شهر رمضان له نفحات كثيرة لعل من اهمها .. انه يتدرب الانسان على مجاهدته لنفسه فيقومها .ويهذبها … ويجابه رغباته الاثمة ..وينتصر عليها .ويراجع اخلاقه السيئة ويعدلها ..ويطهر قلبه من الحقد والكراهية وينقى سريرته من الغل واضمار السوء والافكار الشريرة .
لان من يصوم لله صوما حقيقيا . يصوم عن الهمم الدنيا ..وسيئ الاخلاق …والنوايا الخبيثة ..
والصيام يُدَرِّبُ الصائم على المجاهدة والمكاشفة ؛ فى علاج امراض القلوب وشطحات النفس ألامارة بالسوء .لانه يصفو بالنفس ويرتقى بها ..فمن استطاع الصيام عن المُفَطِّرات فهو قادر على الصيام عن المُحَرَّمَات…إذا اخلص النية لله.واقبل على الله طالبا المعونة والتوفيق …
والناس…. فريقَيْنِ…
الفريق الاول ..هو من ترك نفسه الامارة بالسوء تقوده ….ولم يحاسبها ..وتركها فى غيها وتجبرها وتكبرها ..وغلبه شيطانه ..وكان الهه هواه.. فلايراجع نفسه ..وركن الى الدنيا ..ونسى حقوق ربه ..وحقوق العباد ..وسعى فى الارض بالفساد فهذا عاقبته قوله تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
اما الفريق الثانى ..الذى جاهد نفسه وكبح جماحها ..وصدها عن غيها ..ولام نفسه إذا اخطأ ..وتاب إذا اذنب وإذا اخطأ اعتذر ،ويتهم ويلوم نفسه قبل ان يلوم غيره ،وغلب شيطانه، وقَهَر نفسه، ولم يَرْكَنْ إلى الدنيا، وقام بحقّ الله – تعالى – خير قيام؛ وعرف للناس حقها .. فهو السعيدُ المذكور في قوله – تعالى -: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ اللهم اجعلنا منهم ……
وللاسف في هذا الزمن كثرت النفوس الامارة بالسوء واصحاب النوايا الخبيثة وأصحاب الوجوه المتلونة» والنفوس المريضة الحاقدة والتى يطلق عليها «سوداء السريرة»
ننصحهم بان يستثمروا شهر رمضان المبارك بالتوقف والتوبة والرجوع الى نقاء السريرة التي امتلأت بحب الناس وحب الطاعة
فصلاح العمل بصلاح النية والسريرة.
ونقاء السريرة ليس «عبارة عابرة» وإنما «خلق» وممارسة وانطباع تعرفه بالمعاملة … يقول تعالى : (يوم تبلى السرائر)، فما تبطن اليوم وما تخفيه عن «أعين عباد الله فى الدنيا الله يعلمه وسيظهر حتما يوم القيامة واضحا على رؤس الاشهاد.. «وقد يكون المقصود السرائر» هنا القلوب! ..
وأصعب شيىء ان تخالط او تعامل اصحاب السريرة السيئة الذى يضمر لك الشر ويكره لك الخير ..
ولايظن سيئء السريرة انه يستطيع خداع من حوله يقول
سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه!ويقول سيدنا الحسن رضي الله : ابن آدم لك قول وعمل وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرة وعلانية، وسريرتك أولى بك من علانيتك!
ويقول ابن القيم، رحمه الله تعالى: «. فكل محبة لغير الله فهي عذاب على صاحبها وحسرة عليه إلا محبته، ومحبة ما يدعو إلى محبته، ويعين على طاعته ومرضاته، فهذه هي التي تبقى في القلب يوم تبلى السرائر»!
ومن علامات صلاح السريرة!
ان تحرص على مخافة الله واعمل بعقلك وقلبك وضميرك بنقاء السريرة وتواضع وأصلح نفسك عند الاعوجاج وابتعد عن العُجب والكبر والولع بنقد الآخرين وبيان عيوبهم وانظر. لعيوب نفسك..
واصلحها …
ومعالجة النفس ليس امرا هينا. او سهلا…فأمراض النفس كثيرة منها .. الغرور والتكبر . والتجبر.. الخ من الصفات التى يصعب علاجها … فجهاد النفس هو أعظم أنواع الجهاد؛.لأنه جِهَاد مستمر لان الانسان بتعرض لفتن ومغريات وابتلاءت كل يوم
لذلك كان الانتصار على النفس ومخالفتها من اعظم انواع الانتصار ..
وبداية العلاج دائما
أن تبدأ بنفسك وتسعى لتغيريها..
وان تعترف بأن نفسك هى احد اعدائك الاربعة (النفس والشيطان والدنيا والهوى )..وانك ابن ادم
وكل بنى أدم خطاؤن ..وخير الخطائين التوابون…
فابدأ بنفسك واعترف بنقصها
ومن لم يعترفْ بتقصيره وخطئِه فكيف يُجَاهد نفسه؟!
يقول تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
واستغل الايام الطيبة
والمناسبات المباركة مثل شهر رمضان فى علاج نفسك ..
واستعن بالله بكثرة الدعاء وصدق التوكل ومن كان صادقا فى جهاد نفسه اعانه الله .. فالهِدَاية والعناية والرعاية والتوفيق من الله ..
لذلك استحقها نبي الله يوسف – عليه السلام – عندما جاهد نفسه، ولم يستَسْلِم للشيطان ولِهَواه، فقال: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ واستعان بالله واعترف بعجزه وضعفه رغم مُجَاهدته، ، ودعا فقال: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
والتقرب إلى الله بالطاعات يساعد الانسان على مجاهدة النفس فعندما سألَ رجلٌ النبيﷺ:
مُرَافَقَته في الجنة قال له: (أَعِنِّي على نفسِك بكثرة السُّجود)…
والانتصار على النفس.. هو ان تقاوم ماتحب وتتحمل ماتكره..
او يعني التحكم برغباتها وميولها، وهو أعظم وأشق من الانتصار على القوة المادية
ولايستطيع الانسان ان يحقق انتصارات فى الحياة وهو لايستطيع ان يرود نفسه. .. او يهزم رغباته …ويواجهه نفسه الامارة بالسوء ..
فالبعض يتحاشى او يهرب من مواجهة نفسه .بل يتركها غى غيها وكبرها حتى تورده المهالك ويخسر كل شىء وقبل ذلك يخسر نفسه واحبابه
ولذلك قالوا من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه ، لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات
وقبل ان تهزم اعداءك اهزم نفسك الاماره بالسوء..ولذلك جاءمصطلح جهاد النفس ..
وجهاد النفس يقويك على جهاد أعدائك
وكيف لنا أن نهزم اعداءنا ونحن لا نستطيع أن نهزم مغريات النفس
ومن اغتر بنفسه فقيمته تحت قدمه ومن حقر نفسه فكرامته فوق رأسه
وأعظم انتصار .. حين يعترك في نفسك صراع بين ما تهواه النفس وما يرضاه الله.. فتؤثِر ما يرضاه الله على ما تشتهيه النفس ثقةً بجزيل العوض من الله .
وجهاد النفس يدفع الإنسان لتجاوز المحن، ويحفزه للعمل، ويورثه طمأنينة النفس وراحة القلب ..وسلامة الصدر ..
ولذا كان من دعاء النبي ﷺ:
“اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّهَا أنت خيرُ من زَكَّاهَا، أنت وَلِيُّهَا ومولاها، اللهمَّ إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نَفْسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يُستجاب لها”.
بقلم ا.د / إبراهيم درويش أستاذ المحاصيل الحقلية ووكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.