قصة قصيرة بعنوان وللبدر عيون

بقلم سعد جمعه

في يوم ربيعي جميل ووقت الاصيل رجع أبي من عمله البشر والفرح والابتسامة علي وجهه .. كنت انا حديث العهد بالأيام والفصول والاوقات كلها عندي متشابهة توجه إلي قائلا : هيا استعد لنزور بلدتنا في الصعيد الذي تحبه!

سمعت امي هذه الكلمات فابتسمت في صمت !

توجه إليها ابي .. مامورية سريعة وطلب مني المهندس الانجليزي ان يمكن لي اصطحاب اولادي معي في سيارته الجيب الخاصة.

اصاب الوجوم وجه امي .. ستجلس وحيدة طيلة هذه المامورية القصيرة!

اردف ابي قائلا ؛

بضعة ايام قليلة وسنعود إن شاء الله

البستنا امي انا واخي الاكبر ملابس آخر عيد مضي .. كنت في قمة الوجاهة مع أخي ..

الخروج من البيت للتنزهة ومعرفة الجديد كان يسعد قلوبنا دائما دائما ..

حل المساء واصطحبنا ابي وركبنا حتي وصلنا إلي – جراج العتبة الخضراء – قمنا بتعدية الطريق للاتجاه المقابل ومررنا في سوق هاديء ، عمارات واسعة متفرعة ودهاليز .. اصابني ذهول ما .. كنت اري البيوت والعمارات الشاهقة من الخارج اما الآن فسوف ندخلها وعلي ناصية شارع الرويعي وقف ابي ينظر ..

كان ينظر إلي سيارة رئيسه المباشر الجيب

صعدنا إلي الطابق الثاني ..توجه أبي نحو شقة ما يعرفها وفيما يبدو انه تردد عليها كثيرا قبل ذلك ..

فتحت شابه اجنبية شقراء جميلة باب الشقة ترتدي ملابس صيفية .. عارية الكتفين، واستقبلتنا بابتسامة وترحاب جم

بمجرد دخولنا .. سمعنا ترحاب جماعي من كل الحاضرين بالصالة مرددين اسم أبي بترحاب

اوه .. اوه .. !

.. هم يعرفونه يمارس معهم الرياضة ، ويرافقهم في العمل ويسهر معهم اغلب الاوقات!

.. ابتسم ابي ، كنت حديث العهد بالسهر والسفر ايضا قبل دخولي المدرسة!

رحب بنا الخواجة الباشمهندس يني وامسك بيدي واخي وادخلنا حجرة والدته والتي استقبلتنا بابتسامة وترحاب فهي تعرف والدي!

سمعنا موسيقي راقصة واخذ الاجانب يستمتعون .. يتراقصون وكانهم في حفل ما!

قدمت والدة المهندس لنا بعض الحلوي .. كنت افتقد امي البسيطة التي تتمتع بحياء وتلقائية ..انظر للسيدة العجوز تارة وانظر إلي فتحة باب الحجرة تارة آخري .. لاري مشاهد من الحفل الراقص ، واتفرس الوجوه .. ارصد بخيالي الفطري هذه اللحظات النادرة …

انتهي الرقص وتجاذبوا اطراف الاحاديث ..

ناصر يريد اخلاء شركات البترول من الخبراء الاجانب!

عاش ناصر .. رغم ودهم المصطنع هذا إلا انهم مجرد لصوص لبلادنا .. – هكذا كنت اسمع من ابي –

بعد فترة طويلة مملة ومع ساعات الليل الاولي نزلنا من هذا المكان وركبنا سيارة الباشمهندس الاجنبي ..

دار حوار طويل بينه وبين ابي .. لم نكن نفهم شيئا انا واخي

لازمتنا حالة استرخاء طويلة .. وربما نوم متقطع مع طول المسافة والسفر!

فجأة .. وجدنا السيارة تتجه نحو رصيف – استراحة طريق – وسمعنا اننا سننزل هنا بعض الوقت !

طلب ابي منا النزول .. نزلت اولا وبينما تاخر اخي في النزول قليلا وساعده الباشمهندس وبينما حاول الاخير غلق باب السيارة إذا بالباب وقد اغلق علي سبابة اخي !

تالم اخي وقتها وشعرت برد فعل في قلبي مرير!

اسرعنا في الدخول للاستراحة وجلسنا واول شيء طلبه الاجنبي من النادل ان يحضر كوب ماء ساخن فورا

طلب الاجنبي من اخي وضع اصبعه في الكوب فترة وقال له ملاطفا .. لا تخف .. لا تخف وظل ماسكا يده بلطف!

مضي بعض الوقت ..

اكلنا .. وشربنا وشعرت بيقظة رغم اقتراب الوقت من الفجر ..

كنت انظر إلي المهندس فاجده ينظر لي ويبتسم

يقول لابي : علامات الذكاء الفطري في ابنك هذا!

يبتسم ابي قائلا : يسالني كثيرا!

.. مررنا بممرات وطرق كثيرة وقت طويل ..

كنت انظر من نافذة السيارة إلي الاشجار تارة و إلي السماء تارة آخري!

عند دخولنت المدينة تنفست الصعداء – اعرف بعضا من ملامحها في ذاكرتي

اخيرا ساري اقاربي واجدادي!

قام المهندس بتوصيلنا إلي منزل عمتي فهو الاقرب من مدخل المدينة ، وذهب هو للمبيت بحسب ما سمحت له الشركة من اقامة فاخرة .

جميل ان نلتقي باصل العائلة .. سعدوا بنا وفرحنا بهم فرحا جما

طلبنا من ابي زيارة جدي لأمي .. حيث الحفاوة والفرحة الكبيرة .. كان يصطحبني معه في كل مكان بينما اخي الاكبر مع خالنا دائما فهو يعتبره اخوه الثاني ..

قضينا اوقاتا واياما رحبة في ظل العائلة بينما ابي يمارس عمله نهارا ومع اخوته ليلا ونحن في بيت الجد!

ركبنا سيارة المهندس الاجنبي مرة آخري حيث العودة للقاهرة

الاشجار تتهادي والسماء تنظر إلي وتبارك الجادين في عملهم.

المهندس الاجنبي رفض ان يصل منزله اولا .. قام بتوصيلنا حتي باب المنزل حرصا علي عدم تعبنا وحتي لا تفسد هدايا الصعيد.

فرحت امي بقدومنا إليها .. ابتسمت وامسكت يدي تقبلها بينما انا احاول تقبيلها حملتني علي ذراعيها الرقيقتين واحتضنتني برفق ودمعت عيناها ..

دخلنا حجرة النوم واخذت احكي لها كل التفاصيل المخزونة في ذاكرتي البسيطة ..

اصابها الانزعاج والريبة والشك !

كانت تمضي الايام سريعا ..

وقضي ناصر علي جذور الاحتلال في الشركات ..

ابي يعشق جمال عبد الناصر ، ولكن سحابة حزن وحنين دامت معه فترة طويلة .. حتي اصبحت ذكريات !

كان دايما شارد الذهن يجلس وحيدا في البلكونة ..

يدخن الشيشة ، ويستمع للمذاع الذي يشدو بصوت أم كلثوم ويتناول من يدي امي صينية الشاي!


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

اترك تعليقاً

🔔
error: المحتوى محمي !!
العربيةالعربيةFrançaisFrançais