الحلقة الأولي
خرج الأسير من السجون الإسرائيلية في شهر رمضان ٢٠٢١ بعد أن قضي نحو سبع سنوات من عمره وها هو الآن قد بلغ الثانية والعشرون ربيعاً ولكنه بكل أسف لم يجد أحداً من عائلته بالكامل فقد أبادهم العدو الصهيوني عن آخرهم بصاروخ سقط فوق دارهم بغزة ولم يجد الأسير إلاّ أطلالاً للدار الكبير فتمني في قرارة نفسه أن يبيد هذا الكيان الصهيونى من سطح الأرض إنتقاماً لأسرته
وكانت السلطات الإسرائيلية تعتزم بناء مستوطنات جديدة بحي الشيخ جرَّاح فتقدم أصحاب الأرض الأصليين برفع دعوي قضائية بعقود ملكيتهم لمحامياً يهوديا ولكنه حنث بالقسم أمام الشيكل الإسرائيلي وقام بتزوير العقود فحكمت المحكمة لصالح اليهود .
وفي يوم من أيام رمضان كانت موائد الرحمن بأحد شوارع حي الشيخ جرَّاح قد إستعدت لإستقبال الصائمين وقبل آذان المغرب نشب خلاف بينهم وبين اليهود الذين يدّعوا بالباطل أنهم أصحاب الأرض فقلبوا المائدة فأمطروهم بالمقاعد وبدأ الشجار يتحول إلي معركة فصب اليهود جام غضبهم وأطلقوا الرصاص الحي فسقط العديد من الصائمين شهداء وبدأ أهالي حي الشيخ جرَّاح بالرد بالمثل فالعين بالعين والسن بالسن والصاروخ بالصاروخ وكان الصاروخ الإسرائيلي يتعدي المئة ألف دولار بينما الصاروخ الفلسطيني لم يكد يتعدي الألف دولار ولكن كانت ضربة الصاروخ الفلسطيني موجعة وما رميت إذ رميت لكن الله رمي .
عاد قسَّام أبو جسَّار من أرض المعركة في اليوم الأول ليخبر زوجته مريم أم جسّار بأن رجال المقاومة الفلسطينية تقذف تل أبيب حالياً بصواريخها القسّام البدائية الصنع فأحدثت هلعاً ورعباً في صفوفهم فرفعت مريم إبنها جسَّار لتحتضنه عندما بدأ في البكاء قائلة لزوجها ربنا معاكو يارب ويحميكو من غدرهم وبعد لحظات بدأت القوات الإسرائيلية بالرد الغاشم وأسقطت أعلي أبراج غزة وسقط الشهداء فرادي وجماعات من المواطنين العُزّل شيوخاً وأطفالاً وكانت المقاومة الفلسطينية لا تألو ولا تدّخر جهداً وقد قررت هذه المرة أن تبيد تل ابيب من علي سطح الأرض وكانت القبة الحديدية درعاً غير واقي رغم الضجة الإعلامية التي أشادت بقدرتها علي الصد ويبدو أنها قد صدأ حديدها وتآكل من شمس الله المحرقة فرصدت أمريكا المليارات لإصلاحها وأرسلت للشعب الفلسطيني معونة إستثنائية قدرها خمسة ونصف مليون دولار لوقف إطلاق النار…
كان جسَّار صغيرا لا يترك أمه إلا عند النوم وكان يومياً يستيقظ باكياً من صوت دانات وصواريخ العدو المفزعة حتي للكبار وكانت مريم تضع له قطناً داخل أذنيه عند النوم…
كان قسَّام أبو جسَّار حداداً ماهراً يبلغ الخامسة والعشرون من عمره قضي منها خمس سنوات خلف أسوار سجون الاحتلال بتهمة تصنيع سلاح بدائي وأغلقت له ورشته ومنعته أيضاً من ممارسة مهنته هو وإبن عمه فايز الذي لم يفارقه طوال حياته وكان عمه الشيخ عمّار هو صاحب ورشة الحدادة التي تعلم فيها قسّام أصول المهنة علي يد عمه الشيخ عمّار أبو فايز ..
إستيقظ الطفل جسَّار علي صوت صاروخ وكان صوته قريباً جداً فهرعت إليه مريم وأتي قسَّام زوجها من الخارج ملطخاً بالدم وأخذ يطمئنها وأخبرها بأنه كان فقط يقوم بنقل المصابين لعربات الإسعاف وكانت طائرات العدو فوق البنايات تستهدف سيارات الإسعاف وأصيب فايز إبن عمه في قدمه بشظية بالقرب من منزله فحمله قسَّام فوق كتفه إلي طبيب بنفس الحي واستطاع الطبيب أن ينقذه وأخرج الشظية من قدمه من دون مخدر وقد تحمل فايز الألم وعاد قسَّام به علي كتفه محمولاً إلي دار عمه الشيخ عمّار وسهر قسَّام بجانبه طوال الليل
وبعد أن فرغ الشيخ عمّار من صلاة الفجر وكان قسَّام يصلي خلفه بجوار فايز الذي استيقظ وتوضأ وصلّي الفجر راقداً ولازالت قدمه تؤلمه وكان يتحامل عليها ليذهب لمساندة رجال المقاومة وكان والده الشيخ عمّار هو الذي يشجعه للعودة السريعة معتقداً في قرارة نفسه أن النصر علي اليهود قد إقترب وكانت ضربات المقاومة تتوالي لليوم الثاني فشعب غزة بأكمله قد شارك في المعركة منذ الأمس ولابد ألاّ يتخلف أحد اليوم حتي المصابين وبدأ الخوف يتسرّب لقلب العدو بعد أن أغلقت تل أبيب كل مؤسساتها وتعطلت مصالحها رغم أنفها خوفاً من مجهول يحاصرها ويتربص بها وكان الإعلام يظهر مدي تأثير تلك الهجمات ومدي شراستها حتي ينقذهم من هجمات ووحشية صواريخ القسّام فتساءلوا عن الدرع الواقي والقبة الحديدية التي طالما تشدّقوا وزعموا أنها حائط صد ضد أي هجوم وها هي تترنح وتركع أمام صاروخ بدائي الصنع وأمام حجارة الأطفال …
كانت العمة نصرة زوجة الشيخ عمّار تجلس بين أطفال حي الشيخ جرَّاح لتقص عليهم وأحفادها قصص وبطولات عاشتها بالفعل
وبكرة نكمل
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.