سنخوض هنا في غمار الاساليب التربوية السليمة التي يمكن أن تلعب الدور الرئيس في تنشأة الشخصية وسوف نطرحها بشكل مبسط ويسير بعيدا عن المصطلحات السيكولوجية والفسيولوجية التي من الممكن أن تعسر فهم القارئ البسيط لهذه المادة التي نهدف الى جعلها مفهومة للعامة والخاصة على حد سواء .
سوف نعتمد على عنصرين هامين من خلالهما سوف نرتكز على أسس التربية السليمة وهذين العنصرين هما الأب والأم :
أولا : المقومات ؟..
ان المقومات المطلوبة من الأب والأم ليست شهادات عليا ولا مؤهلات عالية بل المطلوب منهما هو امتلاكهما للعصا السحرية التي هي سر نجاح التربية وسر نجاح أي أسرة وهذه العصا السحرية تتلخص في الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين واستخدام لغة الحوار لحل أي اشكالية يمرون بها عن طريق الحوار الهادئ والتفاهم بعيدا عن التعصب والعصبية وبعيدا عن لغة الجدال وتقبل الرأي والرأي الآخر بكل رحابة صدر وهدوء وتقسيم الأدوار فيما بينهما بطريقة هادئة ومتفق عليها حتى يكونوا قادرين على انشاء أسرة وتربية أبنائهم بشكل مخطط له ومدروس ومبني على أسس متينة وعلاقة حضارية وراقية تمكن من احتضان الأبناء وتوفير أجواء هادئة وسليمة تملأ المنزل بالطمأنينة والسكينة وتمهد الطريق أمام قدوم أعضاء جدد في العائلة ألا وهم الأبناء.
ثانيا: الأساليب ؟….
بعد ان تحدثنا عن المقومات المطلوبة وهي سهلة وبسيطة وتطبيقها سوف يعبد الطريق أمام الأساليب الناجحة في التربية فسوف نوضح شيئا مهما هنا وهو الأسلوب الأول والأساس في التربية السليمة وهذا الأسلوب سوف يقوم على أساس العدوى في التربية وينقسم هذا الأسلوب الى عدة أقسام نفصلها كالآتي:
أولا : حين ينشأ الطفل في أحضان أم وأب متحابين ويحترم كل منهما الآخر أمام طفلهم ويخاطبون بعضهم البعض بتهذيب ويخاطبون طفلهم بكلمات دافئة ومهذبة فانهم بذلك سوف ينقلون عدوى الكلمات المهذبة وعدوى الأسلوب الراقي في الحديث الى طفلهم بشكل تلقائي ودون عناء فالطفل في بداية نشأته يكون كصفحة بيضاء تملي بها ما شئت وبهذا سوف يتعلم أسلوب والديه الراقي والمهذب عن طريق المعاملة اليومية فيما بين الوالدين وفيما بينهم وبين طفلهم .
ثانيا : تقاسم الأدوار بين الأبوين بحيث لا يعمل الأب على كسر كلمة الأم أمام طفلها كأن تكون الأم قد أمرت طفلها بعدم أكل الحلوى على سبيل المثال فيأتي الطفل لأبيه فيسمح له الأب بما منعته عنه الأم فيقوم بذلك باشعار الطفل أن لا سلطة لأمه عليه فيصبح الطفل متمردا على أمه وخاصة في حضور الأب والعكس صحيح اذا قامت الأم بكسر كلمة الأب لطفها لذلك فيجب على الوالدين احترام قرار كل منهما الآخر بخصوص طفلهما حتى لا يتركوا مجالا لأفساد تربيته .
ثالثا : عدم حل الخلافات الزوجية على مسمع من الطفل وعدم الحديث بصوت مرتفع وصاخب يشعر الطفل أن أبويه متشاجرين لأن ذلك سوف يؤذي مشاعر الطفل ويسبب له الاكتئاب والخوف وعدم الاستقرار العاطفي والصراع النفسي لأنه لا يستطيع أن يحدد موقفه تجاه أحد الأبوين فحتى لو كان الأب على حق فلن يستطيع الطفل أن يأخذ موقفا تجاه الأم لأنها أمه ويحبها ولو كانت أيضا الأم على حق فلن يأخذ الطفل موقفا تجاه الأب لأنه أبوه ويحبه أيضا لذلك فان معرفة الطفل بالخلافات الزوجية وتدخله بها سوف يمزق شخصيته ونفسيته شر ممزق .
رابعا : اظهار الأبوين حبهما كل للآخر أمام طفلهما بحيث يرى الطفل ويسمع كلمات الحب والتقدير من الأب للأم ومن الأم للأب فذلك سوف يشعره بدفء العلاقة بين أبويه ويشعره بالطمأنينة والراحة والهدوء النفسي لأن الطفل أحب ما عليه أن يرى والديه سعداء ويحب كل منهما الآخر وهذا سوف يلعب دورا كبيرا في خلق شخصية متزنة وخالية من العقد النفسية التي تنشأ لدى الطفل في حال لم يرى أبويه متحابين .
خامسا : الصدق في المعاملة داخل البيت فيما بين الأبوين وفيما بينهم وبين الطفل بحيث لا يجوز اطلاقا أن تعد الأم طفلها بشيء كهدية أو مكافأة حتى لو بالمزاح دون أن تفي بوعدها وكذلك الأب فحين يكون الطفل قد تعود على والديه بأنهما يوفون بوعودهم فان ذلك سوف يكون قاعدة من الثقة التي لا تتزحزح بين الطفل وأبويه بعكس ما سيحدث اذا اعتاد أحد الأبوين أو كلاهما أن يطلق وعودا عن اليمين وعن الشمال دون الوفاء بها لأن ذلك سوف يهدم الثقة هدما محتما بين الطفل وأبويه فتتصدع العلاقة بينهم وينتهي الأمر بفجوة كبيرة بين الأبوين وطفلهما وسيمضي حياته دون أن يصارحهما بمشاعره ولا بمشاكله كونه فقد ثقته فيهما .
سادسا : احترام الأبوين للطفل أمام أقرانه وأمام الأهل والأقارب وأمام الأصدقاء وعدم توبيخه أو زجره أو لومه على أي خطأ ارتكبه أمام أي أحد مهما كان لأن ذلك سوف يضعف شخصيته ويشعره بالحرج من نفسه ويخلق منه انسان ضعيف الشخصية لا يقوى على الاختلاط بالمجتمع ويواجه صعوبة كبيرة في التأقلم مع أقرانه ومع زملاء المدرسة فيما بعد وسيكون ذا شخصيه هزيلة لا يحترم نفسه كونه قد فقد كبريائه وفقد ماء وجهه بعد توبيخه أمام الناس لذلك يجب الانتظار حتى العودة الى المنزل ولومه أو توبيخه بطريقة راقية ومقبولة دون جرحه ودون اهانته وبسرية داخل البيت ودون علم أحد وبهذا سوف لن يقبل أن يكرر خطأه خشية فقدانه احترام والديه له وليس خوفا منهم وهذا أهم بكثير من خوفه منهم لأنه سوف يعمل على الحفاظ على احترام أبويه له لكي لا يقع في الاحراج مع والديه .
سابعا : عدم مدح طفل على حساب طفل آخر وعدم ذم طفل على حساب آخر حين يكون في العائلة عدة أطفال وعدم تفضيل طفل على آخر أو ذكر على انثى أو كبير على صغير فعندما تمدح طفل على حساب ذم أخيه فسوف تخلق بينهم الغيرة والبغضاء والحسد وتزرع الشقاق بين الأخوة وكذلك حين تذم طفل على حساب مدح أخيه فسوف تجعله يكره أخيه ويشعر بأنه سبب بخطف حنان وحب أبويه منه فينازعه باستمرار ويكرهه وتكون قد زرعت الفرقة بين أبنائك دون أن تعلم وكذلك حينما تفضل طفل على الآخر أو ذكر على انثى أو كبير على صغير فذلك سيخلق الكراهية بينهم والتنافس على حب الوالدين مما يخلق الفساد في علاقة الأخوة بعضهم ببعض فحذاري حذاري من هكذا أسلوب فهو خطير جدا وعواقبه وخيمة على الأبناء والآباء في آن معا .
ثامنا : عدم التكلم مع الطفل بلسان الطفل وبلهجة الطفل وبلكنة الطفل بل التكلم معه بشكل طبيعي وبلسانك أنت وبلهجتك أنت وكأنك تتحدث مع شخص كبير لأنه هو الذي سيتعلم منك وليس أنت من سيتعلم منه وهو سوف ينضج ويتعلم بشكل سليم أفضل حين تخاطبه وكأنه كبير بذلك سوف ينطق نطقا سليما مباشرة دون المرور بمرحلة التأتأة ومرحلة التلعثم كونه يسمعك فيقلدك تماما ( كالببغاء) مع عدم التشبيه ولكن للتوضيح فلو أمعنت النظر وألقيت السمع الى أمهات وآباء الأمريكان والأوروبيين لسمعتهم يتحدثون مع أطفالهم وكأنهم كبار وهذه ميزة جيده لديهم فلماذا لا نكون أفضل منهم ونحن أصحاب اللسان العربي ولغة الضاض وكفانا فخرا وعزة بأن الله أنزل القرآن الكريم بلسان عربي فلنتكلم بلغتنا العربية مع أطفالنا ولا نبدأ تعليمهم باللغة الانجليزية ولنعتز بلغتنا العربية بدلا من أن نكون سعداء بأن أول الكلمات التي ينطقها أبناؤنا وللأسف الشديد هي كلمات أجنبية لا ضير في تعلم اللغات ولا ضير في المعرفة ولكن الضير حين تطمس لغتك الأم وتطمس هويتك العربية الأصيلة وتظن أن ذلك رقي وتقدم و(أتكيت) لا وألف لا فأبناؤكم أمانة في أعناقكم فعلموهم التفاخر بأصولهم العربية وعلموهم لغتهم صافية دون خلط ودون تحريف وكلموا أطفالكم بكلمات نقية وواضحة وصافية وبطريقة مهذبة لكي ينشأوا مهذبين وأصحاء.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.