( القدر )
(الحلقة الثالثة)
قام غريب بتحرير عقد بيع قطعتي أرض لصالح نرجس وكانت الأرض للمرحومة زوجته أم نجاة ثم وضع العقد بخزينته فهدأت نرجس في الحال وأعطته مايريد ولما لا فقد أعطاها ما تريد من ضمان ..
نزل غريب وهو في كامل هيئته وكانت رائحة نرجس تفوح منه وكأنه ولِد من جديد فرآه صديقي أشرف وسأله قائلاً إنت رايح راندفو ولاّ أيه ياغريب ؟
فقال له غريب ده أنا لسة جاي من الجنة يا أشرف والله واللي جاي كله خير بإذن الله هتتعدل فسأله عني فأخبره بأني علي وشك الوصول فهذا هو ميعادي فإنتظرني وكان أشرف يبيع لأحد زبائنه ولازال غريب ينتظر لحظة وصولي
فإذا بنجاة أيضاً تسأل عني فوجدت أباها داخل المحل فخرج إليها لتسامحه عما بدر منه فسامحته فهي لا تملك غير السماح والطاعة لأبيها فأعطاها مصروفها فرفضت ووصلت أنا في هذه اللحظة فقلت لها خذي منه هذا حقك فأخذته منه إرضاءاّ لي فهي تخاف علي زعلي …
فسألني غريب وكان يريد إجابة سريعة شافيةعن الصدفة السعيدة التي تغيّر مجري حياتنا وأشار إلي صدفة قد واجهها أحد أصدقاؤه علي محطة القطار دون سابق ميعاد وأنه قابل وقتها فقط الحب الحقيقي فقلت له ليس هناك مايسمي بالصدفة ولكنه ترتيب حكيم من رب عليم بخفايا الأمور فطلبت منه أن يسمح لي بتدوين قصة محطة القطار ضمن كتابي فوافق علي الفور قائلاً بس تحجز لي نسخة منه عشان أقراها فضحكت لسخرية القدر وقلت له تريد أن تقرأ قدرك وأنت ونحن نعيش فيه ولكنه لم يفهم المغزي من تعليقي ..
نجحت نجاة وكانت من أوائل محافظة القاهرة كما نجح أخواها زين وعبد الرحمن أيضاً فإشتعل نار الغضب في قلب نرجس وزاد حنقها ولكنها كظمت غيظها فلازال مداد العقد لم يجف بعد داخل خزينة غريب حتي الآن فدخلت تهنئ زوجها بنجاح إبنته فقال لها إنتي الخير والبركة فيكي
فقالت لها أمها قومي يابت بلّي الشربات وفرقي علي الجيران كلهم فقالت لها نرجس هو أنا لو معايا فلوس في إيدي كنت هستني ياأمة فنظر إليها غريب وكأنه مقصِّر معها فأعطاها أمام أمها حتي ترضي ويبدو أنها لن ترضي
وفي الصباح الباكرأتي أخوه سويلم وإبنه جيد وزوجته خضرة لتهنة نجاة وأخواها لنجاحهم وأخبر أخوه غريب بنجاح إبنه جيد وحصوله علي المركز الأول بمحافظة قنا وأنه الآن في إنتظار نتيجة التنسيق وكانت خضرة زوجة سويلم تتوسط في جلستها بين نرجس وأمها
وكان جيد يجلس مع أولاد عمه يتذكر معهم ذكريات الطفولة البريئة وكانت نجاة تستمع له لتتذكر جدها الكبير وجدتها الحاجة أم غريب كانت نجاة تجلس صامتة وكان جيد يتحدث كلما طلب منه ..
فباتت نجاة ليلتها تستعيد ذكرياتها مع والدتها والكبير وعمها سويلم وأيضاً جيد الذي أصبح الآن رجلاً وقد أطلق شاربه وهذبه بعناية …
وفي الصباح إستيقظت نجاة علي صوت أخيها زين وعبد الرحمن وهما يتحدثان مع إبن عمهما جيد فخرجت من غرفتها وجلست بجوار أخيها زين عندما سأله قائلاً وانت ياجيد ناوي تخش كلية أيه ؟
فأجابه جيد إن شاء آلله كلية الآداب جامعة الأزهر وأنه سيقطن بالمدينة الجامعية وتفاجأت نجاة عندما سألها إبن عمها قائلاً وإنتي يا نجاة ناوية تخشي كلية أيه ؟
فقالت له علي الفور إن شاء آلله كلية آداب القاهرة صحافة وإعلام ولما توافقت رغبتهما في إختيار نفس الكلية فرح جيد فهذا أدعي أن يراها كثيراً ولكنه لاحظ أنها لا تضحك أبداً ولا تبتسم له وكان وجهها تعتريه مسحة حزن ممزوجة بأسي ولولا أنها تجلس معه كثيرا لظن أنها لا تتقبله…
تغيرت دفة الحديث عندما طلب جيد من زين أن يزور أضرحة الأولياء فوافقه زين فتاقت نجاة لتلك الزيارة وقالت لزين ياريت تاخدوني معاكم وإتفقوا علي اليوم عندما يستيقظ غريب وعمهم سويلم وزوجته خضرة ولم توافق نرجس وإدّعت لهم مرض أمها وقالت لهم إدعولي معاكو..
خرج الجميع وكان غريب وأخيه سويلم في المقدمة وتلاهما خضرة ونجاة وفي المؤخرة كان زين وعبد الرحمن وإبن عمهما جيد وقاموا بزيارة نفيسة العلوم ثم السيدة سكينة ثم السيدة زينب ثم إنتهي المطاف عند أعتاب سيدنا الحسين وهناك أخذت نجاة في الدعاء لأمها وكانت خضرة تسمع دعاءها المصحوب بالنحيب فأخذتها في أحضانها تهدئ من روعها وضمتها بحنان الأم ..
نعم فهذا هو كل ماتحتاجه نجاة هذا الحضن الدافئ المفقود من زمن وألقت نجاة بجسدها النحيل في أحضان زوجة عمها في محاولة للهروب من المجهول فتوجهوا بعد ذلك لأحد المطاعم وتناولوا وجبة الغداء وقام جيد ليدفع الحساب لكن إستوقفه عمه غريب وأخبره بالأصول
فإستجاب جيد لعمه فأشار زين إلي مقهي الفيشاوي قائلاً لهم أنا عازمكم علي أحلي براد شاي في الدنيا فوافقت نجاة التي لاحظت السعادة وهي تطل من وجه إبن عمها جيد بروعة المكان وعبق الماضي السحيق وقال في نفسه عمار يامصر وكانت الأحاديث الشيقة بين غريب وسويلم لم تنقطع حتي الغروب فإستأذن سويلم للرحيل وعادت نجاة وقلبها ممتليء بالراحة والطمأنينة . ..
كنت أجلس مع صديقي أشرف بمحل لعب الأطفال فأخبرني بأن أحد سكان الحارة قد جاءته الأموال تسعي من أستراليا ولم أتعجب من الأقدار ولكني سألته كيف ؟ فأخبرني بأن عمه الوحيدالذي لم يراه طوال حياته قد توفاه الله ولم يكن متزوجاً فقال لي صديقي أشرف لو عمه كان متجوز ماكانش شم ريحة الفلوس دي كلها وقال وهو يهوِّل ملايييين …
ملايين ياصاحبي !!! نعم نعم إنه القدر صنع الله وترتيبه يأتي بالسعادة دائمآ وبالحزن أحياناً …. هذا عدله وقضاؤه فأخبرته بأني سأضيف تلك القصة إلي قصة القدر ورحب أشرف بالفكرة
كانت نرجس تتزين أمام المرآه وكان غريب مستلقي علي حافة السرير في إنتظارها فطلبت منه طلباً ولم تكمله ولكنه ثار في وجهها وخرج لتوه فدخلت أمها مسرعة قائلة خير فيه أيه ؟ مالكو أيه اللي حصل ؟ فرأت أم نرجس غضباً وغدراً في عينيها لم تراه من قبل وقالت لها وهي غاضبة أنا عاوزة صلوحة فشهقت أم نرجس وخبطت صدرها بكلتا يديها قائلة وعاوزة صلوحة ليه يا بنتي ؟ مافيش داعي
وبكرة نكمل
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.