وطرح الأستاذ الدكتور حسين حمودة مجموعة من المحاور للنقاش بين الحضور، ومنها صعوبة قياس ما يمكن أن يحدث في الأدب والفن بسبب تداخل ظواهر ومجالات أخرى مع تلك المسألة، مشيرًا إلى قضيتين أساسيتين؛ هما: الذاكرة المتقطعة التي حكمت تاريخنا كله، وأن أغلب أنواع الأدبية الحديثة لم تبدأ معنا في تاريخ مبكر.
ولفت إلى أن هناك أوهام كثيرة تحطمت حول القواعد الأدبية والفنية، ولم يعد هناك تصور حول وجود قواعد ملزمة. وأشار إلى أن الوسائل الحديثة انتجت أنواع جديدة من الكتابة ومنها “القصة التويترية” على سبيل المثال.
وأضاف الدكتور حسين حمودة أن هناك تغير في بعض القضايا التي كانت مهمة في مسيرة الرواية العربية، كقضية الشرق والغرب على سبيل المثال، فالكاتب الآن يخوض تجربة جديدة وأصبحت هناك روايات تكتب في دائرة “التعبير عن الهويات الملتبسة”، خاصة المهاجرين الذين يعبرون في كتاباتهم عن أشكال معقدة من الاغتراب.
من جانبه، طرح سيد محمود تساؤلات حول مؤشرات اتساع رقعة القراءة، حيث يرى البعض أن هناك انحسار في عملية القراءة، ويرى البعض الآخر ازدياد مع تغير الأشكال أو الوسائط التي تنقل الكتابة، وتسائل حول دور ذلك في عملية السياسات الأدبية. وأشار إلى أن مجموعات القراءة تضغط على القارئ والكاتب لأنها تلح على نوعية معينة من الأنواع الأدبية، كما أن توجيه عملية القراءة يؤدي إلى تجاهل بعض الأعمال الأدبية التي ليس لها نفس الحظ في الذيوع والانتشار.
وشهدت الجلسة مداخلات من الحضور للنقاش حول إشكاليات الأدب والفن، فتحدثت الأستاذة أمينة شفيق عن أهمية “الحرية” في الثقافة، لافتة إلى أننا نحتاج ثقافة حرة ومثقف حر، ليكون للكاتب حرية فيما يكتب، وأن يكون القراء أحرار فيما يقرأون.
وقالت ماجدة موريس إن الأدباء المصريين لهم فضل كبير في تقديم أعمال خالدة للسينما، كما تطرقت إلى دور الدولة في إتاحة الثقافة للجميع، وأن العدالة الثقافية تحتم على كل دولة أن تتيح للمواطنين أن يتمتعوا بثقافة قد لا يكونوا قادرين عليها ماديًا أو مكانيًا.
وقال عاطف كامل إننا نعاني من تجريف للهوية والأفكار، كما أن المثقفين أصبحوا في حالة عزلة بحيث لا يتشابكوا مع المجتمع.
وتحدثت الدكتورة دينا عبد السلام عن تجربتها في إنتاج فيلم مستقل بعنوان “وش القفص”، والذي حصد 34 جائزة دولية حتى الآن. وتطرقت إلى بعض الإشكاليات التي تواجه الإنتاج في مصر وأهمها التمويل، لافتة إلى أهمية أن تعكس الأفلام الاشتباك مع الجمهور وألا نعيش في فقاعة أو عزلة ثقافية.
وتحدث الدكتور مدحت عيسى عن مشكلات الثقافة الجماهيرية، مؤكدًا أنه لا يوجد عدالة ثقافية في مصر، وأن المتلقي سيظل هو المتأزم الحقيقي، فالنخبة الثقافية قادرة على التعافي من أزماتها في كل الأوقات.
وجاءت الجلسة الرابعة بعنوان “الثقافة المصرية: الأبعاد الإقليمية والدولية”، تحدث فيها كلا من الأستاذ الدكتور أحمد مجاهد، والأستاذ الدكتور وائل فاروق.
وأكد الدكتور أحمد مجاهد إن تجاربه وسفرياته الكثيرة أثبتت أن تجربة اختيار الملحقين الثقافين في سفاراتنا بالخارج تحتاج إلى وضع معايير جديدة في الاختيار من خلال وزارة الثقافة، مشيرًا إلى أهمية أن يكونوا على دراية ومعرفة كبيرة بالحالة الثقافية المصرية.
وقال الدكتور وائل فاروق هناك سؤال فكري كيف نختار بين الأنا والـ”نحن”، وهو سؤال قديم نحاول أن نجاوب عليه منذ أيام طه حسين إلى الآن.
وتحدث الدكتور عبد المنعم السعيد عن بعض القضايا ومنها أن المثقف ليس عليه أن يقدم البدائل وهذه مسألة معقدة والمثقف يقدم المعرفة فقط، مشيرًا الى قضية الفخر وهي الأشياء التي نفخر بها وهناك قضية السبق بمعنى ان الكثير من المصريين يتحدثون عن اننا علمنا الكثير من العرب ونسينا دورنا كمصريين في التقدم ولذلك قد سبقنا الكثير من العرب في الوقت الراهن. وقال ان هناك قضية أخرى وهي الحديث عن الماضي بصورة متكررة.
من جانبه قال الدكتور هشام عزمي إن مصر لها دور ولكننا يجب ان نركز على ان القوى الناعمة في شتى المجالات ليس في الثقافة فقط لا ينبغي ان نحصر الموضوع في الثقافة والفن و السينما فقط مشيرًا إلى أننا ركزنا على الناحية الغربية خاصة ان لنا تجربة في مبادرة تحت عنوان “علاقات ثقافية” وهي استضافة سفراء من 24 دولة إلى جانب استضافة مجموعة من المصريين الذين لهم علاقة بهذه الدول وقد اكتشفنا ان العلاقات الثقافية لها دور مهم واشمل من العلاقات السياسية، وأن المشترك بيننا وبين هذه الشعوب كثيرًا جدًا فيما يتعلق بدول أمريكا اللاتينية.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.