البعض يعتبره كابوسًا لو استخدمه الجواسيس و”الهاكرز”؛ لجني مكاسب محرمة، وتهديد مصالح الدول والاقتصاد العالمي عبر الفضاء السيبراني، أو ساحة للاحتيال والغش بين الطلبة في المدارس والجامعات، بينما آخرون وفي ذات المعسكر يرونه وحشًا يزيح البشر مع الوقت جانبًا، ويلتهم ملايين الوظائف التى يقومون بها، وبحسب أحدث التقارير هناك إشارة احتمالية فقدان ٣٠٠ مليون شخص لفرص عملهم في غضون وقت قصى، وهو ما يوازى ربع حجم حصة الوظائف في أوروبا وأمريكا مجتمعين، كي يتضخم جيش العاطلين.
على الجانب الآخر من الشاطئ هناك معسكر حالم لا تعنيه مخاوف أحد ويرى مبالغة في الأمر، مؤكدًا أن المكاسب أكبر بكثير من الخسائر، وأن لا أحد يستطيع إيقاف عجلة التطور التكنولوجي، ولكل معسكر وجهة نظره وحججه المنطقية.
ما نقصده بالتأكيد هو الذكاء الإصطناعي الذي يتنامى بشكل بات يمثل حالة هوس متسارعة، وسباق محموم بين صانعيه ومطوريه بغض النظر عن المطبات المستقبلية والتداعيات والمحظورات، وحتى “إيلون ماسك” المالك الجديد لموقع التواصل الشهير “تويتر”، وأحد اللاعبين الكبار في مضمار التكنولوجيا، لم يخف قلقه من الأمر، ومؤخرًا طالب بتعليق خطط التطوير للذكاء الإصطناعي لمدة ستة أشهر مقبلة.
“جي بي تي” يتوغل
أعلن (سام ألتمان)، المدير التنفيذي لشركة “اوبن آي أي ” عن “شات جي بي تي”، وهي أداة جديدة تحدث ضجة في عالم محركات البحث، فهي تقنية حديثة مدعمة من الذكاء الاصطناعي، قادرة على محادثة الجهاز بطريقة سلسة، وكأنك تحدث صديقك أو شخصًا عاقلًا، وتقديم إجابات مناسبة عن جميع الأسئلة في كل المجالات، فضلًا عن تميزها بقدرتها على الإعتراف بالأخطاء، ورفض الأسئلة غير المناسبة، معتمدة في ذلك على الذكاء الاصطناعى.
“إسلام غانم”، استشاري تقنية المعلومات والتحول الرقمي، يفسر الأمر بأن الأداة تعمل كمحرك بحث يربط كل البيانات والمعلومات الموجودة على الإنترنت، موضحًا أن ما يميزه عن نظرائه التقليديين أنه يفهم ما تكتبه بدقة أيًا ما كانت اللغة التي تستخدمها من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي.
وأوضح “غانم” أن شات جي بي تي يتعامل بطريقة تفاعلية مع المستخدم، وكأن شخصًا موجودًا على الناحية الأخرى من المحادثة، وتعتمد محركات البحث العادية على النص المكتوب فقط، لكن شات جي بي تي يقوم بتحليل الجملة التي نكتبها، ويعمل على فهم المراد منها، ويحضر الإجابات التي تحتاجها بشكل دقيق، وأيضًا حل المسائل الرياضية، وكتابة الألحان والشعر.
وفي سياق متصل قال “أحمد الغندور” أحد صنَّاع المحتوى المصريين عبر برنامجه (الدحيح) الذى يُذاع على “اليوتيوب”: الجي بي تي شات جذب مليون مستخدم خلال ٥ أيام فقط، وتم تدريبه وتطويره علي أن نعطيه كميات كبيرة من النصوص ويقوم بتلخيصها، فهو ليس فقط للرد علي الأسئلة، ولكن يمكنه كتابة مقالات وأبحاث، ورسائل الماجستير، ومساعدة الطلاب في المهام الأكاديمية.
وأعرب “الغندور” عن خشيته من أن نظام شات “جي بي تي” قد يقتل الإبداع الفكري من خلال الإعتماد عليه بشكل كبير في حل المسائل المعقدة، وهناك مخاوف من قدرة الذكاء الإصطناعي على القضاء على المهارات، واحتلاله مكان الإنسان في الأعمال المختلفة بشكل عام، وأوضح أنَّ المهتمين بالبحث العلمي قد يعتمد بعضهم على الحصول على المعلومات من خلال تشات “جي بي تي” بدلًا من التوجه لمراكز البحث العلمي، واعتماد الأطفال بشكل كبير على شات “جي بي تي” يضعف قدرتهم على الإبداع، والتفكير الخلاق.
قصور وتحديثات
من جانبها صرحت “شركة مايكروسوفت” بأنها تعمل على تحديث محركها للبحث “بينغ”، ومتصفح الإنترنت “إيدج ويب” بالذكاء الصناعي، وهي أكبر الشركات الممولة للجي بي تي، حيث إنها مستثمرة حوالي مليار دولار في شركة (اوبن آي آي) مما يشير إلى طموحها في استعادة الصدارة في أسواق التكنولوجيا الاستهلاكية التي تراجعت فيها.
من جانبه كشف “د.نضال قسوم” الإعلامي الجزائري، في برنامجه (تأمل معي)، أن “شات جي بي تي” لديه قصور في جوانب، توجد أشياء هو محدود فيها، وأضاف أنه تم تغذيته بمعلومات حتي عام ٢٠٢١، حيث إن كل ما لديه من معارف ومعلومات بعد هذا التاريخ لا يتعرف عليها “شات جي بي تي”.
وذكر “قسوم” بأن “جي بي تي” يمكنه كتابة مقالات أو أبحاث علمية، يمكن الاستعانة بها من قبل الطلاب بدلًا من الاجتهاد الشخصي، وتابع “قسوم” بأنه حتي الآن لا توجد أدوات لمعرفة إذا كان هذا المقال من صنع الإنسان، أو من “جي بي تي”، وموضحًا أن لتلافي تلك المخاوف تعمل شركة (اوبن آي آي) حاليًا علي وضع خاصية مع النص ما يسمي “ووتر مارك”، وهي إشارة لا مرئية تفضح أن هذه المعلومات من الـ “جي بي تي”.
واختتم “قسوم” بأنه يمكن لـ”جي بي تي” أن يمدك بمعلومات بأي لغة تريدها، ما عدا العربية، فيجب أن ننتبه أن هذه القفزات والتطورات التي تحدث في عالم الإنترنت، هي في غالبيتها باللغات الأجنبية أكثر من العربية، وهذا يرجع إلي أن بنك المعلومات التي بُني عليها الـ “شات جي بي تي” لديه باللغة العربية غير صحيح.
سبق وأن كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، عن أن جامعات عدة في المملكة المتحدة تبنت فكرة إخضاع الطلبة لفحص شفوي بشأن الموضوعات التي يدرسونها، في حال ثارت شكوك حول لجوئهم إلى الغش باستخدام أدوات الذكاء الإصطناعي مثل ChatGPT .
وأضافت الجامعات بأنها تكافح لمواجهة تنامي قدرات أدوات الذكاء الاصطناعي إلى حد كتابة إجابات ذات جودة تكفي للنجاح في الاختبارات، وسعت بعض الجامعات إلى حظر هذه الأدوات أو تقييد استخدامها أو حتى اعتبارها مخالفة أكاديمية.
وصرحت جامعات أخرى بأنه في حال كان هناك ارتياب حول صدق عمل الطالب، فسيتم إخضاعه إلى اختبار شفوي بشأن هذا العمل، وأبلغت إدارة كلية لندن الجامعية طلابها، بأنه عندما يكون هناك اشتباه بوجود سوء استخدام للذكاء الإصطناعي، فسيكون بوسع الطاقم الأكاديمى استخدام الاختبار الشفوي للتأكد من أن الإجابات تعود بالفعل إلى الطلبة، وفي حال فشل الطالب في الاختبار، فسيتم إحالته إلى لجنة مخالفات أكاديمية ستبت في أمره، وقد تصل العقوبات إلى حد الفصل من الجامعة.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.