شكرا لكل من تذكر ، أن ثمة مثقفا عراقيا ، نحتفل من أجله اليوم شكرا لـ( محمد رشيد) الذي يأبى أن يلقي بسيفه ، ويترجل عن جواده
كيف نحتفل ؟ وأية رسالة نوجه ؟
نحتفل بالأسى والحزن ونمسح بقايا دمعة أريقت من أجل ذكرىونشكو التوحد مع الخسارة فلماذا يكون المثقف رديفا للخسارة والخيبة ؟ ومن المسؤول ، أهو المثقف الذي تنكر لدوره ، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره ، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر ؟
كنا نقول : إن الثقافة للسياسي قوة ، والسياسة للمثقف ضعف .
ذلك أن السياسي رجل ذو برنامج ، ويطمح لهدف محدد ، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق قلادة البرنامج الذي اختاره .أما المثقف فإنه معني بالحياة ، باحث عن المعنى ، مهموم بالجمال ، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالاختلاف ، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور ، لذلك لا يمكن أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ، ومتى ما وافق على ذلك ، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره .
والآن ، وفي يوم المثقف ، ماذا نقول ؟
هل ندعو المثقف إلى الانسلاخ عن ثقافته ؟ أو ندعو السياسي إلى الرأفة بالمثقف ؟ وكلا الدعوتين لا تعنيان سوى طعن المثقف في يومه ..
السياسي يعرف سحر المثقف
والمثقف يدرك قوة السياسي
وبينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي ، فلماذا يحدث ذلك ؟ إنه مكبس الحياة الذي يضغط على المثقف ، فالمثقف إنسان ، وله احتياجات ، ولم تكن الثقافة أو الأدب أو الفن ، أو التأليف ، أو الكتابة والنشر ، أو إلقاء المحاضرات كافية لتلبية احتياجاته الإنسانية ، هذا يحدث ليس في العراق وحده ، إنما في دول العالم الثالث جميعا ، فباستثناء قلة قليلة لا تشكل نسبة ما ، لم اسمع أن الأديب أو المثقف قادر على العيش بكرامة نتيجة جهده في حقل الابداع أو التأليف .لذلك لابد من البحث عن حل ، والحل هو البحث عن عمل ، في التجارة أو الصناعة في مؤسسات الدولة أو خارجها ، لابد من العمل كوزير أو سائق سيارة أجرة ، أما التمسك بالصفة فإنها غير كافية دون نيل بركة السياسي ، ومتى ما نال المثقف بركة السياسي فإن مجالات العمل والحياة تفتح على مصراعيها .
نعم يرضي المثقف احتياجاته ، ويخسر دوره ، لأنه دور مدفوع الأجر .
هل نبحث عن مكرمة تمنح للمثقف ، كمتسول ، أو أرملة فقدت معيلها ؟
منظمات المجتمع المدني لا تفعل شيئا لأنها سياسية أو تستظل بالمال السياسي ، مهما كان المتحدثون الرسميون بليغين في الدفاع عن مهنيتها .
ومؤسسات الدولة عاجزة عن أداء دورها بشكل فاعل ، فكيف نطلب منها الابداع في حقل لا تظلله تعليمات أو قوانين ؟
ما الحل ؟ ما من عظيم ، أو نبي ، أو مصلح ، أو صاحب نظرية ، او مبدع كبير ، إلا وكان الألم رفيق دربه .
فالابداع لا يبنى على السهولة والتطابق .
وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجلها .
والرسالات لم تنجح على قاعدة الاحتفالات والدعوات .
وأجمل الأغاني والقصائد والروايات والقصص واللوحات تلك التي لا تشبه غيرها ، ذلك إنها تبحث عن الجذر الذهبي المتناغم مع أسئلة الإنسان وهو يواجه قدره في الحياة .
فلماذا نبحث عن حلول سهلة تأتي على شكل مكرمات ؟ دع الألم يصهر روح المثقف ، أملا في نتاج عظيم .
ودع أنامل الموسيقي تبلى بحثا عن لحن خالد . ودع ضوء عين المبدع يخفت وينطفئ وهو يحاول صياغة كلمة يلامس مدلولها قلب الإنسان .
أهي دعوة صادقة في يوم الاحتفال بيوم المثقف ، أم قسوة على المثقف مغلفة بهدف كبير .
مهما كان الجواب ، يبقى السؤال جمرة نقذفها من يد إلى يد ، وتبقى الإجابة مياه تحاول إطفاء جمر السؤال .
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.