الكيان الغاصب واميركا ثنائي الغطرسة في وجه السلام والعدالة
د. هاني العدوان ـ باحث وكاتب سياسي

منذ اللحظة الاولى التي زرع فيها الكيان الصهيوني كخنجر مسموم في خاصرة الامة العربية، دخل الشرق الاوسط في حلقة نار لا تنطفئ، هذا الكيان الذي قام على المجازر والتهجير والقتل الجماعي، لم يكن في يوم من الايام مشروعا للسلام، بل مشروعا للفوضى الممنهجة، ولد من رحم الغدر الاستعماري وتربى في حضن شرطي العالم، الولايات المتحدة الاميركية
فمنذ اعلان ما يسمى “دولة اسرائيل” عام 1948، وحتى اليوم، لم تهدأ المنطقة، لم يعرف اهلها الا الموت والدمار والتشرد، بدءا من مذبحة دير ياسين، الى مجازر قانا، وصبرا وشاتيلا، وجنين، وصولا الى مسالخ غزة التي تشهد ابشع محرقة في القرن الحادي والعشرين، هذا الكيان الذي يستلهم “شرعيته” من صكوك زورتها القوى الكبرى، ما زال يتفنن في صناعة الحروب وخلق الازمات
لم يكن الكيان وحده في ساحة الغطرسة، فخلفه دوما تقف اميركا، تلوح بفيتوها في وجه العدالة، وتستخدم مجلس الامن كعصا في يد جلاد، منذ عام 1972 حتى اليوم، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) اكثر من 45 مرة لاجهاض قرارات دولية تدين الكيان الصهيوني او تطالب بوقف عدوانه، كلما حاول العالم ان ينتصر للقانون، تدخلت اميركا لتحمي الجريمة، وتغطي القاتل
وفي مسار “السلام” الزائف، رسمت خارطة من اتفاقيات هشة، بدأت من كامب ديفيد مرورا باوسلو، وصولا الى وادي عربة، وكانت جميعها تبنى على اساس “حل الدولتين” وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، لكن الواقع اثبت ان الكيان لا يعترف الا بالقوة، ولا يفهم الا منطق البندقية، وكلما اقترب العرب او العالم من حل سياسي شامل، فجر الاحتلال ازمة، او اشعل حربا، ليجهض المسار ويعود الجميع الى المربع الاول
بل أن اميركا والكيان كانا وراء اعادة تفكيك المنطقة، ففي ظل “الربيع العربي”، تحول الحلم بالديمقراطية الى كابوس دموي، ساهمت واشنطن وتل ابيب في حرف مسارات الثورات، فاحترقت سوريا، وتمزقت ليبيا، ونزفت اليمن، وزرعت الطائفية في العراق، واهتزت مصر، بينما كانت اسرائيل في مقعد المتفرج الذي يخطط ويتغذى على الخراب
وكلما اقتربت اصوات الضمير من محاسبة المجرم، تذكر اميركا العالم انها صاحبة الصوت الاعلى، والحق الاوحد، فتجهض اي قرار اممي قد يمس “امن اسرائيل”، وتحول مجلس الامن الى ساحة للبلطجة الدبلوماسية
واليوم، في هذه اللحظة الحرجة، لا يزال الكيان الغاصب يشعل نارا جديدة، لكن هذه المرة باتجاه الشرق، نحو ايران، في ظل التوترات المتصاعدة، شن الكيان اعتداءات مباشرة داخل العمق الايراني، مستهدفا منشآت سيادية ومواقع استراتيجية، في استفزاز سافر يهدد باشعال فتيل الانفجار الكبير، ومع كل خطوة اسرائيلية نحو المواجهة، تعلن الولايات المتحدة استعدادها للدعم العسكري والسياسي الكامل، بل وترسل حاملات طائراتها نحو مياه الخليج، وكان العالم لم يكتف بالحروب السابقة
ان ما يجري الان ليس مجرد مناوشات، بل هو تمهيد لمواجهة اقليمية كبرى، قد تتدحرج نحو حرب عالمية ثالثة، خصوصا في ظل تشابك المصالح الكبرى، من روسيا الى الصين، ومن الخليج الى البحر المتوسط، فهل تدرك البشرية انها على شفير الانفجار، هل تدرك ان هذه الغطرسة قد تجر العالم الى جحيم لا يبقي ولا يذر
ان الصمت على ما يجري اليوم هو تفريط ليس بفلسطين وحدها، ولا بايران وحدها، بل بمستقبل الانسانية، وعلى العالم ان يتحرك، الان
لقد تحول الكيان الى تهديد عالمي، ليس للعرب وحدهم، بل للكرة الارضية جمعاء، ففي وقت تتقدم فيه التحديات المناخية والفقر واللجوء والتغيرات الجيوسياسية الخطيرة، ما زالت اميركا تصر على تاجيج الصراعات، لحماية مشروع استعماري دخيل، قائم على الابادة، وقمع الحقوق، وتدمير المجتمعات،
فهل آن الاوان للعالم ان يصحو، هل آن للمجتمع الاوروبي ان يتحلل من عقدة الذنب التاريخية ويتعامل مع الكيان بما هو عليه، نظام ابارتهايد عنصري، هل آن لدول الشرق ان تدرك ان القضية الفلسطينية ليست قضية شعب فقط، بل قضية كرامة انسانية، وان استمرار الغطرسة الصهيواميركية تهديد وجودي لامن وسلام البشرية جمعاء
إن اللحظة التاريخية تقتضي اصطفافا عالميا جديدا، يضع حدا لهذا الانفلات الاخلاقي والسياسي، ويوقف تغول القوة على القانون، ويعيد للعدالة معناها، على شعوب الارض الحرة، وعلى حكومات الشرق والجنوب العالمي، ان تقول كلمتها الان، لا غدا، فالسكوت على جرائم الكيان وحليفه الاميركي لم يعد حيادا، بل تواطؤا، والتاريخ لا يرحم المتفرجين
فإما أن يكون العالم حرا، او نسلم جميعا بكسر ميزان العدالة إلى الأبد
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.