
يا كثرهم هالطيبين، مثل أبو فهد، رجال شقى عمره كله عشان عياله وبيته. ما خلّى شي إلا وقدمه، يشتغل ليل ونهار، ويكدّ وهو ساكت، ما همه التعب، همه يشوفهم مرتاحين.
يوم كانو صغار، هو اللي يلبّي طلباتهم، يضحك لهم وهو تعبان، يركض ورا رزقهم، ينسى نفسه عشان ما ينقص عليهم شي. حتى زوجته، دلّلها، ووقف معها فالشدايد قبل الهنا.
لكن يوم كبرت سنينه، وتقاعد، وصار محتاج كلمة طيبة.. ما لقى إلا الجفا.
اللي ربّاهم، كبّروه وهم صغار، صاروا يشوفونه عبء. مجلسه ما عاد له طاري، كلمته صارت ثقيلة، وإذا طلب شي، قالوا: “وش نبي نلحق؟”
حتى زوجته، اللي كانت تسند عليه، ملت وتغير حالها.
وصارت الطامة يوم قالوله:
“يمّه، يبّه.. ما عاد فيه غرف فاضية فوق، خذ لك القبو، أهدى، وأنت تبي الراحة”.
القبو؟ اللي ما يسكنه إلا كراتين التخزين؟
القبو؟ بعد هالعمر كله؟!
نزل وهو ساكت، ما ردّ، ولا قال لهم شيء، بس قلبه تكسّر. جلس على فراش بارد، وتذكّر يوم كان يسهر على مرضهم، يوم كان يحرم نفسه عشان يلبّيهم.
قال بصوت مخنوق:
“الله لا يوريكم شلون طعم القهر، إذا جاكم من عيالكم”.
وين الوفا؟ وين الحنية؟
اللي ينزل أبوه للقبو، ترا ما نزل بس جسده.. نزل كرامته معه.
وأبو فهد؟ للحين عايش بينهم، بس كنه ميت.. ينتظر فرج من رب العالمين، يمكن بكرة أحد يحنّ، يمكن تجي لحظة صحوة.
وإن ما جت، فالدنيا دوّارة، واللي يزرع قسوة.. ما يحصد غير الندم.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.