أسرعت إلى التليفون أطمئن عليه وزوجته صديقتي فلم يصلني الرد فايقنت أن الحالة الصحية لا تسمح بالكلام واجتهدت أن أصل اليهما كي البي طلباتهما فأنا أعرف كم هو مؤلم عدم القدرة على التنفس وضيق الصدر والغياب عن الأحداث. أسرعت غير مبالية إلى شقتهم بالدور الأخير
أطرق الأبواب بشدة حتي يستجيبوا فعشرة السنين الطوال تحتم على المساعدة فسمعت الأنين من وراءها وكان سؤالي ماذا تريدونني أن أفعل لكما فارسلت صديقتي ورقة من تحت عقب الباب تطالبني بالدعاء لهما فقد يكون هو المستجاب وارسلت لي ورقة مطوية أخري راجية أن لا أفتحها إلا في حالة وفاتها فوافقت ورجعت إلى بيتي متوسمة الخير في اله عادل منجي من المهالك واستمريت في الدعاء لأيام لا أنقطع خلالها إلا للنوم ولم يكن يشغل تفكيري إلا الورقة المطوية التي طالبتني صديقتي
بألا أفتحها إلا في حاله موتها لا قدر الله وماذا تحتوي أهي وصية منها تختار فيها من يرث أموالها؟ أم جواب لشخص مخصوص تشمله بالرعاية؟ أم سر من الأسرار لا تريد أن يطلع عليه أحد فبل وفاتها؟
داومت على متابعة صديقتي يومياً بأرسال الكلمات المشجعة من تحت عقب الباب الموصود دائماً وترسل إلى طلباتها لالبيها عن طيب نفس. وتناسيت مع مرضها مضايقات زوجها المتصابي دائماً
وتطلعه إلى الحديث معي بدون مناسبة ، ودعوتي الدائمة لأكون معهم في حفلاتهم، مع ملاحظتي مراقبتها لما يحدث دون أن تعلق أو تعاتب. كم لاحظت حزنها الدفين المطل من عينيها عندما نتحدث عن الحياة المستقرة الراضية بين الأزواج.
أرقبها وهي تستنكر على كل الرجال الوفاء بالعهود مدركة سبب اضطرابها وتحملها. أجدها صابرة على رجل يتلاعب بكل ما يملك من خيرات رزقه الله أياها.
أشعر بشكها في كل امرأة تقترب منها وأنا ضمن مجموعة كبيرة ولكم أعتقدت أنني الأقرب وأحتل موقع الصدارة في قائمة طويلة من النساء. كنت أتقرب منها فهي صديقتي الوحيدة التي تستمع إلى في ليالي الأهات. هي من تتحمل سخافاتي وهفواتي وتوجه النصح وترسم الطريق. تناسيت من أجلها معاكسات وتلميحات زوجها معلنة أهميتها ومكانتها في قلبي المفعم بالحب لها والشفقة على ما تواجه.
لم ابالي بردة فعلها مع كل مرة نتقابل فيها ويشمل اللقاء زوجها المتصابي. تجاوزت كل ذلك مع معرفتي بأصابتها واحتياجها الدائم لمن يرفع من معنوياتها المتدنية. لم الحظ يوماً تضررها من وجودي فكان الترحاب والتقبل سمة اللقاءات الودية بيننا.
اليوم أشعر بها تناديني مستغيثة بصداقتي لتنقذها من براثن الفيروس اللعين فاستجبت لها معلنة عدم خوفي من الاصابة فالاحتياطات معروفة ولكن التعاطف والأمل في التعافي.
لم يغب عن خاطري ما تحوي الورقة المطوية من أسرار وساقني الشغف للتفكير ليل نهار بأن أسعي لمعرفة ماذا تحوي ولمن توجه؟ سالتها في يوم من الأيام برسالة صريحة عما تحوي الورقة المطوية فرفضت أن أفتحها وبشدة مطالبة أن يكون فتح الورقة دليل وفاتها واحترمت رغبتها.
اليوم أشعر بوعكة صحية شديدة، حرارتي مرتفعة تصل إلى الحمي، تمكنت مني الكحة الشديدة ، لم يفارقني ضيق التنفس، أشك في نفسي وإصابتي بالفيروس اللعين، لم أعد استطع التحمل أكثر من ذلك، يجب أن أتجه للمستشفي للتأكد، لم يعد هناك وقت للإنتظار أكثر من ذلك
يراودني التفكير في الاصابة وكيفية حدوثها وأنا من يتخذ جميع الاحتياطات والاجراءات الاحترازية، لم اخالط أحد المصابين خلال العشرة أيام السابقة، أطلب ما يعينني على الحياة بالتليفون ولم أذهب يوماً إلى السوق وأحتك بالبائعين أو المشترين إلا والكمامة على وجهي والقفاز بيدي، لم أذهب إلى عملي من اسبوعين بتصريح من مديري خوفاً من الاصابة.
في بهو المستشفي الواسع أرقب الحالات في زعر تام متمنية أن لا أكون بينهم وأن أخرج بسلام من هذه الوعكة الصحية خالية من الفيروس. يحدثني الطبيب فلا استمع إلا إلى صوت الرجاء النابع من أعماقي متمني الهروب من المصير المحتوم.
تستدعيني الممرضة اخذه بيدي إلى المعمل في أقصي يمين جناح المصابين لعمل المسحة الاولي للتأكد فافكر في من حولي وتأثير الصدمة عليهم، يعقمني الجميع لأخذ عينة من دمي فلا ابالي إلا بالوفاء بعهد صديقتي وفتح ورقتها المطوية عند رحيلها، أنتظر بالساعات لبيان نتيجة المسحة فلا يراودني الشك في الاصابة بعد كل الاحتياطات التي نفذتها بدقة متناهية.
ينادي الممرض على اسمي لاستلام النتيجة، ترتعد اطرافي معلنه عن استنكار النتيجة، يستدعيني الأطباء لإبلاغي إيجابية المسحة فتزداد حيرتي واضطراب مشاعري فكيف وأين ومن المتسبب، يطالبني العاملين بالعزل في المنزل فلا مكان لمثلي في المستشفي فاوافق متمنية أن اجاور صديقتي الوحيدة في ألامها ونزاعها ومقاومتها للمرض، أسير متوجهة إلى منزلي متخيلة نجاتي وصديقتي معاً ضاحكين في ليالينا المليئة بالضحك والشكوي والاستمتاع.
اليوم أرقد في سريري اعاني ضيق التنفس وقلة النوم، يتناوب أبنائي في احضار الطعام إلى باب غرفتي وتنبيهي لوجوده، لم أرى أي منهم منذ أيام طويلة لا أطيق ثقل ساعات مرورها، أتمني أن يضع الله حداً لعذابي بالعفو والمغفرة.
وسط الأمي أتذكر الورقة المطوية ووعدي لصديقتي المريضة بألا أفتحها إلا بعد رحيلها. وراودني التفكير ما الذي سيحدث في حال رحيلي قبلها، وقتها سوف يضيع سر الورقة المطوية إلى الأبد ولن يعلم عنها أحد شئ، ماذا أفعل بها؟ أبلغ أحد أبنائي عنها أم ابلغ زوجها بحقيقة الورقة المطوية وكيف وهو يعاني نفس الحالة. كيف أتخلص من عبء الورقة والوصية، يقترب الموت وأراه في كل مكان، أخشي أن تكون صديقتي قد سبقتني اليه وأنا منعزلة عن العالم لا أتحدث مع أحد.
ولكن لما لا أكون أنا من يطلع على السر في الورقة المطوية
دكتورة الهام الدسوقى
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.