فالشكر يكون لمن احسن لنا والاعتذار لمن اخطأنا فى حقه وكلاهما خلقان وفضيلتان مكملاتان لبعضعهما..و لاغنى لاى انسان يريد ان يعيش حياة هادئه. وينال رضا الله ومحبة الخلق بدونهما . فعدم الشكر جفاء وعدم اعتراف بالفضل ونكران للجميل وعدم الاعتذار جفاء وغرور وسوء اخلاق..
وشهر رمضان فرصة للتخلق بكل من فضيلة الشكر وثقافة الاعتذار
١- خلق وفضيلة الشكر :
وهو خلق لايستغنى اى انسان عاقل عنه .فهو دليل على التقدير والامتنان لكل من يقدم لنا خيرا او معروفا او خدمة …
والشكر رسالة ايجابية للطرف المشكور الذى بذل وأعطى. وهو نوع من المكافأة.. تدفع المشكور الى الاستمرار فى العطاء والبذل والمعروف .. وبالطبع هذا يعود على الشاكر اولا باستمرار العطاء له .. ويعود على المجتمع بإنتشار العطاء بين أفراده ..ولذلك لايشكر الله من لايشكر الناس ..لكن عدم الشكر تجعل المحسن يضن بإحسانه عليك وعلى المجتمع ..
والمجتمعات المتحابة تقوم على التعاون والتكامل والايثار ..
وقد ورد خلق الشكر فى آية الصيام يقول تعالى: يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ..
أي: إنما شرع الله قضاء الصيام لأنه سبحانه يحب من عباده أن يكملوا عدة رمضان بقضاء الأيام التي أفطروها منه وليكبروه بعد انقضاء شهر رمضان لما أنعم به عليهم من إرشادهم إلى هذا الشهرومن أجل أن يكونوا من الشاكرين
وأتم أنواع الشكر: شكرُ المنعِم قبلَ العبادة ومعها وبعد تمامها، وعدمُ نقضِ الشكر بعد ذلك بكفر….
والشكرُ عبادةٌ يُحبها اللهُ ويَرْضى عن أهلِها، (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) [النمل: 40]. وهو اول الوصايا للانسان من الرحمن يقول تعالى : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14].
وخير الخلق -صلى الله عليه وسلم- عندما قالت السيدة عَائِشَةُ: “لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ( اى تجهد نفسك فى العبادة )وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: “أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا”؟!
وشكر النعم يقتضى ان تعرف ثلاثة امور .. أولها:أن تعرف النعمة التى بين يديك وتقدر قيمتها..ثانيها: ان تعلم المنعم وان النعمة هى من فضل الله عليك فلاتسطيل بها على خلقه وتؤدى الشكر عليها وثالثها..:ان تقدر وتشكر من كان سببا فى النعمة من الخلق .. ..
وشكر النعم يكون بالمحافظة عليها وأداء واجب شكرها …
ونعم الله كثيرة ولايمكن ان نحصيها… سواء فى صحة الجسم او فى الرزق او فى الستر او الاسرة والزوج او الزوجة والاولاد او الطاعة والبعد عن المعاصى او فى الاخلاق .. الخ ..
والقاعدة تقول اذا اهملنا..النعم ولم نعطى حق شكرها سلبت منا…
ومن يُهمل النِعم يُجاز بفقدها
وان حافظت علي النعم دامت عليك وزادت يقول تعالى (”وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)
ولايحس الانسان بقيمة النعمة الا بعد ان يفقدها ..فالمريض يعلم قدر الصحة،والفقير يعرف قيمة المال،والجائع يقدّر نعمة الطعام، والعقيم يتمنى نعمة الولد..،ومن يفقد الحب يتمنى لحظة حب.، ومن يفقد راحة البال والهدوء الاسرى يتمنى يوما تعود الى حياته السكينة والطمأنية، …
ولن تعرف قيمة ما تملك إلا حين فقدانه ..و قيمة ماأنت فيه من نعم إلا حين تتفلت منك هذه النعم .، ولا تدرك حجم النعمة التي بين يديك ، حتى تذوق خسارتها،
ولن تعرف قيمة أيامك الهادئة، والرغده ، حتى يعلو ضجيجها وتكثر الخلافات والمشاكل التى لم تتوقعها يوما ان تمر بك ..
واسأل نفسك لماذا يبكي الشيخ على شبابه،ولا يضحك الشاب لصباه؟ ولماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا ولا نبصرها إلا غارقة في ظلام الماضي أو مُتَّشحةً بضباب المستقبل؟.ودائما نبكى على مايمضى ونحن اليه ! فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيا.! فلابد لنا أن نشعر بالإمتنان للنعم التي بين ايدينا ..ونحافظ عليها ونشكر الله كثيرًا على وجودها ونراعيها….
والبعض من البشر قد يعرف قيمة ماعنده من النعم ..لكن من غروره وفرط الثقة ..يعتقد انه تملك هذه النعم. أو انه يستحقها لصفات يملكها واصبحت هذه النعمة طوع أمره … ولن يفقدها أبداً..ولايعرف هذا المغرور ان النعم ليست ذاتية وانها من فضل الله عليه ..
ويكون مثل صاحب الجنة الذى ورد ذكره فى سورة الكهف.. … الذى دخل جنته وهو ظالم لنفسهة فقال ( ماأظن أن تبيد هذه أبدا ، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا )…
فنقطة التحول والطامة تكون عندما تنسى المنعم و تعتقد انك امتلكت النعمة او امتلكت انسانا او شيئا لايمكن ان تفقدة …لانه اذا اقتنعت بذلك اهملت شكرالنعمة. ويسلبها الله منك وفقدتها للابد وكنت لا تتصور ذلك ابدا ..
ومثال هؤلاء ممن يملكون صحة جيدة فلايحافظون عليها،وعمل. ورزق واسع فلايراعون الله فيه وعلاقات إجتماعية طيبة فيدمرونها وأسرة مستقرة وبيوت يملؤها الحب فلايحسنون إدارتها ولايخافون الله فيها ولايعرفون حقوق العشرة. وقيمة النعمة التى هم فيها فيهملونها..ويسئون العشره .. فيفقدون كل ذلك بين يوم وليلة ..وتنقلب احوالهم من السعادة إلى الشقاء …
لذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم :اللهم إني أعوذبك من :
زوال نعمتك وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك….
ومن لا يشكُر القليل لا يشكُر الكثير.والحق سبحانه هو الغفورُ الشكور؛ فالذي سقَى الكلبَ شكرَ الله له فغفَرَ له؛ فكيف بمن يُحسِنُ لاهله وللمستضعفين ، ويتفقَّدُ المُحتاجين، ويتصدَّقُ على اصحاب الحاجات ويرحَمُ المُستضعَفين؟!
والذي أخَّر غُصن الشوك عن الطريق شكَر الله له فغفَرَ له؛ فكيف بمن يسعى في تيسير أمور الناس؟!
فلا تستقل شيئا وكن عبدا شكورا .
٢- فضيلة مراجعة النفس وثقافة الاعتذار …وهى خلق او فضيلة مكملة لخلق الشكر …ويأتى فى قمتها ان لم تستطع ان توفى حق الشكر وتكافئه اعتذر لصاحب الفضل عليك وادعو له .. فمابالكم ممن اسأنا له واخطأنا فى حقه
بداية من رب العباد الذى خلقنا وكرمنا وفضلنا ومن علينا بالنعم
ولذلك شهر رمضان فرصة لاتعوض لمراجعة النفس والعودة ..إلى الله واصلاح العلاقة بينك وبين الله والتوبة ولايمكن أن يتوب الانسان الا اذا راجع نفسه واعترف بخطئه وتقصيره فهذه هى المرحلة الاولى واصلح مابداخل نفسه ثم تأتى العلاقة الافقية وهى علاقتك بخلق الله .. ..ومن المنطقى ان نبدأ بأقرب الناس الينا الاباء والامهات والازواج والزوجات والابناء وذوى القربى ثم تتسع الدائرة .الخ.
فالصيام يؤدى الى الصفاء الروحى ويجعل الانسان يحكم على الامور بطريقة..موضوعية .ويتحكم فى نفسه .ويعترف ان لكل انسان كبوات وإخفاقات ..
فالانسان العاقل يراجع نفسه فإذا اخطأ اعتذر وتأسف .والجاهل والمغرور إذا اخطأ تمادى وتفلسف
فالمؤمن فى رمضان يستغفر ويعتذر ويتوب إلى الله ويطلب من الله العفو والمغفرة ..
لكن لاتنسى وانت تطلب من الخالق ان يرحمك. وهو القادر …انت تعفو انت على الخلق ولاتتجبر عليهم .. ..
ومن ثمار الصيام الحقيقى
أن تعترف بالتقصير مهما كنت فقد
قال موسى عليه السلام:
﴿ربّ إني ظلمتُ نفسي﴾
ولم يمنعه مقام النبوة من الإعتراف بتقصيره ! فهل نحن افضل من موسى عليه السلام
وحينَ تُخطئ.. كُن على قدر المسؤولية واعتذر،، فالاعتذار جرأة يملكها الكبار فقط!واعترف بخطئك فلن تخسر ماء وجهك ولن ينتقص ذاك من شأنك ،وضع كبريائك وغرورك جانبا، واعترف بكونك إنسانا غير كامل ..وليتسع قلبك وعقلك وصدرك للجميع.وتحلى بمكارم الاخلاق ..
وكن كالمصباح الذى ينير الطريق ويجمع الناس من حوله .. وكلما إرتفع المصباح كلما إتسع نطاق إضائته ، فارتفع أنت بأخلاقك ، بتفكيرك ، بقدراتك ، لكي يتسع نطاق عطائك وتأثيرك الإيجابي في الحياة!…
إعلم ان لكل شيئ نهاية ..فلايغرنك صبر الحليم واتق شر الحليم اذا غضب
واتق صبر الحكيم اذا نفذ
واحذر من ان تكون سببا فى كسرة النفس لأنها مؤلمة، فالله سيسألك عن كل عين أبكيتها، وعن كل قلب أوجعته، وعن كل روح كنت سبباً في فقدها لأمانها وإطمئنانها،وسيسألك عن القليل والكثير .. فأحذر أن يشتكيك أحد إلى الله وكن دائما جابر للقلوب والخواطر ..
واعلم أن سلوك الإنسان وأخلاقه هي ثمرة معتقداته، فقل لي ماذا تعتقد أقل لك ما هو سلوكك.
وصاحب الأخلاق الحسنة كالورود العطرة، من بعيد تعجب بجمالها و من قريب تحب رائحتها.
ومن فقد الأخلاق فقد كل شيء، و من كسب الأخلاق كسب كل شيء.
والنقود تجلب لك النفوذ، لكن الأخلاق تجلب لك النفوس.
وكلما ذادت اخلاقك ذادك ايمانك واخلاقك اهلك واسرتك هم اولى الناس بها ..
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خياركُم لأهلِه).زقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ، فإنَّ اللَّهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ).
فلاتحمل نفسك اكبر مما تطيق
وهون على نفسك والجأ الى ربك حتى يصلح الله لك نفسك وحالك .وقل بلسان الايمان واليقين
اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
بقلم ا.د / إبراهيم حسينى درويش أستاذ المحاصيل الحقلية ووكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.