خلال أحداث القرن الماضي ظهرت في العالم فكرة الحرب بالوكالة ويبدو أنه مع دخول القرن الـ21 استمر العمل بمفهوم الحرب بالوكالة ليصبح ذات مسمى آخر وهو الحرب بالأذرع العسكرية.
وكانت البداية هو ما حدث في الحرب الروسية الأوكرانية عندما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية دولة أوكرانيا لكي تحارب روسيا بقوات عسكرية بقتال مباشر. ولكي تصبح اوكرانيا الذراع العسكري للولايات المتحدة ودول حلف الناتو في حرب مباشرة ضد روسيا، وعندما تدخل هذه الحرب عامها الثالث هذه الايام، فإن الولايات المتحدة الامريكية تكون قد حققت هدفها الرئيسي في استنزاف روسيا في حرب طويلة. خاصة من ناحية الاقتصادية حيث لم تكن الولايات المتحدة قادرة على القتال بنفسها ولكن جاء ذراعها العسكري الأوكراني التي تدعمها أمريكا وحلف الناتو بكل الأسلحة والمعدات لكي تستمر في القتال حتى الآن حتى العام الثالث.
وعلى الطرف الآخر في منطقة الشرق الأوسط تعتبر إسرائيل الآن الذراع العسكري للولايات المتحدة في المنطقة ضد دولة إيران التي تحارب الاذراع العسكرية التي تشمل حزب الله في لبنان وسوريا والعراق وأخيرا الحوثيين في اليمن.
وعلى الطرف الآخر فإن إيران تحارب الولايات المتحدة وحلف الناتو أعدائها الآن بواسطة الأذرع العسكرية الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وجاء التطور الأخير بعد مقتل ثلاثة من الجنود الأمريكيين. وجرح العشرات في منطقة العمود برج22 في موقع أمريكي داخل الأراضي الأردنية، على الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، مما دعا الولايات المتحدة إلى الرد على عناصر الأذرع الإيرانية في العراق بضربة جوية مركزة من طائرات الـ B1 الأمريكية التي انطلقت من قواعدها العسكرية. في أمريكا متجه إلى الشرق الأوسط في سوريا والعراق، حيث هاجمت عناصر حزب الله والحشد وفيلق القدس، وكلها عناصر الأذرع العسكرية الإيرانية، وقد استغرقت الضربة 30 دقيقة، هاجمت 85 هدف من خلال إطلاق 125 قذيفة من طائرات الـ B1. وعادت الطائرات بعدها سليمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الإغارة على ثلاث منشآت عسكرية في العراق، وأربعة منشآت في سوريا. كما قامت طائرة مسيرة أمريكية في اليوم التالي بالهجوم على أحد القادة لهذه الأفرع العسكرية في العراق وهذا بالطبع اثار الشعب العواقب لان أمريكا انتهكت أجواءه وبالتالي الامن القومي العراقي.
ولعل أكثر الأذرع الإيرانية التي حققت تأثيرا كبيرا في الوقت الحالي ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها، فكانت ضربات الحوثيين في البحر الأحمر مستغلة وجودهم، وسيطرتهم على مضيق باب المندب، حيث دخل البحر الأحمر فجأة ميدان القتال. عندما بدأ الحوثيين بالهجوم وقاموا بالاستيلاء على ناقلة، يملكها رجل أعمال إسرائيلي وتم اقتياد السفينة إلى ميناء الحديدة والتي أصبحت مزارا لليمنيين تبرز للجميع قدراتها القتالية ضد إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية.
بعدها قررت أمريكا تكوين تحالف حارس الازدهار بقوة 20 دولة، ولم تشترك مصر في هذا التحالف، لأنه ضد مبادئها الدخول في أي تحالفات عسكرية، ولكن اشتركت مصر مع القوى العسكرية المشتركة مجموعة القتال 153 المسؤولة تأمين المجرى الملاحي في البحر الأحمر، حيث تشترك مصر ببضع من عناصر قواتها البحرية في هذه القوة. ولقد بدأت قوات التحالف بمهاجمة أهداف عديدة داخل اليمن حتى مناطق معسكر كهلان ومطار عبس وقاعدة الدليمي الجوية في صنعاء، ومطار الحديدة ومطار تعز، حيث اللواء 22 ميكانيكي وغيرها من الأهداف، بعدها قام الحوثيين بالرد بمهاجمة العديد من الناقلات والسفن. مما دعا شركات الملاحة الدولية على تغيير مسارات السفن عن طريق البحر الأحمر وقناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، لكي تزيد مدة الرحلة 17 يوم، وبالتالي زادت نفقات التأمين ونفقات الرحلات.
كل ذلك زاد من الأعباء الاقتصادية على مختلف دول العالم، وفي نفس الوقت أعلنت أمريكا إعادة تصنيف الحوثيين بأنها تنظيمات إرهابية، وهكذا أصبحت الذراع العسكري ذات التأثير الفعال في منطقة الشرق الأوسط، ويمثل تهديدا جديدا ليس لإسرائيل فقط وللولايات المتحدة، ولكن لكل دول العالم. بتأثيره على الاقتصاد العالمي.
ويرجح العديد من المفكرين الاستراتيجيين أن استخدام إيران لهذه الأذرع هي رسالة من إيران للجميع أنه إذا حاول البعض مواجهة إيران فور تملكها السلاح النووي، أو حتى عند التفكير بالتدخل العسكري ضدها لمنعها من الحصول على السلاح النووي. فإن إيران تعلن للجميع أنها لن تحارب وحدها، ولن تصد هذه الهجمات منفردة، بل أن هناك هذه الاذرع العسكرية سوف تتدخل في القتال وتساعد إيران في حربها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ودول حلف الناتو.
حتى أن بعض المحللين قد عرض أن إيران منعت هذه المرة حزب الله في لبنان من الدخول بقوة في حرب غزة واحتفظت بقوتها الضاربة من الصواريخ والطائرات المسيرة ومركزة فقط على عمليات اشتباك محدودة مع القوات الإسرائيلية خاصة أن حزب الله لم يشترك ضد القوات الإسرائيلية لعدة سنوات الماضية. لذلك، احتفظ حزب الله اللبناني بكل قوته، للدخول في معركة رئيسية، عندما حاول الغرب وإسرائيل مهاجمة إيران.
وعلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية في جنوب شرق آسيا، فإن الولايات المتحدة تقوم حاليا بدعم تايوان لتكون ذراعا عسكريا ضد العدو الأول لها وهي الصين التي تتقدم اقتصاديا بسرعة هائلة ولو استمرت بهذا المعدل يمكن أن تتفوق اقتصاديا على الولايات المتحدة في مطلع 2030 من هنا تحاول الولايات المتحدة، عرقلة هذا التقدم بإشراك الصين ودفعها لدخول في أي عمليات عسكرية مستقبلا، من خلال الاذرع العسكرية لها في المنطقة، وهي تايوان.
ولكني أعتقد أن الصين اظهرت ذكاء كبيرا عندما قررت عدم الدخول في أي نزاع عسكري مع تايوان لصالح الولايات المتحدة، وكان أبسط مثال على ذلك زيارة بيلوسي، رئيسة الكونغرس الأمريكي إلى تايوان، في محاولة لاستفزاز الصين، الأمر الذي نجحت فيه الصين في حالة عدم استفزازها
وهكذا أصبحت الأذرع العسكرية في العالم كله حاليا شكلا جديدا من أشكال حرب بالوكالة التي كانت تستخدم من قبل وهذه سمة العصر تطوير الأساليب ولكن بأسماء جديدة.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.