فلسفة البناء
1 :المصالحة بين الفرد والجماعة, العلاقة بينهم
شكلت هذه القضية أعقد قضايا الإنسان عبر التاريخ, علاقة الفرد بالجماعة, ومن هو الأولي على الآخر ومن الأهم في الوجود, من يخضع للأخر ومن يصنع من, وطبيعة هذه العلاقة وأبعادها عبر التاريخ إلى عصرنا الراهن, وقد اختلف العلماء و الباحثين والفلاسفة حول هذا الأمر الشائك والبالغ التعقيد
ولم يعرف التاريخ البشري حتى الآن حسب معلوماتنا سوى نظامين أساسيين, نظام يركز على الفرد ويمجده ويتيح له الفرص لدرجة السيطرة على الجماعة واستغلالها لصالحه الخاص, ونظام آخر يسحق الفرد ويلغي وجوده ويحوله إلى آلة منفذة لمصالح الجماعة بل أداة كاملة, لها لدرجة تفقده أي حرية فردية شخصية سوى أوهام لا معنى لها,,
ففي نظام الجماعة ما معنى خضوع الفرد إلى عشرين عام من التربية وتلقي المعلومات والتربية , وجميعها مواد عليه حفظها وإتقان تطبيقها كما هي بحذافيرها الصغيرة, وإلا اعتبر فاشل وغير كفؤ, و تعطيه الجماعة الإجابة الجاهزة على كل شيء ممكن أن يتساءل حوله, وبعد ذلك يقال له أنت حر الآن في خياراتك اذهب وعش, أي حرية بعد أن طبعناه كما تطبع العملة, وهل بقي له متسع للخيار
طالما حددنا له مسبقاً كيف عليه أن يتعامل مع كل الأشياء, ماذا بقي له ليختار, إنها لعبة خادعة وفاشلة وقاتلة لكل إبداع وتجديد, فالإنسان بالفطرة يولد فيلسوف وفضوليا ومفكرا ومتسائل فتاتي التربية والتعليم لتقضي على كل هذه التساؤلات وتضع مكانها إجابة واحدة وسريعة, تغلق الباب أمام العقل والتفكير والمنطق وبذلك يتحول الإنسان إلى آلة لا يحلم ولايفكر إلا في نطاق ما تلقاه من معارف
وبما لا يخرج عن رؤية وتفكير وطموح هذه الجماعة,, مما يحوله إلى مجرد أداة مقيدة فقط بما تحتويه من برامج, أي ما يشبه جهاز الحاسوب, لا تحتوي إلا على ما وضع به من برامج.
والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى, فجميع الأنظمة العشائرية والقبلية الدينية المتشددة , أنظمة قمعية للفرد وهي أنظمة شبه شمولية جماعية تشكل الكارثة على حرية الفرد وحياته , وقد يقتل الفرد أحياناً لأتفه الأسباب بالنسبة لثقافات مغايرة لثقافته , وهنا تتجلى ثقافة القطيع , والتي أصبحت من أخطر الظواهر الذي يعيشها المجتمع البشري المعاصر, وكذلك الأنظمة السياسية الشمولية الدكتاتورية هذه جميعها أنظمة جماعة وأنظمة متناقضة مع ذاتها والحقيقة والطبيعة الإنسانية وطبيعة الحياة ذاتها أيضاً.
أما فرديا :
أصبح شائع اليوم ومعروف النزعة الحديثة للفردية المفرطة (الليبرالية الجديدة) , وهي نزعة نحو خصخصة كل شيء في المجتمع وتحويله إلى تجارة وربح واستثمار, من الثقافة والفكر والفنون والتعليم إلى الصحة وجميع الخدمات الضرورية للمجتمع الحديث, وإشاعة مجتمع الفرص للأقلية القليلة تحت أسماء مستعارة مثل المجتمع الحر والحرية الفردية, وغيرها من الشعارات الكاذبة من النظرة الأولى
حيث لم يوجد حتى الآن نظام أسوأ وأكثر استغلال وعبودية وتدمير للأغلبية الساحقة من المجتمع لصالح الفرد المالك الثري صاحب الفرصة , من بين ملايين الأشخاص , وهذه الملايين يجب أن تخضع له فهو المحظوظ الذي تمكن من اجتياز المعيقات من بين ملايين الأفراد, إنها كارثة وليس مجتمع
ولا حتى الحيوانات والقطعان تحتوي على وبهيمية أسوأ من ذلك , وهذا النظام يحول الجماعة بكاملها إلى عبيد , إن العالم يعيش حالة من الاضطراب الفكري والاجتماعي والأخلاقي على هذا الصعيد ولم يوجد حتى الآن نظام واحد أو تجربة وازنت بين الفرد والجماعة , ولا حتى في أكثر الأنظمة إدعاء للأنسنة.
فجميع الأنظمة التي عرفناها ما زالت محصورة بين نظامين لا ثالث لهما, نظام الفردية, ونظام الجماعة المسيطرة , و كلاهما نظام غير متوازن وفاشل في تحقيق التوازن الاجتماعي, وفي كلا النظامين البشر يتحولون إلى قطعان تصنع وتصك كما تصك العملة ليصبحوا ذات لون واحد وضربة واحدة وفكرة واحد, أي قطيع في النهاية وبذلك نحصل على نتيجة واحدة من كلا النظامين الحاليين التي بحوزتنا
أليس هذا بشيء مخجل حقاً, لنكف عن التباهي بالحرية والشعارات الزائفة ودعنا ننظر إلى الواقع كما هو ونضع العلاج المباشر بدون لف ودوران حول الموضوع بدون إصابة جوهره, وتركه دوماً خلفنا وليس أمامنا, الآن المرض يجب أن يعالج بلا تأجيل طالما الداء واضح الأسباب والدواء متوفر.
فلا يوجد أفضلية للفرد على الجماعة ولا العكس بل هي علاقة توازن بين الفرد والجماعة , والفرد يحتاج الجماعة والجماعة تحتاج الفرد, إنها طبيعة حياة الكائنات التي تعيش في جماعات وقطعان, والإنسان من ضمنها, وننصح من يرغب في التوسع في هذا الأمر العودة إلى كتاب الشيفرة الكونية وسيجد مادة مفصلة حول هذا الموضوع الهام, و في كتاب العبودية المقنعة (العبودية المقنعة).
إن الطموح الإنساني البعيد المدى لا بد أن يصل لهدفه في تحقيق العدالة والمساواة والأمن للإنسان, وهذا معناه أن الإنسان بحاجة إلى مجتمع متوازن يحقق فيه الأفراد طموحاتهم وذاتهم دون استعباد الجماعة لهم, أو استعبادهم للجماعة, إنها ليس قضية أخلاقية أو طموح خيالي مثالي المنال, بل قضية تحتاج إلى أرضية أساس لإقامتها, أي أساس مادي مباشر وليس معنوي مجرد, أي بنية اقتصادية اجتماعية ومفاهيمية شاملة, نظام اجتماعي متوازن يحقق التوازن الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي بين الناس ويوفر الفرص للجميع بشكل متساوي , وكلاً وحاجاته و حسب طاقته وجهده.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.