إعتمد مفهوم الأمن القومى الإسرائيلي على إفتراضين أساسيين وضعهمها رئيس وزرائها التاريخى “بن جوريون” أولهما أن إسرائيل لن تتمكن أبداً من فرض نهاية مطلقة للصراع على أعدائها ، و ثانيهما أن إسرائيل لا تستطيع الإحتفاظ بجيش كبير لفترة طويلة ، و بناء على ذلك فأن أمنها يتطلب جيشاً إحتياطياً و تحذيراً كافياً قبل إندلاع الحرب ، عليه فأن عناصر العقيدة العسكرية الثلاث وهى الردع ،الإنذار المبكر ، الحسم ، تشكلت بناء على هذه الفرضيات ، وقد أفضت هذه العناصر إلى خلق ديناميكية دورات الحروب القصيرة ، حيث تقوم إسرائيل كل بضع سنوات بحشد قواتها لخوض حرب قصيرة ضد أحد خصومها مقابل الحصول على فترات من الهـــدوء و الإستقرار ، تسمح بإعادة البناء.
و يعزز هذه العقيدة و المفهوم إفتقار إسرائيل للعمق الإستراتيجى ، ويقصد بالعمق الإستراتيجى تلك المسافة بين الخط الأمامى الذى يمكن لدولة ما أن تحافظ فيه على قوات عسكرية للدفاع عن نفسها ، وبين الأرض الحيوية لها ، بما يسمح لمواجهة الأعداء بعيداً عن مقدرات الشعوب لتقليل الخسائر و بما يسمح لها بالإنسحاب عند الضرورة و إعادة البناء .
بالنظر إلى الوضع الحالى و مقارنته بالعقيدة التى إعتادت عليها دولة الإحتلال سنجد إنها لم تعد تعتمد على الحروب الخاطفة قصيرة الأمد كما كان فى جميع حروبها السابقة بما فى ذلك هجماتها على غزة ، حيث نجد أن حرب غزة دخلت فى عامها الثانى ، و فيما يخص العمق الإستراتيجى لم تمتلك إسرائيل عمقاً إستراتيجياً و كان حلم الدولة منذ نشأتها فى 1948 ، أن يكون لها عمقاً إستراتيجياً يفرض على أعدائها المواجهة خارج نطاق حدودها الحيوية ، و كانت محاولاتها إحتلال سيناء و هضبة الجولان و مزارع شبعة فى لبنان ترجمة واقعية لهذا الحلم ، و لكن لم يكتب لها تحقيق هذا الحلم لعقود ، و يمكن ملاحظة شهيتها لتحقيق هذا الحلم التحرك العسكرى السريع بعد ساعات من إعلان سقوط نظام الأسد الذى تأجل لسنوات ليتزيل قائمة الأنظمة المنهارة فيما أُطلق عليه ثورات الربيع العربى.
ولعل تأجيل سقوط حكم الأسد فى سوريا كان له عظيم الأثر فى كشف نوايا و مخططات تم إعدادها منذ عقود لتغيير ملامح منطقة الشرق الأوسط جغرافياً و سياسياً ، و قد أعلنها رئيس وزراء دولة الإحتلال صراحة فور سقوط النظام السورى ، و يعلن بكل ثقة أن هضبة الجولان أصبحت ملك لدولة الإحتلال إلى الأبد ، و يسرد ضربات قواته المسلحة التى تستهدف ما تبقى من بنية تحتية للجيش العربى السورى ، و توغل قواته فى العمق السورى ليصنع ما أطلق عليه منطقة عازلة ، أو عمق إستراتيجى لدولته .
بناء على ما تقدم نجد أن الثورات العربية التى خرجت فيها الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها و تدمير جيوشها و مقدراتها بإيعاز من أشباح و عملاء الفوضى الخلاقة التى كشفت عنها وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة “كوندليزا رايس ” ، نجد إن من نتائج هذه الثورات أن إسرائيل أصبح بإمكانها أن تخوض حروب طويلة الأمد بعد أن أخرجت الثورات العديد من الدول العربية خارج نطاق القوة ، الأمر الذى أثقل كاهل الدول الأخرى التى تمتلك القوة ، بالأضافة إلى تقديم بعض الشعوب مفاتيح أراضيها لتحتلها ، فالمشهد التمثيلى الأحدث و الأبرز أن حركات التحرر فى سوريا دمرت جيشها ، و فوضت إسرائيل لتدمير ما تبقى ، لتغرق سوريا فى ظلام مستقبل مجهول سيمتد حتماً إلى عقود أو قرون .
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.