من فينا لا يبحث عن الكمال ومن فينا ليس لديه نقص فالنقص كامل فينا وبشموليةّ لا تغادر أحد وبهذا فان الكمال دائما ناقص والنقص دائما كامل وشامل ولا يوجد كمال في أي انسان ولا يتمتعّ بصفة الكمال سوى واحد أحد فرد صمد خالق كل شيء ورب كل من عبد وسجد ورب كل من كفر وجحد.
وما لفت نظري في هذا البحث هو وجود مخالفة واضحة وعكسيةّ في الكمال لدى البشر فحين تبحث فيهم عن الكمال يستحيل ايجاده لدى أحد ولكن حين تبحث عن النقص فيهم ستجد الكمال فالبشر جميعهم لديهم كمال في النقص أي أنّ النقص لا يغادر منهم أحد اذا فقد وجدنا الكمال ولكن ليس في الكمال بل في النقص وهذه هي الحكمة بعينها وهذا اعجاز الهي بحد ذاته فبكمال النقص وشموليته للجميع يصبح الناس سواسية كأسنان المشط , ولا يوجد من هو أفضل من الآخر من حيث هذه الصفات وبذلك فلا يبقى ما يميز أحد عن أحد ولا يفضّل أحد عن أحد سوى مستوى التقوى وسمو الاخلاق ورفعة المعتقد حيث لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى
وهذا مقياس الهي دقيق وواضح وصريح ولو عمدنا نحن البشر لعمل بحث شامل من وحي هذا القول فسنخرج بنتيجة أن ما يميزّ انسان عن آخر في الحقيقة هو مستوى وعيه ومستوى أخلاقه واسلوبه في معاملة الغير وهو ما يمكن اختصاره بكلمة الجوهر النقّي .
هكذا يمكن أن نعتمد صيغة تفضيل شخص على آخر حيث كلمة التقوى تشمل في طياّتها معنى شمولي لمكارم الاخلاق التي من خلالها يمكن تفضيل شخص على آخر وهذا مقياس الهي وليس بشري رغم أننا كبشر من جميع الّدّيانات نعتمد على هذا المقياس من حيث نقصد وندري أو من حيث لا ندري.
ومن حيث نقص الكمال فكلنّا سواسية ومن حيث كمال النقص وشموليته لجميع البشر فنحن سواسية أيضا وفي نظرة فاحصة لأمثلة حيةّ على شموليةّ النقص سنجد أن الحياة الانسانيةّ مليئة بما يثبت كمال النقص حيث تجد على سبيل المثال لا الحصر أن رجلا يمتلك مالا ويمتلك منزلا فخما وسياّرة فخمة يمر بجانب شخص آخر يسكن في خيمة وليس لديه مال
ولا يملك شيئا ولنسمع حوار كل واحد منهم مع نفسه.
ينظر صاحب السيارة الفخمة والمنزل الفخم الى خيمة الفقير والى الفقير نفسه وهو يقول ليتني في مكانه فهو مرتاح البال وخالي من الهموم والمشاكل والمشاغل ويعيش حياة سعيدة بالتأكيد يا هناه و يا سعده.
وينظر الفقير صاحب الخيمة الى الرجل والى سياّرته الفخمة فيقول لو أنني ماكنه ولو أملك ما يملك من مال وسيارة مثل سياّرته فهذا الرجل مرتاحا وسعيدا وخالي من الهموم والمشاكل والمشاغل يا هناه و يا سعده.
هذا لديه نقص وذاك لديه نقص وما يحتاجه هذا موجود عند ذاك وما يحتاجه ذاك موجود عند هذا ولو بّدّلنا الأدوار وأعطينا هذا ملك ذاك وذاك ملك هذا فسنعود بعد حين ونرى أن هذا سيتمنى ما عند ذاك وذاك سيتمنى ما عند هذا والعكس بالعكس في جميع الحالات.
ولو جئنا بمثال آخر فستجد رجلا متزوجا من امرأة جميلة وحنونة وطيبّة ومطيعة وخدومة ومخلصة ونشيطة ومصون وتحبه وتحترمه كثيرا وتقوم بجميع واجباتها على أكمل وجه
وتجد زوجها قبيحا لئيما وفاجرا وخائنا وقاسي القلب ويحتقرها ولا يحترمها ويكرهها ولا يحبها ويقصّر في جميع واجباته تجاهها وفوق كل هذا يضربها ويهينها , والعجيب في الأمر أنها تبقى تحبه ومخلصة له ومتمسكة به ولا تقصر في شيء تجاهه أبدا.
وستجد رجلا وسيما طيبا خدوما ومخلصا وحنونا كريما وهادئا لطيفا ومهذبا ويحب زوجته ويعاملها أفضل معاملة ويكرمها ويحترمها ويعطيها بكرم ويوفر لها كل سبل الراحة والسعادة ولا يقصّر بحقهّا في أي شيء وستجد زوجته لئيمة متمرّدة عصبيةّ ناكرة للمعروف غير مطيعة ولا تحبهّ ولا تحترمه وتقصّر بجميع واجباته وتعامله معاملة سيئّة لا تليق به والعجيب هنا أيضا أنهّ يبقى متمسّكا بها ويحبهّا ويحافظ عليها .
وهذا التناقض ستجده عند جميع الازواج على مستوى العالم ان لم يكن كلهم فلو قلنا أن المرأة في الحالة الاولى يجب أن يكون زوجها هو الرجل الذي في المثال الثاني والرجل في الحالة الاولى يجب أن تكون زوجته هي المرأة في الحالة الثانية.
وحين تتحدث مثل هذه النساء عن معاناتهن لبعضهن البعض فستقول كل واحدة ليت زوجي مثل زوجك ونفس القول سيتمناه الرجلان في الحالتان وهذا هو الكمال في النقّص والتناقض الكبير الذي تراه خلال حياتك في أي مجتمع من المجتمعات بغض النظّر عن كونه عربي أو اوروبي أو أمريكي غربي كان أم شرقي.
يتساءل الناّس قائلين لما هذا الظّلم والجور ولماذا يعطي الله الحلاوة لمن ليس له أسنان على رأي المثل المتداول بين الناّس ولكن لا يوجد سوى القليل من الناّس يدرك الحكمة والاعجاز الالهي خلف هذه التناقضات .
وهذه الحكمة الالهيةّ التي لا يدركها الكثيرين وتراهم يتذمّرون من نعمة الله ويتذمّرون ممّا رضيه الله لهم لحكمة هي خافية عنده ولحكمة ظاهرة لنا أيضا لكي تكون لنا في الحياة الّدّنيا مدرسة من وحي الواقع ودروس في الحياة الاجتماعية والنفسية والأخلاقيةّ وهذه الّدّروس لا تعد ولا تحصى وهي جميعها لخير الانسان لا شرّا له ولكن الانسان هو من يختار منها ما يوحي له بشرّ نفسه من خلال نفسه التي تقرأ الامور قراءة خاطئة بناء على مستوى وعيه ومستوى خلقه وثقافته ومستوى ايمانه حيث لا يوجد في حكمة الله شر مكنون أبدا فالله عزّ وجل نزيه عن ذلك فهو اللطيف الخبير وهو الحكيم الودود واللطيف والودود لا يمكن له أن يقّدّم للناس غير اللطف والوّدّ وهذا هو حقيقة الحال ولكن أي تفسير خارج نطاق الحكمة الالهية لهذا الامر سيكون ناتجا عن قراءة خاطئة للواقع ليس الاّ .
فلو قلنا أن كل أمور الناس سارت على أكمل ما يرام فسوف ينشغل جميع الناّس كلّ بما لديهم فرحين به منشغلين ولأجله قائمين وعليه ماكثين وفي أجوائه هائمين وعقولهم بذلك عن ذكر ربها ستنشغل وعن حكمته ستضل وعن التفكّر بملكوته ستحيد وعن طلب الحاجة منه ستستنكف كونهم لا ينقصهم شيء فلا حاجة لهم للدعاء ولا حاجة لهم لبعضهم البعض ولا حاجة للتعلمّ وبذلك سيضلّ جميع البشر عن ذكر ربهّم وسيغفلون عن حكمة وجودهم على هذه الأرض وهذا جزء صغير من الحكمة الالهيةّ في ذلك.
والحكمة الاخرى التي تختبئ في هذه التناقضات هي أن يدرك جميع الناّس أن هذه الحياة الّدّنيا ليست حياة مستقر بل حياة ممر وكل ما فيها من نقص هو أمر طبيعي ومقصود وخلفه حكمة بالغة وحين يجد الجميع حاجتهم الى ما يكمّل النقص لديهم فسيبحثون لسبيل عن ذلك ومن خلال بحثهم عن سبيل لتعويض هذا النقص سيجدون ضالتّهم في دين الله وسيجدون الكمال والسعادة في حبه وعبادته وكأن الله تعالى يغار على عباده من حبهم لشيء غيره فجعل كل شيء ناقصا ولا يكتمل حتى يحبوه ويعرفوه ويعبدوه وبالتالي يتم تعويض هذا النقص المقصود والذي تقف خلفه حكمة عميقة بالغة هي في جوهرها رحمة ومحبة وغيرة من الله على عباده وليست انتقاما او بخلا كما قال اليهود عنه حين قالوا أن يده مغلولة غلتّ أيديهم ولعنهم الله ولعنهم الناّس أجمعين , وسنجد رحمة الله متجليّة في نقص النقص تترجّى من خلال النقص العثور على الكمال وهو رب العزة ورب العرش العظيم فهل أدركتم جمال الكمال في النقص والحكمة في خلق الله للناس درجات وفي حاجة الناّس لبعضهم البعض حيث جعلهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا فيما بينهم ولتكون حكمة عمران الكون نابعة من حكمة النقّص عند كل انسان دون استثناء.
فقد جعل الله سبحانه وتعالى حاجة كل انسان مناّ عند انسان آخر حتىّ تتكامل الأدوار وتصب في بوتقة عمران عامودي وافقي في المجتمع على اختلاف طبقاته فيبدع الله من النقص في حاجة كل انسان لوحة فسيفسائيةّ متكاملة من التعّاون بين البشر والترابط والتلاحم من خلال حاجتهم لبعضهم البعض فأمسى بذلك النقّص فينا هو جوهر الكمال في خالقنا مترجما على أرض الواقع من خلال رؤيتنا لآياته في أنفسنا فسبحان من جعل من النقص صورة بديعة للكمال.
فلو كان كل انسان فينا يمتلك مزرعة دجاج تحتوي على عشرة آلاف طير فأين سيذهب بما يزيد عن حاجة استهلاكه حين نكون جميعنا نمتلك فائضا من الدّجاج أليس هذا واضحا جلياّ ويكفي كمثال واقعي يثبت جمال وجود النقّص فمن يدرك جمال الاشياء يستطيع أن يدرك الجمال في كل شيء ومن خلال ادراكه الجمال في كل شيء سيدرك الحكمة من جمال هذه الأشياء وحين يدرك الحكمة من جمال هذه الاشياء سيدرك الحكمة من وجوده وحين يدركالحكمة من وجوده سيدرك وجود الحكيم نفسه وهو الله سبحانه وتعالى جل شأنه وتبارك اسمه الحي القيوّم الذي خلق فقدر فعرف كيف يقدر فجعل من تقديره للأشياء ما هو ناقص وما هو مكمّل لهذا النقّص ومن حكمة تقديره وبديع صنعه يرسم لنا سراط مستقيم نحو الكمال من رحم ما نراه نقصا وهذا هو الاعجاز في التقدير والاعجاز في عظمة التصوير.
ومن جوهر النقّص تخرج لنا حكمة اخرى جليةّ يريد الله لنا أن نتعلمّها وهي نعمة الرّضى بقسمته والقناعة بما قسم ويأتي ذلك مترجما في أمثلة واضحة وجليةّ يراها من أراد له الله الحكمة والبصيرة ويراها الكثيرين فمنهم من يعتبر ومنهم من يسيروا عنها معرضين وهذه الأمثلة ظاهرة بشكل جلي في أياّمنا هذه خاصّة مع ظهور عائلات فاحشة الثراء كعائلة روتشلد اليهوديةّ الصهيونيةّ الماسونيةّ التي تمتلك نصف ثروات العالم حيث قّدّرت ثروة هذه العائلة بنحو سبعمائة ترليون دولار على أقلّ تقدير ولكنهّم مصابون بالجشع والطمع ومريضون بشكل خطير حيث أنهّم ورغم كل هذا الثراء فلو أمضو جميع أعمارهم يصرفون مليون دولار يوميا لكل واحد منهم فلن تنقص ثروتهم مقدار ما ينقص من بحر اغترفت منه غرفة فلماذا تراهم منشغلين دائما ويفكّرون في كيفيةّ تطوير وتضخيم ومضاعفة تلك الثروات حتىّ وصل بهم الحال الى استعباد البشريةّ جمعاء ولم يستكفوا بذلك ويطمحون بجشعهم ومرضهم وطمعهم الى ما هو أبعد بكثير من هذا الاستعباد حيث لن يهدأ لهم بال الا بعد أن يجعلوا من العالم كلهّ حكومة واحدة تحت امرتهم ويخطّطون لزرع رقاقة ألكترونيةّ في جسم كل انسان على وجه الارض حتىّ يتحكمون بكل البشريةّ دون استثناء وهذا قد بدأ تنفيذه على أرض الواقع حيث ستكون هذه الرقاقات بديلا عن جوازات السفر وعن بطاقاتالهوية وبطاقات الائتمان لكي يتم زرعها في أجساد الناّس طواعية وليس عنوة تحت حجّة التطوّر والتكنولوجيا العصريةّ وهناك من يعلم كل التفاصيل وهناك من يعلم القليل وهناك من لا يعلم نهائياّ وهم الأكثريةّ من البشر ولو جئنا بمثال آخر مناقض لمثال الجشع والطمع عند هذه العائلة واستشهدنا عليهم براعي أغنام بسيط فقير لا يملك سوى مهنة رعاية الاغنام ويتقاضى بدل أجرته كل عام عّدّة خراف لا تزيد عن خمسة خراف وتراه معظم وقته يرعى الاغنام في البرية ويحمل معه زوّادته وهي عبارة عن القليل من الطحين يعجنه ويخبزه على نار يشعلها ويدفن فطيرته فيها وبعد نضوجها يخرجها ويأكلها وهذا هو غذاؤه الرئيسي مع بعض الحليب الذي يشربه من الماعز , وتجد هذا الراعي يحمل معه نايا ويعزف عليه طوال اليوم وهو سعيد راض ومقتنع بكلّ ما قسمه الله له لا يشغل باله سوىمراقبة قطيعه فقط وتراه يعزف ويغنيّ ويطرب وتجده هو المطرب وهو العازف وهو الجمهور وهو الملحّن وهو الكاتب والمؤلفّ وتجد لديه فرحة وسعادة بكل ما يقوله ويعزفه وتجده ذو قلب قنوع حيث أنه ان كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الّدّنيا سواء .
هل يوجد أي وجه شبه بين هذا الرّاعي وبين عائلة روتشلد من هو الأفضل ومن هو الذي يشعر بالسّعادة والرضى والقناعة ومن منهم يستحق الاحترام والاقتداء به ومن منهم تحسدون , أنا شخصياّ أقبل دور الرّاعي ألف مرّة وأعتبره أكبر نعمة ولا أقبل مليارات آل روتشلد ولا مرّة فهي نقمة عليهم وبلاء سيدفعون ثمنه عند الله تعالى هذا بالطبع حين يكون الخيار أن تمتلك مالهم ونفسيتّهم وهذا هو الذي لا يقبله عاقل لكي لا يقول أحد أنهّ سيختار مالهم وينفقه في عمل الخير فلا أرجو لمؤمن أن يقع في مثل هذا الامتحان الصّعب فلاأحد يدري ماذا يحدث له حين يمتلك ثروة كبيرة جدا فهي ستسرقه من نفسه ومن دينه ومن أهله ومن خالقه فتصبح نقمة عليه لا نعمة له .
ولو عدنا الى أخينا الرّاعي الكريم البسيط القنوع سنجد أن الماء الذي يستحمّ به هذا الراعي يجب أن يكون هو المشروب الوحيد الذي يقّدّم الى عائلة كعائلة روتشلد لعلهّم بشربه يعرفون معنى النبل الذي يمتلكه عبد
فقير مقارنة بالقبح واللؤم الذي يمتلكه أمثالهم من الجشعين.
وفي حكمة اخرى تتجلىّ من خلال كمال النقّص وشموليته لدى بني البشر تجد أنّ أعظم هذه الحكم يأتي من خلال تكامل الأدوار وتكافل المجتمع بطريقة اجباريةّ نبعت من خلال هذا النقّص عند بني البشر فتجد المعلمّ يحتاج الى الطبيب والطبيب يحتاج الى المعلمّ والعامل كذلك يحتاجهم وهم يحتاجونه وتجد التاّجر يحتاج العامل وبالعكس وتجد الجاهل يحتاج المتعلم والمتعلمّ أيضا يحتاج الجاهل والسائق يحتاج الى الراكب والرّاكب كذلك يحتاج الى السّائق في تبادل للأدوار وتكامل وتكافل جعل من صفة النقّص صفة كمال بحتة وجعل من المجتمع كمسننّات دولاب السّاعة تتداخل في بعضها البعض لتحدّد الوقت وتحرّك بعضها بعضا في تكامليةّ تعاونيةّ متقاسمة للأدوار متحّدة في عمل واحد وهدف واحد منتجة نتيجة غاية في الرّوعة وهي السّاعة التي من خلالها نعرف الوقت ونقسّمه ونبرمج من خلاله ترتيبا ليومنا وعملنا ونحدّد مواعيدنا وأولياّتنا وهذا يصلح أيضا كتشبيه للمجتمع الذي يملأه النقص عند كل فرد منه بحيث تجد الآخر يكمّل له هذا النقّص وهذه حكمة الله في تقديره وقسمته للرّزق بين الناس بميكانيكيةّ أدق من أدق ساعة صنعها أمهر صانعي السّاعات على وجه الأرض فيتجلىّ الله بكماله من خلال ما وضعه من نقص بين خلقه أّدّى الى اظهار الكمال فيه بشكل جلي وساطع وبارز وواضح يمكن لكل انسان أن يراه اذا قرّر أن يراه وعرف السبيل الى التفكير في بديع صنع هذا الخالق العظيم.
أمّا الحكمة الاخرى المختبئة خلف هذا النقص الذي يتذمّر منه الناّس دون علم منهم أنهّ نعمة بحّدّ ذاتها ورحمة كاملة واسعة شملتهم من خلال هذا النقص الذي يظنوّن أنهّ نقمة ولا يدركون أنهّ نعمة جليةّ لا يروها , يأتي على سلمّ أولوياّت الأهميةّ في هذه الحكم النقّص في النفّس البشريةّ الذي يدفع بالشعور الى عدم الاستقرار النفّسي ويؤدّي الى البحث عن الذات من خلال بحث الانسان عن سبل السّعادة التي تكون مدخلا نحو البحث عن الكمال الذي يسعى اليه كل انسان باذلا قصارى جهده من أجل الحصول عليه ملخّصا حاجته في سعيه نحو السعادة وبحثه عن ذاته ممّا يجعل الانسان يدخل في عّدّة تجارب ويخوض العديد من المعارك في حياته مع نفسه ومع محيطه محاولا أن يكتشف نفسه فيظنّ أن السعادة في المال ويسعى للحصول عليه وحين يحصل عليه يكتشف أنهّ لم يجلب له السعادة التي يبحث عنها بل زاد من همومه وتعاسته فيبحث عن نفسه في المرأة الجميلة لعلهّ يجد لنفسه الرّاحة والسّعادة من خلال هذه المرأة وحين حصوله على المرأة الجميلة وتجربة الغرق في جمالها بحثا عن سعادته وطمأنينته سيكتشف أنهّ لم يجد نفسه بعد وأن النقص لا زال سيدّ الموقف فيبحث عن نفسه وعن السعادة في الملذاّت والشهوات وحين يجدها ويجرّبها يكتشف أيضا أنهّ لم يجد نفسه ولم يجد سبل السعادة في هذه الملذات والشّهوات بل جلب لنفسه هموما جديدة وزاد من تعاسته وتعبه وحاجته الى الاستقرار والراحة والرّضى .
فيبقى الانسان في حالة بحث دائم بسبب هذا النقص وعدم شعوره بوجود الرّضى والسعادة في نفسه ويتجّه في بحثه الى كثير من الوجهات حتىّ أن البعض يلجأ الى المسكرات والبعض الآخر يلجأ الى المخدّرات ظناّ منهم أن هذه الامور ستجلب لهم السعادة وراحة البال والرّضى فينغمس البعض في هذه الآفة ومنهم من يكتشف أنهّا زادته همّا ونقصا وحاجة ولم تجلب له سوى الويلات والخسارة والّدّمار فيبتعد عنها في طريق بحث اخرى مختلفة عن سعادته وعن ذاته , ومنهم من يغرق فيها ولا يصحوا أبدا وهذا هو الخسران المبين حيث يخسر نفسه ويخسر دنياه ويخسر آخرته نتيجة بحثه عن ذاته دون أن يدرك أنهّ في الحقيقة انمّا يبحث عن النقّص الذي وجد فيه من أجل خوضه غمار البحث عن الكمال فيصل الى مبتغاه الذي أراده الله من خلال وضع هذا النقص فيه وهذا المبتغى والمراد الذي أراده الله من خلال هذا البحث وهذه الحاجة الى السعادة والبحث عن الذات تكمن في بحث الانسان عن خالقه فحين يجد خالقه فقط يكتشف عنصر النقص الذي كان بحاجة اليه وهو معرفته لخالقه .
فبعد خوضه غمار البحث في شتىّ المجالات دون أن يجد فيها ذاته ودون أن تحققّ له سبل السعادة والرّضى سيصل حتما الى مراده حين توصله بوصلة بحثه الى اكتشاف جمال خالقه واكتشافه لخالقه سيحققّ له اكتشاف ذاته فورا وحين يكتشف خالقه ويكتشف ذاته يصل الى اكتشاف السّعادة والرضى والطمأنينة حيث يدرك سبب وجوده ويدرك الحكمة من كل شيء حوله ويدرك الحكمة خلف سبب خلقه فيدرك بذلك نشوة الطمأنينة لما بعد الموت فينجلي عن نفسه القلق من المجهول ويحققّ لنفسه أعلى درجات السّعادة وأعلى درجات الرّضى فيقبل على خالقه محباّ عارفا مدركا مقتنعا راض مبتهجا مكتشفا عظمة الخالق وجماله ووسع رحمته وتجليّه في بديع صنعه فيصل الانسان الى مبتغاه ومراده ويحققّ لنفسه السعادة والرضى .
وباكتشافه لخالقه يكتشف ذاته ويعرف قيمة ذاته وبقدّرها حق قدرها ويعرف ربهّ فيقدره حق قدره ويعبده حق عبادته فينتج عن ذلك انسانا عالما عارفا يعبد الله عن قناعة ومعرفة به ولا يعبده عبادة سطحيةّ فيكون هذا النوع من الناس هو أكثرهم قربا من الله ومعرفة به وكل هذا قد جاء متجليّا بخروجه من رحم النقص نفسه الذي كان يظنهّ الانسان نقمة لجهله مضمونه والحكمة منه وهنا يكمن الاعجاز الالهي في ايجاد النقّص بشكل عام
وشامل جعل من النقص يتصّف بصفة الكمال فأصبح نقص الكمال هو عينه كمال النقص.
وحين نعلم علم اليقين أن خلف هذا كلهّ يقف خالق عظيم ستسهل معرفتنا وتفسيرنا لمجريات الامور وسوف نرى جميع عناصر الكمال تتجلىّ بشكل واضح في جميع مناحي الحياة وتكون عبارة عن نقص يسود كافة مجالات حياة الانسان ويقف طالبا منه أن يبحث عن كمال لهذا النقّص وهذا ما نسمّيه الحافز أو الّدّافع نحو الأمل ونحو التقّدّم وهو نفسه سبب الاكتشافات وسبب العلم وسبب النهضة والحضارة فأصبح النقّص لدى الانسان يعمل عمل المحرّك لدى السياّرة بعكس ما يظنهّ البعض حين يرون الامور من منظار متشائم وضيقّ ومحبط فيتذمّرون بدلا من أن يتفكّرون ويحبطون بدلا من أن ينشطوا في بحثهم عن ذواتهم وعن مكملهّم فيستسلموا لمقولاتهم الخرقاء ولنظرياّت عمياء تكتفي بارضاء صغار العقول والكسالى حتى تروي لهم ظمأ تعطّشهمللمعرفة بمعرفة ضيقّة الافق وعقيمة المعنى يقبلون بها لكي يريحوا أنفسهم كونهم من النوّع سهل الاستسلام ومن أكثر هذه النظرياّت غرابة وتستخفّ بعقول الناس وتستتفه رؤاهم وتقزّم عقولهم هي نظريةّ التطوّر التي قام بطرحها داروين والتي تلاقي رواجا بشكل واسع جدّا بين المجتمعات بكافةّ أطيافها وهي ما تدعو الى الاستسلام والكف عن البحث في أسباب الوجود والحكمة منها حيث أن سبب وجودنا يعود للصدفة البحتة على حد تعبير هذا الصهيوني المدسوس واضع نظريةّ التطوّر الذي ما وضعها سوى لتضليل الناس والعبث بعقولهم وابعادهم عن دينهم وتخليّهم عن الدّين ممّا سيسهّل عمليةّ السيطرة عليهم من قبل الصهيونيةّ العالمية مما سيسهّل عليهم تنفيذ مخطّطاتهم المريضة التي نفذّوا منها معظمها حتىّ الآن ولم يبقى منها سوى القليل حتىّ تكتمل خيوط المؤامرة باقامة حكومة عالميةّ واحدة تسمّى مملكة اسرائيل الكبرى .
وقد لمسنا هذا أيضا من خلال طرح النظرّية الماركسيةّ الشيوعيةّ التي أنتجها اليهودياّن ماركس ولينين وكان الهدف منها اسقاط الديانة المسيحيةّ من الامبراطوريةّ الروسيةّ واسقاط قيصر روسيا الذي كان هو أيضا يعتنق المسيحيةّ وقد نجحت في اسقاط الامبراطوريةّ ونجحت في تدمير وتفكيك الاتحّاد السوفياّتي فيما بعد ونجحت في جعل اليهود يسيطرون بشكل كامل على الاقتصاد الروسي وعلى جميع مقدّرات وثروات ذلك الاتحّاد وتحييد الدين عن المجتمع بأسره وجعل معظم أفراد ذلك المجتمع عبارة عن ملحدين وعميان غير قادرين على التقّدّم ولا قادرين على استعادة دور المبادرة والتغيير هذا بالاضافة الى فقدانهم جميع المصانع الكبرى والمؤسسات الفاعلة وسيطرة الصهيونيةّ عليها مما أفقدهم جميع مقوّمات القوة وأدخلهم في حالة من الضعف والهوان.
وحيث يتبينّ لنا أن تعويض النقص بنقص أكبر منه هو التوجّه نحو الفشل وهذا ما يعتمده اعداء الشعوب واعداء الانسانيةّ فهم يدركون أن جميع الناّس تحتاج الى ما يغطّي هذا النقص فخشية أن يعرفوا السّبيل الصحيح نحو ذلك يقومون بتضليلهم بايهامهم بالحل عن طريق نقص في النقّص ممّا يجعل من النقّص أزمة مزمنة يصعب تجاوزها.
بعكس ما طرحناه آنفا حيث السّبيل الى تغطية هذا النقّص من خلال معرفة الخالق جعلت من هذا النقّص نقص يدفع نحو الكمال ونحو اكتشاف الذات واكتشاف كل الايجابياّت الموجودة خلف هذا النقّص كون من خلق هذا النقّص هو الكامل في منتهى الكمال والمقدّر الذي لا يغيب عنه صغيرة ولا كبيرة الا ويعرف متى توجد ولماذا ستوجد ولماذا لم توجد ان كانت مفقودة فهو غي بّها لحكمة من خلال شموليةّ نظرته للأمور حيث أنهّ واسع العلم والمعرفة وحسيب رقيب لا تفوته فائتة ولا تأخذه سنة ولا نوم وبهذا حين نطمئن الى وجوده ونعلم أن لا شيء الا بحكمة فسوف تتولدّ لدينا القناعة والرّضى والطمأنينة والسكينة التي كان وراء وجودها كمال في النقص عرف من أوجده أين وكيف يوجده ولماذا أوجده.
وبهذا ستصبح حياة كل انسان يدرك ذلك تسير على نمط دقاّت قلبه بوتيرة دقيقة كساعة سويسريةّ متقنة في الصنع آمنا في حياته متوكّلا على من نظّم كل هذه الفوضى واثقا به مطمئناّ لتقديره وراضيا بقضائه وبقدره وقانعا بما قسمه له حيث أنه يدرك أن خلف كل شيء تقف حكمة الهية سواء علمناه أم جهلناه فهي حتما حكمة موجودة ودقيقة وأكيدة وهذا هو أجمل أنواع العيش بطريقة تعتمد على الايمان بالله معاملة ومشاهدة ورؤيا وعملا وفكرا وتطبيقا وقولا واعتناقا فينصهر هذا كلهّ مخرجا مسلما مؤمنا صادقا خلوقا قنوعا محباّ للخير ومحباّ لخالقه وآمرا بالمعروف وناه عن المنكر أمينا حليما مفكّرا وعالما ناضجا من جميع جوانب الفكر والتجربة ومتشرّبا للايمان بشكل لا يقبل التزحزح ولا تزلزله أقوى زلازل الكون وهذا هو المسلم الذي يريده الله خليفة له في الأرض وهذا هو المسلم الذي يعمل عمل المغناطيس في تقريب الناس الى ربهّم وحبهّم له ويعمل عمل المرآة الصادقة في عكس صورة المسلم الحق للناس أجمعين وهذا ما يريده مناّ الله وهذا ما خلقنا لأجله وهذا يجب أن يكون فهمنا لأسباب وجودنا وفهمنا لكمال النقص وشموليته وكيف يولد الكمال من رحم النقّص كما تولد الموهبة من رحم المعاناة ويولد الاختراع من رحم الحاجة وتولد الحياة من رحم الموت.
فسبحان من خلق فقدّر وأبدع وصوّر وصنع فطوّر وسبحان الله مالك الملك يعطي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء له الحمد وله الشكر وعليه فليتوكّل المتوكلوّن وله يركع ويسجد السّاجدون رب العزّة له العزّة جميعا فاطر السماوات والأرض يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل الملك القّدّوس السلام المؤمن المهيمن له الأسماء الحسنى سبحانه وتعالى عمّا يصفون .
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.