بدأ تطبيق الهدنة بين إسرائيل وغزة، وعاد الهدوء النسبي إلى القطاع، وتأتي المرحلة الثانية ـ كما يحدث في كل مرة ـ والتي تتعلق بإعادة إعمار غزة وما دمرته عمليات القصف الإسرائيلية، وقد تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تكون بلاده في مقدمة البلاد الداعمة لهذا الجهد، ولكن السؤال يتعلق بكيفية إدارة هذه العملة؟
تختلف الصورة هذه المرة، جذريا، لعدة أسباب ويرتبط أولها بحجم التدمير الهائل للبنية التحتية في غزة، ذلك إن الهجمات الإسرائيلية كانت أقل زمنيا وأقل من حيث عدد الضحايا، بالمقارنة مع هجمات 2014، ولكن حصيلة التدمير للبنية التحتية تجاوزت بكثير ما حدث قبل 7 أعوام، مع تدمير ما لا يقل عن ألف مسكن وتشريد حوالي 66 ألف من سكان غزة، والإضرار بحوالي ٥٠ مدرسة والمركز الوحيد للكشف عن الإصابة بكوفيد 19 وقصف استهدف ما يسمى بـ”مترو حماس” الذي أدى لدمار الطرق الرئيسية في مدينة غزة بكل البنى التحتية التي تمر تحتها من مجاري وأنابيب توصيل المياه وكابلات الكهرباء.
وتكمن الصعوبة الثانية في أن عملية إعادة إعمار ما دمرته هجمات 2014 لم تتم نظرا لحصار القطاع اعتبارا من 2017، وعدم وفاء العديد من الدول المانحة بالتزاماتها، مما يجعل دعوة جديدة للدول المانحة عملية صعبة.
كما يرتبط الأمر بالفارق النوعي بين اشتباكات 2014 واشتباكات 2021، من حيث النتائج، بسبب مفاجأة صواريخ حماس، التي تجاوزت مرحلة الألعاب النارية وأصبحت تشكل خطرا على الإسرائيليين، ولكن العنصر الأكثر أهمية يتعلق بدور ومكانة رجل الشارع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وإسرائيل، والذي ظهر كفاعل مباشر ومنفصل عن قياداته التقليدية سواء السلطة الوطنية أو حماس، وما ينتظره ويريده المواطن الفلسطيني بعد هذه المعركة.
الرئيس الأمريكي أكد على مساهمة بلاده في إعادة إعمار غزة، بشرط ألا تتلقى حركة حماس التمويلات اللازمة لكي لا تستخدمها لإعادة بناء قوتها العسكرية، وهنا تكمن عقدة إعادة إعمار القطاع، وهو يطرح بذلك السؤال الرئيسي عن الجهة التي ستدير هذه العملية.
يصطدم أي تمويل للبناء في قطاع غزة بأن السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تتمتع بالثقة السياسية للدول المانحة، لا تتمتع بالثقة فيما يتعلق بالذمة المالية، كما إنها على خلاف حاد مع حركة حماس التي تسيطر على كافة مقاليد السلطة في القطاع، أضف إلى ذلك أنها سلطة أصبحت أكثر ضعفا، على المستوى السياسي، بعد أن قررت إلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
والعديد من الدول المانحة ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة ـ تصنف حماس كحركة إرهابية، ولا يمكن بالتالي أن توافق على أن تقود حماس إعادة الإعمار، أضف إلى ذلك أن الحركة الإسلامية لا تتمتع بآلية تسمح لها بالقيام بهذه العملية.
ويبرز هنا الدور الذي يمكن أن تلعبه وكالات الأمم المتحدة بالشراكة مع مصر، باعتبارها الطرف الإقليمي الذي يتمتع بثقة وموافقة كافة الأطراف الفلسطينية وإسرائيل، مما مكنه من النجاح كوسيط من أجل إتفاق الهدنة.
يبقى أن الأمر مختلفا هذه المرة على مستوى آخر، مع بروز الشارع الفلسطيني كلاعب مستقل نسبيا، والوحدة التي برزت بين فلسطيني الأراضي المحتلة وإسرائيل في تحركات تثير قلق الإسرائيليين بشدة، منتزعا بذلك جزء من أوراق اللعبة من أيدي المؤسسات الرسمية الفلسطينية ومن الدول المؤثرة والوسيطة، ولا يمكن بالتالي إعادته لنفس السيناريوهات القديمة، ويفرض ذلك ـ كما أكدت وكالة غوث اللاجئين ـ حلا مرحليا مختلفا بالنسبة لوضع قطاع غزة يسمح بتجنب هذه الانفجارات ويمنح لسكان القطاع حرية نسبية، وأملا في تنمية حقيقية.
فهل ستتمكن المنظمة الدولية والأطراف المتصارعة والوسطاء والقوى الكبرى من توفير ذلك؟
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.