
أيام قليلة ويهل علينا شهر رمضان المبارك , ويرغب معظم الأطفال خلال هذا الشهر الكريم خوض تجربة الصّيام، والاقتداء بوالديهم في تعظيم الشعائر الدينية، والالتزام بهذه العبادة الجليلة، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على حالتهم النفسية. ولكن تحمّل الجوع والعطش طوال اليوم ليس بالأمر السّهل في البداية، ويحتاج إلى اتباع نصائح غذائية وصحية ونفسية مهمة حتى نضمن التدرج السّليم في تجربة الصيّام لدى أطفالنا وخاصةً الأطفال المقدمين على الصيام لأول مرة..
متى يبدأ الأطفال صيام رمضان؟
لا يوجد عمر محدّد يمكن أن يكون مناسبا لكل الأطفال لبدء الصيام، ومن الناحية الطبية يفضل أن يكون للأطفال الأصحاء مع بداية البلوغ على الأقل أي بعد سن العاشرة تقريباً. يحب الأطفال عادةً خوض تجربة الصيام بداية من سن السابعة، لذلك ليس مهماً عدد الساعات أو الأيام التي يصومها الطفل، وإنما المهم هو التعود على أجواء شهر رمضان.
كيف يتدرج الطفل في عملية الصيام؟
على أولياء الأمور إتباع النصائح الصحية التالية حتى نساعد أطفالنا على بدء تجربة الصيام في ظروف صحية آمنة, التأكد من أن الطفل لا يعاني من أمراض عضوية مثل السكّري أو الأنيميا أو أرتفاع الضغط. أن يكون الصيام بشكل متدرج، مثلاً بزيادة ساعة أو اثنتين كل يوم، لكي تكون هناك فرصة للجسم لاعتياد الحرمان من الطعام بشكل متدرج وليس مفاجئاً. فمثلاً، يمكنه البدء بالصيام من فترة العصر إلى المغرب، وليس من الصباح إلى الظهيرة؛ لأن ذلك يساعد الطفل في مشاركته فرحة الإفطار ويشعر بالإنجاز الحقيقي لأنه شابه الكبار في أفعالهم، والأهم أنه يشجعه على الصيام طوال اليوم لأنه بالفعل يكون قد جرّب الصيام لعدة ساعات ونجح في القيام بذلك. وبعد ذلك قم بزيادة عدد ساعات الصوم نصف ساعة أو ساعة بحسب طاقة طفلك حتى يصوم من الظهر إلى المغرب وهكذا. وعلى الأهل مراقبة أطفالهم خلال الصيام وأن شعر الطفل بالتعب أو لم يستطع تحمل الصوم يجب قطع الصوم والإفطار فوراً.
كيف نشجع ونحفز أطفالنا على تقبّل فكرة صّيام شهر رمضان الكريم ؟
تعريف الطفل بفوائد الصيام الصحية: على أولياء الأمور أن يكونوا هم أولاَ على علم ودراية ولديهم معلومات عن عن فوائد الصيام وكيف يمكن أن يؤثر إيجاباً على صحة الإنسان. وإذا لم يكن لديهم معلومات فيمكنهم البحث من خلال الإنترنت أو مشاهدة فيديوهات خاصة بذلك على منصة يوتيوب. فهذا سيساعد على فهم الصيام بشكل أفضل ومن ثم تعريف الطفل بهذه الفوائد. مع الأخذ في الاعتبار عمر طفلك وقدراته العقلية. وتذكر أن الأطفال في سنواتهم الأولى يميلون إلى الفهم المنطقي، فإذا أكدت لهم أن الطب الحديث يؤكد على أن الصيام يساعد في تطهير الجسم من السموم ويمنح الشعور بالنشاط، سيكون ذلك دافعاً إيجابياً لهم للصيام.
تحدث مع طفلك عن ثواب صيام شهر رمضان الكريم عند الله: من بين أهم مبادئ التربية تنمية الجانب الروحي للأطفال، فحتى لو كانوا صغار السن، فإنه ينبغي أن نتحدث إليهم عن الله والجنة التي يفوز بها مَن يتقرب إلى الله بالعبادات وخاصة الصيام. يمكنك أن تستخدم هذه الطريقة المميزة لتشجيع الأطفال على الصيام.عرفهم أن الله الذي خلق الجنة أمرنا بالصيام للتقرب إليه ولطاعته، وأن كلما زادت طاعتنا لله، كلما زاد الجزاء.
أجعل طفلك يعيش فرحة وأجواء رمضان المبهجة: قم بخلق جوٍّ ممتلئ بالبهجة والسعادة مرتبط بالشهر الكريم، فالأطفال الذين يعتادون الأكل في أي وقت يجدون من الصعب تصوّر فكرة الامتناع عن الطعام والشراب طوال النهار، لا سيما لمدة شهر كامل. لذا، يُقترح إدخال جوٍّ من السرور والبهجة إلى المنزل لتخفيف هذا الخوف. ابدأ بتزيين المنزل باستخدام الفوانيس والأشكال الورقية الملونة الزاهية، بالإضافة إلى الزينة بأشكال مختلفة. دع طفلك يساعدك في اختيار وشراء هذه الزينة ومساعدتك في تعليقها في المنزل في الأماكن المناسبة. فهذه الطريقة تُعتبر من أهم الطرق لتشجيع الأطفال على الصيام في شهر رمضان، وتُعزّز من شعورهم بقدوم الشهر الكريم.
اطلب مساعدة طفلك في تحضير المأكولات والمشروبات والحلويات: رمضان شهر الكرم؛ فيكثر به إعداد أصناف كثيرة من المأكولات والمشروبات المختلفة، لذا يمكنك أن تشجع طفلك على الصيام من خلال جعله يساعدك بإعدادها.إجعل طفلك يشارك في اختيار وجبة الافطار والأطباق التي يفضلها, على حسب سن الطفل يمكنك البدء معه، فمثلاً إن كان طفلك في سن صغير اجعله يحضر لك الأدوات من المطبخ ويقوم بتنظيفها وغسلها، إن كان أكبر يمكنه إختيار وشراء بعض الأشياء من المحلات المجاورة فى وجودكم . هذه الأشياء يمكن أن تساعد طفلك بأن يربط طقوس رمضان اليومية بالفرحة والبهجة اللذان يؤثران إيجابيًا على شعوره برمضان ويشجعه على الصيام فيه.
كيف يمكن مساعدة طفللك على تحمّل ساعات الصيام في شهر رمضان الكريم؟
إهتمى بما تقدميه في وجبة السحور لطفلك واختارى وقتها: على الأم تأخير السحور بقدر الإمكان لما قبل أذان الفجر بقليل لأن هذا يقلل المدة الفعلية للامتناع عن الأكل. كما يجب على الأم اختيار المأكولات التي تساعد طفلها على تحمل الصيام من خلال إختيار بعض الأطعمة التي تساعد على تعزيز شعور الطفل بالشبع، ومن أهم تلك الأطعمة: الموز واللبن اللذان يتميزان بالخفة على المعدة.
إختارى طريقة مناسبة ليقضي طفلك نهاره وهو صائم: يمكن إستخدام أيا من هذه الطرق الأفضل لطفلك: اشغال طفلك طوال نهار رمضان يمكن أن يساعده على عدم التفكير في الطعام، عن طريق ترتيب بعض الأمور المنزلية أو الخروج لشراء بعض الإحتياجات مع الأهل. أو جعل الطفل في حالة استرخاء شديدة حتى لا يبذل أي مجهود ومن ثم لا يشعر بالجوع.
لكن الطريقة الأكثر منطقية أن تجعلى نهار طفلك مشغولاً بالأنشطة التي يفضلها بشرط ألا تتطلب مجهوداً جسدياً كبيرًا، فمن الممكن أن تختارى لطفلك نشاطًا يدويًا يقوم به مثل الرسم أو التلوين أو اللعب بالصلصال او أن يشارك في إعداد الافطار. فهذه الأنشطة يمكن أن تساعد على تمضية الوقت وتأخذ كثيرًا من تركيز الطفل بعيدًا عن البحث عن الطعام بالإضافة إلى أن الطفل قد يستغرق بها وقتًا طويلاً دون الشعور بأي ملل.
حاولى أن تجعلى طفلك شريكًا في عبادات رمضان: أشرِكى طفلك فى فعل الخير بمختلف أشكاله وجميع العبادات. من الممكن أن يقوم بمساعدتك في إعطاء الفقراء والمساكين المال أو الطعام أو الملابس أوأي شيء يُدخل في قلبهم السرور، كما يمكنه مساعدتك في توزيع التمر والماء على السائقين والمارة في الشوارع وقت الإفطار. هناك الكثير من الأفكار والأفعال لنشر الخير في رمضان يمكنك أن تجعل طفلك شريكاً فيها والتي ستشعره بشعور مختلف. يمكنك أن تأخذى طفلك معك للصلاة في المسجد أيضاً؛ فذلك سيعزز ربط الطفل بالجو الروحاني للشهر الفضيل بالإضافة إلى أنها تشجع الأطفال على الصيام في رمضان.
قدّمى لطفلك وجبة صحية متوازنة على الإفطار تزوده باحتياجات جسمه من جميع العناصر الغذائية كالفيتامينات والمعادن والبروتينات وغيرها، فذلك لن يشعره بالتعب والإرهاق بعد الإفطار وسيشجعه على تكرار تجربة الصيام التي خاضها.
خذى رأي طفلك وأشعره بأهميته: اسأل طفلك ماذا يحب أن يأكل من طعام على الإفطار أو ما أكثر الأكلات التي يشعر بالحاجة إليها؛ فذلك يشجعه ويحفزه على الصيام.
أخطاء يقع بها الأهل عند تشجيع الاطفال على الصيام
إن كنت تبحث عن طرق تشجع بها الاطفال على الصيام فعليك أن تعلم يقينًا أن تلك التجربة ما زالت بالبداية وأن الطفل الذي تشجعه على الصوم ليس فردًا بالغًا مكلفًا لذا عليك أن تتقبل بعض الإخفاقات في بداية تلك التجربة. عليك مثلاً أن تتخيل أن يرفض ابنك الصيام بالأساس، وهنا عليك أن تشجعه مرة أخرى وتعرفه بالصوم وقيمته. أو تتقبل كيف يمكن لطفلك أن يطلب الإفطار بعد مضي بعض الوقت، بالطبع لا تستجيب مباشرة حتى لا تهتز قيمة الفريضة بداخل الطفل لكن عليك ألا تشق عليه فهو ما زال غير مُكلّف ومن هذه الأخطاء مايلى:
اتهام الطفل بالكذب أو نعته بأي صفة سيئة: من منا لم يسمع عن الشخص الكبير الذي حكى أنه قام ببعض الحيَل في أثناء فرض الصيام عليه في صغره، ومن أشهرها أن يقوم بشرب بعض الماء في أثناء غسل الوجه أو الاستحمام. وبالتأكيد هناك بعض الأطفال يقومون بتلك الحيل في عصرنا اليوم، إن اكتشفت أن طفلك من هؤلاء الأطفال، لا تتهمه بالكذب مطلقًا ولا تخوفه أو ترهبه. بل فهمه حقيقة الأمر وأخبره بالخطأ الذي ارتكبه وأن الأمر يمكن إدراكه، ولا تتهمه بضعف العزيمة حتى لا يترسخ بداخله أن عبادة الصوم عبء ثقيل عليه وأن الالتزام به يحتوي على الكثير من المشقة.
مقارنته بغيره من أقرانه: تذكر دائمًا أن التربية سلسلة متصلة لا يمكن فصل أي منها عن الأخرى، لذا إن كانت المقارنة مرفوضة في كل السلوكيات، إلا أنها تبقى في العبادات كارثة حقيقية. تخيل أن ينشأ الطفل والدافع الحقيقي لتأديته لأي عبادة هو تقليد الآخرين وليس الالتزام بأوامر الله.
تخويفه بالنار أو العقاب: بالطبع يفهم الراشدون مبدأ الثواب والعقاب ويعبدون الله بالترغيب والترهيب في الوقت ذاته، لكن الأطفال بخيالاتهم الواسعة لن يفهموا الخوف، ونحن هنا نتحدث عن أطفال ما زلنا نشجعهم على الصيام، أي تتراوح أعمارهم بين السادسة والثامنة. التخويف بعقاب الله قد ينشأ عنه العديد من الاضطرابات في ذلك السن الصغير، لذا من الأفضل استخدام الترغيب وتعريف الطفل بمدى رحمة الله وغفرانه.
عدم الإجابة عن أسئلة الطفل:قد يسأل الطفل عن سبب فرض الصيام ومن فرضه، وعن أسباب عدم صيام الجد الكبير بالسن، والعديد من الأسئلة الأخرى -بل من الصحي أن يفعل هذا- لذا عليك أن تجيب عن كل تلك الأسئلة بدقة ولا تمنع الطفل من طرح أي سؤال أياً ما كان.
ما هو النظام الغذائي الصحّي للأطفال خلال صّيام شهر رمضان الكريم؟
يجب ان يهتم الأولياء بالوجبات المقدمة لأطفالهم خلال عملية الصوم عن طريق:
تقديم التمر أو العصير في بداية الإفطار لأنهما غنيان بالمعادن والفيتامينات والألياف والسكريات، أي الطاقة السريعة لتعويض النقص خلال الصيام.
تقديم شوربة دافئة لتعويض السوائل المفقودة والأفضل أن تكون من الخضار.
يفضل تجهيز خضار على مائدة الإفطار، سواء مطبوخ أو طازج كالسلطة، لأنها غنية بالماء والفيتامينات.
يراعى إذا أمكن أن يحتوي الطبق الرئيسي على البروتينات ( الموجودة في اللحوم بأنواعها المختلفة، السمك، والبيض)، وكذلك على النشويات كالأرز، البطاطس ).
الإقلال من تناول الحلويات الغنية بالدهون والسكريات.
الحرص على تناول الفواكة والخضر ومنتجات الألبان لأنها غنية بالكالسيوم الضروري لنمو العظام.
ينصح بتأخير وجبة السّحور قدر الإمكان لكي تكون قريبة من موعد بدء الصوم وحتى تمنح الطفل الطاقة اللازمة.
ختاماً، عليك أن تدرك أن تربية الأطفال وتنشئتهم على مبادئ وتشريعات الدين هو ليس بالأمر الهيّن وخصوصاً في هذا الزمن؛ بل يحتاج للجهد المتواصل من التحاور والإقناع والصبر عند وقوع الخطأ والمحاولة أخرى.
بقلم ..أ.د/ كريمة فؤاد الشامى
أستاذ التمريض بجامعة المنصورة وأمينة المرأة لحزب حماة الوطن محافظة الجيزة
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.