الحلقة الثانية
كانت العمة نصرة تجلس مساء كل يوم وسط أطفال حي الشيخ جرَّاح لتقص لهم ولأحفادها قصص وبطولات أبطال فلسطين لتشحذ همتهم وتنزع من قلوبهم الخوف وكانت تجيب علي أسئلتهم وتضيف بعض المعلومات العامة وكان أطفال الحي يحبون العمة نصرة ويجلونها وكانت تقص عليهم مذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا وعن مقتل الطفل محمد الدُرّة وطلب منها أحد الأطفال الشغوفين بالمعرفة قائلاً إحكي لنا ياعمة نصرة عن محرقة الهولوكوست
فقالت له كان فيه واحد زعيم ألماني إسمه أدولف هتلر قرر يبيد اليهود وماكانش عاوز يخلي لهم علي الأرض وجود وكانت قراراته مابتنزلشي الأرض أبداً ولا بالطبل البلدي ولابد من تنفيذ أوامره وكانوا العساكر بتوعه بيلموا اليهود من كل مكان
وكان اليهود خايفين ومرعوبين منه ومن جبروته فهربوا منه واتفرقوا وإتشتتوا في البلاد كلها وكانوا بيخافوا يعلنوا عن ديانتهم اليهودية فقال لهاالطفل كل ده عارفينه فين بقي المحرقة؟ فقالت له إنتو عندكو بوتاجاز في بيتكو ؟
رد الطفل قائلاً أيوة عندنا بوتاجاز كبير وفيه كمان فرن كبير فقالت له هتلر بقي كان عنده فرن أكبر من الفرن بتاعكو بكتير وكان ييجي قد الحتة دي كلها وكانت تشير إلي مزرعة زيتون فقال لها الطفل يانهار أبيض كل ده فرن فقالت له وكان بيفتح لهم الباب يدخلوا منه وبعد مايتملي الفرن يقفل عليهم الباب ويولع الفرن عليهم فذهل الطفل من هول مايسمع وقال لها وهو يضع يديه علي وجهه
وبعدين ياعمة نصرة فقالت له وبعد مايحرقهم يفتح الباب تاني ويملي الفرن تاني ويحرقهم ويملاه تاني وهو بيضحك زي المجنون فقال لها الطفل زي نيرون قيصر روما لماحرق روما وقعد يعزف ويدندن علي القيثارة بتاعته لحد ما اتجنن وظل الأطفال يسألون وهي تجيب حتي أصابها الإرهاق فتركوها لتنام بعد أن أدت معهم صلاة العشاء..
وفي صبيحة اليوم التالت أصبح العالم بأسره معترفاً بقوة المقاومة الفلسطينية أمام جحافل اليهود وقنابلهم باهظة الثمن وظهر بالفعل ضعف اليهود ورعونتهم في التسديد المشوب بالرعب وكانت قذائف قسَّام الرخيصة تصيب وتحقق دائمآ أهدافها وبدأ القلق الأمريكي فطلبت من الطرفين وقف إطلاق النار دون رد وكانت المخابرات المصرية تستعلم عن كل كبيرة وصغيرة
وبدأت تعمل في صمت ولم تستطع أمريكا وقف إطلاق النار فقد أعدت المقاومة عدتها لحرب طويلة المدي قوية المفعول في ردها
كانت حماس تنسب النصر لنفسها وبدأت تظهر علي السطح لتجني الثمار وتجمع التبرعات لصالح المنكوبين دون وجه حق وكانت فتح تدفع فاتورة هذا النصر من شهداء ومصابين
ولم يجد الأسير حتي الآن أحداً من أقاربه علي قيدالحياة ومكث بدار عائلة فلسطينية لا يعرفهم ولا يعرفون عنه شيئاً فما كان منه إلاّ أن هام علي وجهه في الشوارع بحثاً عن ضالته وكان في سجون إسرائيل يلقبونه بالمجنون فقد كان يحتال عليهم بتصنعه الجنون حتي رأته العمة نصرة بأحد الأسواق فصاحت عليه قائلة ياأمير ياأمير لكن الأسير لم يسمعها جيداً بسبب ضوضاء السوق ونداءات الباعة أو ربما يكون قد نسي إسمه بسبب التعذيب المستمر
أو ربما يكون قد سمعها ولم يلبي كلها أسئلة دارت بخلد العمة نصرة فطلبت من زوجها الشيخ عمّار وإبنها فايز أن يبحثا عنه وأعطتهما أوصافه بعد خروجه من السجن فتذكره قسَّام جيدا ً فهو قد إشترك معه في عدة عمليات فدائية فقال لها ده أمير ده ماحدش ينساه أبداً ده الرادار بتاعنا وكان أطفال حي الشيخ جرَّاح يعرفونه دون أن يرونه من حكاوي العمة نصرة فقد كانوا يطلبون منها أن تقص لهم قصص الأسير أمير وكان أمير وقتها في الخامسة عشر من عمره..
كانت السلطات المصرية ترسل الدعم الطبي للحالات المصابة منذ اليوم الأول لضرب تل ابيب بقذائف القسَّام وكان اللواء الطرفاوي قد أوفد بعثة طبية مدعمة بالعقيد شعلان من المخابرات العامة كطبيب مع البعثة الطبية وقد حذرت السلطات المصرية العدو وقتهامن الإقتراب من البعثة أو مجرد العبث معها وقد كان …
ورضخ الجانب الصهيوني لطلب مصر وقامت مصر بفتح معبر رفح للحالات الحرجة فقط وباءت المحاولات من الجانب الأمريكي لوقف إطلاق النار بالفشل الذريع وهذا إن دلّ علي شيء فإنما يدل ويؤكد أن المقاومة الفلسطينية تكاد تسحقهم واستمرت المقاومة لليوم الرابع علي التوالي تطلق صواريخها وكانت تبلي بلاءاً حسنا
وكان الأسير يري المقاومة تذهب ولاتعود إلا محمولة علي نعش لمثواها الأخير أو داخل سيارات الإسعاف ظناً منه أنها مقاومة عادية كالمعتاد ولم يعبأ ولم يهتم ووجد نفسه وحيداً بين كبار السن والأطفال وظن وقتها أنه قد هرِم بسبب سوء التغذية والتعذيب لذا فضَّل الأسير الوحدة والصمت هائماً في الطرقات وذات يوم قابله أبو لؤلؤة الحمساوي ودعاه للإنضمام في صفوف حماس وأغراه بالمال وبما لذ وطاب ولكن الرفض كان حليف الأسير أمير ولم يكن يعلم بأن أبو لؤلؤة هو الذي وشي بعائلته وانصرف أبو لؤلؤة علي أن يعود فيما بعد ليصطحبه قائلاً له أنا هرجع لك تاني يارادار
وبكرة نكمل
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.