التوازن في التنمية يحتاج بنية اقتصادية اجتماعية متوازنة تشكل أساس للبنية الفوقية والتحتية المتوازنة القادرة على تحقيق التناغم والسير بالتنمية والمستدامة كما يتطلب واقع الحال المباشر
1 : بيئياً
هل نفكر قليلاً أبعد من ما نراه, ونحسب ما نشهده في محيطنا و وبيئتنا ونقيسه على العالم, حينها سنصدم و نفاجأ أن هناك أًشياء خيالية لا تخطر لنا على بال, مثلاً بسيط, العالم ينتج في العام 2,1 مليار طن من النقيات الصلبة في العام , وهذا الرقم في تزايد مستمر وتصاعد مطرد مع ضرورة نمو الأسواق المستدام, ولكن ليس هذا وحسب ويجب أن لا يقف عند هذا الحد, لنرى النتائج معاً, 2,1 ضرب 100 يساوي 201 مليار طن في 100 عام, أي في 200 عام يكون الرقم قد وصل إلى 402 مليار طن, وهذا معناه أن البشرية ستصبح في حال من يعيش في مكب هائل من النفايات, مساحة اليابسة بكاملها ستتحول إلى مكب نفيات شامل لكل شيء هل يعقك ذلك ؟؟؟
من أكبر الإشكالات التي يعيشها المجتمع الاستهلاكي الربحي المعاصر إشكالية النفايات, والتخلص منها, وفي الماضي كانت النفايات قليلة الكم ومختلفة النوع , وكان الكم الأكبر من النفايات عبارة عن مواد طبيعية أكثر منها مصنعة ومعقدة في التركيب , مما يسهل عملية تحللها والتخلص منها بطرق آمنة وغير مكلفة, فقد كانت غالبية المواد غذائية, أو مواد مصنوعة من أصول طبيعية أولية مباشرة , وبذلك لم تكن مضرة على البيئة إجمالاً, ثم إن الكثير من السلع لم تكن بحاجة إلى تغليف أو شحن ونقل مسافات بعيدة, أو تخزين لفترات طويلة من الزمن .
اليوم أصبحت السلع لا تباع إلى مغلفة , وقل وندر ما نجد سلع غير مغلفة , وليس مجرد غلاف عابر, بل تغليف خاص لكل نوع من السلع, ومكلف جداً ولا يراعي في مواده أي أضرار بيئية أو صحية مضمونة, فالمواد البلاستيكية أصبحت جزء أساسي من مستخدماتنا وكل ما حولنا من منتجات تكاد لا تخلو من البلاستيك, ومشتقاته, سواء في الصناعات المتنوعة من آلات وأثاث و دهان ومواد بنية تحتية ومواد عزل , ومواد البناء وصناعة السيارات والأجهزة, وكل شيء من حولنا لا يخلو من البلاستيك .
وكذلك المواد الغذائية, وتغليفها, و غيره من البلاستيك , و نجد الكثير من المواد الأخرى التي تشكل نفايات صلبة في النهاية ولها تكلفة مرتفعة , وتنتهي حاجتها فور استعمال السلعة , لتصبح عبء جديد على البيئة و التخلص منها يصبح أمراً مكلف وليس سهل , وحتى في حالة إعادة التكرير للمواد , إن هذا أيضاً عمل مكلف , ويقلل من جودة المواد حيث تستعمل عدة مرات هي نفسها خامات تصفى ويعاد استعمالها, حيث تفقد جزء من جودتها وضمانتها الصحية والبيئة والعملية .
من الأجدى أن لا تصنع هذه الأشكال من مواد صعبة التكرير, و غير قابلة للتحلل, وتحللها له مضار ومخاطر بيئية بعيدة المدى, لذلك من الضروري التوجه نحو التخفيف من الغلاف للسلع قدر الإمكان , والاعتماد على مواد أفضل من المواد المستخدمة , واعتماد مواد طبيعية وقابلة للتحلل في حال عدم جمعها ومعالجتها,دون أضرار أو أخطار ضارة , حتى وإن كانت أكثر تكلفة من تلك البلاستيكية أو غيرها من المواد المركبة والكثيرة التعقيد والمضرة للبيئة والحياة .
وبحسب تقرير أصدره البنك الدوليّ عام 2012، كان معدّل إنتاج الفرد للنفايات الصلبة في العالم عام 2002، 0.64 كغ/لليوم. أمّا في 2012، فارتفع ل 1.2 كغ/لليوم ومن المتوقع أن يستمر بالتزايد ليصل إلى 1.42 كغم/لليوم في 2025.
2 : صحياً
من الضروري أن تراعى قضية الصحة في التغليف, سواء في المواد الغذائية أو غيرها من المواد, وفي الكثير من الأحيان لا تراعى في مواد التغليف المواصفات الصحية الضرورية للمواد, على اعتبار أنها مواد خارجية, والتغليف مواد متنوعة, مثل الإسمنت والرمل , ومواد البناء وغيرها من المواد والسلع, وفي هذا النوع من السلع عادة ما يهمل الجانب الصحي في طبيعة المواد المستعملة, فتزيد من عبئ النفايات كل يوم وتزيد من أضرار البيئة والتلوث .
لذلك من الضروري تشكيل نظام هيكلي رقابي صحي ذات اختصاص وخبرات وكفاءة عالية, و إعداد بنية لوجستية تضمن وتسهل عمل وفعالية رقابة على المنتجات والغلاف للمادة, وضرورة الحصول على موافقة مسبقة على استعمالها قبل الإقدام على هذا الاستعمال, وعدم الاعتماد على همة أو ذمة صاحب المنتج نفسه, فصاحب المنتج ذمته لن تتسع أكثر من الربح وما يطلبه تحقيقه ورفع نسبته من ضرورات وحسب .
3 : علمياً
بالضرورة دعم وإقامة مشاريع ومختبرات وأبحاث علمية, ودعمها في الجامعات والمعاهد العليا, من أجل تكثيف الأبحاث العلمية حول قضايا الصحة والبيئة, وما هي أفضل المواد الممكن استخدامها, لتكون بدائل عن كل منتج بشري قديم مضر بالصحة العامة أو بالبيئة أو المناخ, ومراعاة الابتعاد عن المواد الصلبة والنفايات الكثيرة التعقيد .
و من الضروري وضع مخطط مدروس من أجل مراجعة كل ما يستخدم من مواد ومنتجات اجتماعية ومدى صلاحيتها الصحية والبيئية أولاً وليس ربحياً, فلا يمكن للربح أن يقرر ما لغيره فهو غير مؤتمن على ذلك كونه لا يرى سوى ذاته وهذه طبيعته وليس شيء دخيل على مفهوم الربح والمجتمع الاستهلاكي الربحي .
4 : اقتصاديا
اقتصادياً يعتبر موضوع التغليف ومواده المستخدمة من أكثر المواضع إلحاح للعلاج, حيث تشكل هذه نسبة خيالية من ما نستهلك, فكل شيء نشتريه لابد أن يكون مغلف , وهذا الغلاف معد بطريقة دعوية خاصة ومكلفة جداً, من حيث نوعية المواد المستعملة وكم الجهد المبذول, ناهيك عن انتهاء دورها كله فور شراء السلعة, فلنتخيل معاً كل ما نستهلك, والكم المرافق لهذا الاستهلاك من النفايات المختلفة وأول النفايات الصلبة سيكون الغلاف, فهو مرافق لكل سلعة بغض النظر عن نوعها, بل ولأسوء من ذلك تحولها إلى عبئ مدمر ومضر للحياة والبيئة, وتكلفته الاقتصادية ضارة أكثر من فوائده بكثير, بل إن تكلفة التخلص من هذه النفايات الصلبة مكلفة أكثر بكثير من ما تقدمه من خدمة لعملية البيع والشراء, فالأمور في الاقتصاد تحسب وتقاس بنتائجها الأخيرة, من أين ستأتي تكلفة التصريف والتخلص من هذه المواد بطرية آمنة, إنها مكلفة أكثر من إنتاجها أحياناً
إن هذه التكاليف جميعها تضاف إلى سعر السلعة, وهي لا علاقة لها بتكلفة الإنتاج الحقيقية, إنها عبئ اقتصادي كبير ملقى على كاهل المستهلك, وهي في النهاية ليس لصالحه, بقدر ما هي لصالح المنتج, وتشكل عبئ على الاقتصاد والمجتمع لا داعي له .
لذلك من الضروري دراسة ما هو الأفضل من المواد للتغليف, والتقليل منه قدر الإمكان, وتغير المواد المستعملة, من حيث النوعية الصديقة للبيئة والصحة, والإمكانية للتحلل, لوحدها بدون أضرار على البيئة و الحياة, ناهيك عن التقليل من الاستعمال المفرط في المواد المستعملة لمرة واحدة, بل إمكانية الاعتماد على مادة ثابتة في الاستعمال ولا تلقى بعد أول استعمال لها
مثلاً بدل الأكياس البلاستيكية كوسيلة لنقل المشتريات إلى المنزل, لماذا تخلينا عن الوسائل القديمة, مثلاً كيس من القماش أو القش نستعمله .
لنتخيل كم كيس بلاستيك نستخدم في اليوم وحسبها على مدار العام , فقط لنقل الأغراض إلى المنزل , ونلقي بها في القمامة فوراً , أما كيس القماش فقد نستخدمه عامين , لننظر فقط إلى تغير هذه العادة لوحدها , ومردوده الاقتصادي والبيئي , ولو حسبنا في العالم حد أدنا وهو طبعاً ليس واقعي بل أقل من الواقع بكثير, لو افترضنا أننا وفرنا كيسين في اليوم , هذا معناه أننا سنوفر في العام 728 كيس في العام, وفي العامين 1456 قطعة في العامين , في حال حسبنا أن كيس القماش قد خدمنا عامين , ولنحسب هذا على 7 مليار إنسان على الأرض يعيشون, ماذا لو نظرنا إلى 7 مليار في اليوم كل منهم يوفر كيس واحد ,هذا معناه أننا سنوفر 7 مليار كيس بلاستيك في اليوم الواحد, هذا مردود عادة بسيطة وصغيرة نمارسها دون تفكير في أبعدها ومضارها و مخاطرها بعيدة المدى, وعلى هذا المثال تجد المئات من السلوكيات والمظاهر .
إنها نتائج اقتصادية وبيئية خيالية لا تخطر على بالنا لولا أننا قمنا بهذه العملية الحسابية البسيطة, لذلك من الضروري أن نبدأ الأمر من السلوك الفردي لكل شخص, والسعي عن وعي وتخطيط لتغير الكثير من العادات السلوكية البشرية المنتشرة على نطاق واسع دون التفكير في أبعادها و مخاطرها, فقط هي سلوك مورث ومريح لنا ونعتقده سريع وعملي, ولكن على عكس ذلك لا سريع ولا عملي إن استخدم كيس لنقل الأغراض إلى البيت وألقيه كل يوم في القمامة, إنها حماقة وغباء مقنع كامل لو نظرنا إليها بشكل أكثر واقعية ومنطقية, القضية ليس توفير فردي أو دليل على شيء معين بل فقط جهل وعدم وعي لما نقوم به من سلوك غير مدروس أو ناضج .
5 : النتيجة النهائية المرجوة
إن النتيجة النهائية المطلوب تحقيقها من خلال هذه الاجرآت بالضرورة أن تكون شمولية ومتكاملة, من إعداد الأرضية لها ونشرها على أوسع نطاق ممكن , والدراسة الفعلية المادية لها , أي توفير البنية المادية والمؤسساتية لها, والضرورات الوجستية, و المفاهيمية والسلوكية والقانونية , وخاصة بعد أن أطلعنا عن كثب على حجم ومستوى المخاطر البيئية والطبيعية والصحية والاقتصادية , أي أن سلبياتها على كافة الأصعدة أكثر بكثير من إيجابياتها وجدواها الفعلية .
وتشكل التربية ونشاء الجيل الجديد على مفاهيم وسلوك مختلف عنا مع البيئة والطبيعة والمناخ وهذا من اكبر المهمات الشاقة علينا لكوننا ما زلنا نعيش في مرحلة الوعي والثقافة الاستهلاكية المدمرة ونعتقد أنها متطورة مناسبة للعصر ونظامه والسرعة والرقمنة العمياء بدون التفكير ولو بحد أدنا من الأبعاد العميقة لما نمارسه من عادات وسلوكيات مدمرة لمحيطنا البيئي دون أن نعلم .
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.