إعلان ثابت

خدمة مميزة يقدمها الاتحاد لأعضائه:
صمم موقعك باحترافية وابدأ رحلتك الرقمية اليوم

اضغط على الصورة للتفاصيل
إعلان

التنمية المستدامة جذور إشكاليات وحلول)  فى الحروب و العنف الاجتماعي

رماز الأعرج

0

(الحلقة الخامسة)

الفصل الثاني

في الحروب و العنف الاجتماعي

4 الحروب

الحروب من اكبر المخاطر على البشرية وعلى الطبيعة والمجتمع البشري بشكل عام والحياة أيضا , وذلك لشمولها على الكثير من الأبعاد والخلفيات والتعقيدات , وتشكل الحروب اكبر معضلات القرن الماضي والقرن الحالي , وهي من اكبر وأكثر المعيقات على تحقيق برامج ومشاريع التنمية المستدامة وموارد الطبيعة , وللحروب أنواع متعددة , ومستويات متعددة , ولكنها جميعها تندرج تحت عنوان العنف والأعمال العنيفة لتحيق مصالح اقتصادية وسياسية معينة بالقوة وفرضها أمر واقع .

وموضوع الحروب لا يمكن إطلاقا أن يغطيه عنوان ما في ساق مادة بحثية , بل هو لوحده موضوع كبير وقديم وله الكثير من الأبعاد , وهنا في سياق هذه المادة سنقدم ملخص وجوانب ضرورية للمادة وسياقها وحسب , وهي مقتطفات من دراسة شاملة وبحث حول ظاهرة الحروب والعنف الاجتماعي قامت بها مؤسسة *سديم* للدراسات الفلسفية والعلوم الإنسانية .

أ : تاريخ الحروب ونشأتها

اختلف الباحثين والمفكرين منذ القدم على موضوع الحروب وتاريخها , متى نشأت هذه الظاهرة في سياق تطور وحركة المجتمع البشري , وأعتمد كل منهم على الخلفية الفكرية والأيديولوجية المنتمي لها , وبذلك مال البعض إلى اعتبار الحروب والعنف ظاهرة رافقت الإنسان منذ وجوده وهي أصيلة , ويبررون إنها موجودة في الطبيعة أصلا بين الحيوانات جميعها والطيور والحشرات وغيرها من الكائنات وهي نوع من صراع البقاء الطبيعي ليس إلا .

بينما اخذ الكثيرين اتجاه آخر في التفسير واعتبروا أن العنف الاجتماعي والحروب ظاهرة تاريخية نشأة في مرحلة معينة من تطور المجتمع , أما نحن فلا مع هذا ولا مع ذاك بل نتجه إلى الواقع ذاته ليعطينا الجواب الشافي .

وحين أتينا إلى التاريخ البشري القديم , من قبل نشوء نظام الملكية الإقطاعية السومرية , أي العصر الحجري الأول والثاني , لم يكن من وجود للحروب التقليدية , أو العنف المجتمعي والجماعي , ولم يكتشف حتى الآن أن البشر كانوا يخوضون حروب مع بعضهم البعض , رغم وجود الصراع والتنافس الطبيعي بينهم في تلك العصور القديمة.

تنافس طبيعي وطقوس وليس صراع كما صراع الحروب التي نعرفها اليوم والحيوانات لها نفس الطقوس ولا فارق سوى بمستوى الوعي والثقافة , ولو القينا نظرة خاطفة على الحيوانات , سنكتشف أنها لا تقتل بعضها البعض إطلاقا , و الافتراس ليس صراع بقاء بل هو غذاء طبيعي ووجبة لهذه الحيوانات , ومن ضمنها البشر , ألا نتخذ الكثير من الأنواع مصدر غذاء لنا , ونقتنيها و ندجنها , ونحبها وندللها ونرعاها ونطلق عليها أسماء خاصة بكل مننا ونصنفها , وبعضها نقتنيه للتسلية الزينة والترفيه , هل هذا صراع ؟؟ من هنا الخلاف الجوهري لرؤيتنا لهذه القضية في الفلسفة الحديثة (الشيفرة الكونية)

والحيوانات التي تتنافس وتتصارع في مواسم التكاثر لا تقتل بعضها أبدا والهدف ليس القتل , ولا يقتل الحيوان في هذا الصراع , وإن حصل فهذا أمرا نادرا وغير مقصود به القتل , والحيوانات عادتا تتوقف عن القتال حين يتعب احدها ويستسلم ونسحب أو ينهار أحيانا وتنتهي الجولة عند هذا احد , ولا احد يقتل الآخر , أو يحقد عليه لاحقا , بل هي طقوس موسمية تماما كما للبشر طقوس موسمية , وحدوها تقف عند مستوى لا يصل إلى القتل , بل هي أشبه برياضة ما وثقافة تمارسها هذه الحيوانات لتحقق قانون الانتخاب الطبيعي المعروف في الطبيعة .

وهذا الناموس الطبيعي كان وما زال موجود في المجتمع فهو قانون طبيعي ومن نواميس الطبيعة الحية , ولكن شكله وفعله وتجلياته لم تعد كما في السابق , و منذ الأصل لدى الإنسان خصوصيته في وجود هذا الناموس الطبيعي , وهذه الخصوصية لها علاقة بمستوى الوعي والثقافة للنوع , وبناء على ذلك يتحدد أشكل وجوده و تمظهره , ولكنه ليس ناموس يبرر القتل إطلاقا , والغذاء ليس قتل , ومفهوم القتل والحرب الصراع الاجتماعي العنيف يقصد به شيء آخر , أي عنف داخلي يقتل الآخر أو يخضعه لإرادته ويستغله لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية معينة .

أن الخوض في غمار التاريخ البشري القديم يعطينا فكرة واضحة عن الموضوع , ولدينا شعوب وسلالات قديمة يرجع تاريخها إلى ما يزيد عن 50 ألف عام , مثل شعوب استراليا الأصلية , حيث أثبت العلماء والباحثين المختصين أن شعوب استراليا هي أقدم شعب وثقافة موجودة على كوكب الأرض حتى الآن, وبعد الفحص والتحليل للحمض الننوي و الجيني اخذه الشعوب تنبين أن هذه السلالات يرجع تاريخها إلى أكثر من 50 ألف عام , وهذا يعني أن لدينا ثروة تاريخية حضارية وعلمية فريدة على كوكب الأرض , وهذه سلالات لم تختلط مع الآخرين طيلة فترة طويلة من الزمن وبقية معزولة عن العالم الخارجي .

هذا من أهم عوامل الحفاظ على هذه السلالة البشرية القديمة طوال هذه القرون الطويلة من الزمن , وكذلك الأمر حول ثقافة هذه الشعوب وأصالتها الضاربة في عمق التاريخ للمجتمع البشري , وهي نموذج حي أمانا ودراسته ذات قيمة علمية اجتماعية إنسانية تاريخية كبرى .

في ثقافة هذه الشعوب لم نعثر على أي اثر أو دليل واحد لوجود العنف الاجتماعي والقتل والحروب , طبعا قد تكون وقعت أحداث قتل ما ولظروف ما , ولكن ليس ثقافة ولا ظاهرة وطلاقا , بل ثقافة هذه الشعوب ثقافة مسالمة تحترم الطبيعة وتقدسها , وهي شعوب في الغالب لم تعتمد على التنقل و الترحال في دورات موسمية تمشيها و مسافات تقطعها مشيا على الأقدام , ولها طقوسها ونظامها الطبيعي المعتمد على ونظامها الأساسي وطبيعة المنطقة الجغرافية الطبيعة والبيئية .

واختلف هذا الأمر بين شعوب العالم القديم وثقافاتها وتنوع , ولكنهن في النهاية من الواضح إن الفترة القديمة التي سبقت الاستقرار في المستوطنات الزراعية الأولى لم يكن هناك حروب ولم تكون صراعات ذات طابع مستدام وحروب , ولا جيوش , وهذا بحسب التاريخ وعلم الآثار ظهر في مراحل متقدمة من تطور المجتمع البشري ,

ولا يوجد أي ذكر أو طقس واحد له علاقة بالحرب في ذلك العصر ولم نجده حتى الآن .

الحروب القديمة

كانت الحروب في قديم الزمان شيء آخر مختلف عن اليوم , ولم تكن الأسلحة المستخدمة فيها كما هي عليه اليوم , وكل عصر يعتمد على مستواه من التطور في كل شيء , وبما أن الحرب هي شيء مصراع مصيري بالنسبة للشعوب والأمم , وهذه يعني أنها بالضرورة أنها ستسخر كل إمكانياتها في هذه الحرب والقضية مصيرية في هذه الحالة والمغلوب سيدفع ثمن غلبته خسائر فادحة قد تنهي وجوده السياسي والثقافي في بعض الأحيان , كما حصل مع الكثير من الشعوب التي غلبت تم إلغاء لغاتها وثقافتها من الوجود , وانقرضت خلال بضعت عقود من الزمن .

وبما أن الإمكانيات الاقتصادية و الاجتماعية كانت محدودة حتما ستكون أدوات الحروب محدودة , ومهما سخر البشر من طاقات فلن يتمكنوا من إحداث قفزات نوعية كبيرة فارقة حلال فترة وجيزة , والتطور له مراحل ودرجات لا يمكن تجاوزها دفعة واحدة .

وفي الغالب كانت الوسائل المستخدمة يدوية أو على الأقل لا تحتاج إلا طاقة خاصة ولا يوجد لها ملوثات كبيرة مدمرة على الطبيعة المناخ والبيئة , ومهما بلغة مضارها تبقى محدودة ولا تذكر أما العصر الحديث .

وعلى الصعيد المدني والاجتماعي , كانت الحروب في الغالب تقع خارج المدن وتجتمع الجيوش في أماكن خالية من السكان , هذا كان يخفف من وقع المعارك والصراع المحتدم بين الطرفين على الشعب الأعزل المحايد أحيانا ولذي لا يمتلك أي مقومات أو قدرة قتالية أو حتى الدفاع عن النفس .

 

الحروب الحديثة و المعاصرة,,,

الحروب الحديثة هي حروب مدمرة بمعنى الكلمة , وخاصة بعد اكتشاف البارود والمواد الأخرى المتفجرة , والطاقة وغيرها من المعلومات والخبرات العلمية التي سخرت في سبيل الحروب والتسلح وإنتاج آليات ووسائل مدمرة لكل شيء يقع ففي نطاق فعلها الانفجاري أو الطاقي , مثل الطاقة النووية وغيرها من الإمكانيات والتقنيات الحديثة.

أدى استغلال هذه الإمكانيات إلى وصول البشرية إلى مستويات خيالية من طاقات التدمير وتطويرها وتخزينها , وجميع هذا المواد من البارود إلى المتفجرات جميعها من (تي ان تي) وغيره من المواد هي مواد ملوثة ومدمرة للطبيعة مضرة بالحياة وتترك أثارها على المدى القصير والطويل وفي كل شيء , من الهواء والمناخ والتربة والمياه الجوفية والبحار وغيرها .

ولا تقتصر الحروب الحديثة على المواد والتقنيات المستخدمة , بل هناك أشكال وطرق مواجهة وضرب للخصم على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية الثقافية السياسية وغيرها , لدرجة الحصار الشمولي المدمر لكل المقومات الاقتصادية الطاقات جميعها في كافة المجالات.

ومع تطور التكنولوجيا الحديثة أصبح هناك الحروب السيبيرية وهي حروب رقمية معلوماتية يشن بها احد الأطراف المتصارعة هجوم على مواقع الخصم الرقمية ويخترقها ويستحوذ على المعلومات وربما يتصرف بها , وقد تكون سرية , أو قد يحدث خلل في البرامج الشفرات وغيرها من الخوارزميات .

وفي جميع الأحوال تبقى الحروب التقليدية القديمة اقل خسائر وضرر على البيئة والمناخ المجتمعات بكل الأحوال الظروف , وذلك بحكم الأسباب السالفة الذكر ومن أهمها المواد التقنيات المستخدمة وغيرها من القضايا .

إن الحروب الحديثة حروب مدمرة لكل مقومات المجتمع البشري , و هي متشعبة ومعقدة ويتاجر بها بكل شيء , من البشر إلى الحجر و إمكانيات الحياة والتخريب والهدم , وكل شيء ورد ممكن أن يتاجر به في الحروب , ولا يوجد أي أخلاقيات ضابطة للحروب الحديثة , هي حرب وصراع إمكانيات وتكنولوجيا وقدرة تدمير وإلحاق الضرر بالخصم على كافة الصعد , والجميع مكشوف للآخر , ومن السهل ضرب وإلحاق الضربات المتتالية رد وضرب ورد وضرب وغيرها من الطرق والآليات المستخدمة في هذا المجال من الصراع .


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً