المثقف باحث عن المعنى ومهموم بالجمال

الروائي أمجد توفيق يكتب:

0

شكرا لكل من تذكر ، أن ثمة مثقفا عراقيا ، نحتفل من أجله اليوم شكرا لـ( محمد رشيد) الذي يأبى أن يلقي بسيفه ، ويترجل عن جواده

كيف نحتفل ؟ وأية رسالة نوجه ؟

نحتفل بالأسى والحزن ونمسح بقايا دمعة أريقت من أجل ذكرىونشكو التوحد مع الخسارة فلماذا يكون المثقف رديفا للخسارة والخيبة ؟ ومن المسؤول ، أهو المثقف الذي تنكر لدوره ، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره ، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر ؟

كنا نقول : إن الثقافة للسياسي قوة ، والسياسة للمثقف ضعف .

ذلك أن السياسي رجل ذو برنامج ، ويطمح لهدف محدد ، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق قلادة البرنامج الذي اختاره .أما المثقف فإنه معني بالحياة ، باحث عن المعنى ، مهموم بالجمال ، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالاختلاف ، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور ، لذلك لا يمكن أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ، ومتى ما وافق على ذلك ، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره .

والآن ، وفي يوم المثقف ، ماذا نقول ؟

هل ندعو المثقف إلى الانسلاخ عن ثقافته ؟ أو ندعو السياسي إلى الرأفة بالمثقف ؟ وكلا الدعوتين لا تعنيان سوى طعن المثقف في يومه ..

السياسي يعرف سحر المثقف

والمثقف يدرك قوة السياسي

وبينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي ، فلماذا يحدث ذلك ؟ إنه مكبس الحياة الذي يضغط على المثقف ، فالمثقف إنسان ، وله احتياجات ، ولم تكن الثقافة أو الأدب أو الفن ، أو التأليف ، أو الكتابة والنشر ، أو إلقاء المحاضرات كافية لتلبية احتياجاته الإنسانية ، هذا يحدث ليس في العراق وحده ، إنما في دول العالم الثالث جميعا ، فباستثناء قلة قليلة لا تشكل نسبة ما ، لم اسمع أن الأديب أو المثقف قادر على العيش بكرامة نتيجة جهده في حقل الابداع أو التأليف .لذلك لابد من البحث عن حل ، والحل هو البحث عن عمل ، في التجارة أو الصناعة في مؤسسات الدولة أو خارجها ، لابد من العمل كوزير أو سائق سيارة أجرة ، أما التمسك بالصفة فإنها غير كافية دون نيل بركة السياسي ، ومتى ما نال المثقف بركة السياسي فإن مجالات العمل والحياة تفتح على مصراعيها .

نعم يرضي المثقف احتياجاته ، ويخسر دوره ، لأنه دور مدفوع الأجر .

هل نبحث عن مكرمة تمنح للمثقف ، كمتسول ، أو أرملة فقدت معيلها ؟

منظمات المجتمع المدني لا تفعل شيئا لأنها سياسية أو تستظل بالمال السياسي ، مهما كان المتحدثون الرسميون بليغين في الدفاع عن مهنيتها .

ومؤسسات الدولة عاجزة عن أداء دورها بشكل فاعل ، فكيف نطلب منها الابداع في حقل لا تظلله تعليمات أو قوانين ؟

ما الحل ؟ ما من عظيم ، أو نبي ، أو مصلح ، أو صاحب نظرية ، او مبدع كبير ، إلا وكان الألم رفيق دربه .

فالابداع لا يبنى على السهولة والتطابق .

وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجلها .

والرسالات لم تنجح على قاعدة الاحتفالات والدعوات .

وأجمل الأغاني والقصائد والروايات والقصص واللوحات تلك التي لا تشبه غيرها ، ذلك إنها تبحث عن الجذر الذهبي المتناغم مع أسئلة الإنسان وهو يواجه قدره في الحياة .

فلماذا نبحث عن حلول سهلة تأتي على شكل مكرمات ؟ دع الألم يصهر روح المثقف ، أملا في نتاج عظيم .

ودع أنامل الموسيقي تبلى بحثا عن لحن خالد . ودع ضوء عين المبدع يخفت وينطفئ وهو يحاول صياغة كلمة يلامس مدلولها قلب الإنسان .

أهي دعوة صادقة في يوم الاحتفال بيوم المثقف ، أم قسوة على المثقف مغلفة بهدف كبير .

مهما كان الجواب ، يبقى السؤال جمرة نقذفها من يد إلى يد ، وتبقى الإجابة مياه تحاول إطفاء جمر السؤال .

 


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً