أوجاع ناعمة … قصة قصيرة
بقلم : سعد جمعة

في مساء خافت، جلستُ وحدي أراجع تفاصيل تلك اللحظة التي انكشفت فيها غربتي.
.. لم يكن هناك حادث جلل أو وداع صاخب، بل مجرد شعور ناعم، يتسلل بهدوء، كضوء يغادر نافذة دون أن يلحظ أحد أن الظلام بدأ يحل.
كل شيء بدأ بالكلمات.
كلمات لم تكن قاسية في نبرتها، لكنها خرجت من أفواه ظننتها تنبت الأمان. تساقطت عليّ كحبات ملح على جرح مفتوح، ذابت في الهواء، لكنها علقت في حلقي كغصة.
لم تكن الكلمات وحدها ما آلمني، بل صداها، وصداها كان كوقع أقدام تسحق زجاجاً مكسوراً… وكنت أنا ذلك الزجاج.
ثم جاء الصمت .. ذلك الضيف الثقيل الذي يسدل ستائر اللامبالاة على كل الحكايات التي لم تكتمل!
أصبح وجودي مجرد ظل، يمر كأنه لم يكن.
صرخت في داخلي: “أين أنتم؟”
.. لكن من يسمع صرخة لا صوت لها؟
وتحولت النظرات!
عيون كانت تلمع حين تراني، أصبحت تمر – بعد بلوغي سن التقاعد – كأنها تمسح غباراً عن ذكرى قديمة.نظرات صامتة، تحمل ما لا يُقال، وتخفي تحت جلدها أسئلة لا يجرؤ أحد على طرحها.
فهمت.
فالألم لا يحتاج إلى ضجيج، يكفيه أن يأتي ملفوفاً ببرود اللامبالاة.
كنت أسير بينهم بقلب لا يعرف الشك، ببراءة تؤمن أن الحب كافٍ ليحمينا من الخيانة.ظننت أن كلمة طيبة تصلح ما انكسر،
وأن ابتسامة واحدة قادرة على تبدد الغيم. لكنهم رأوا في رقتي ضعفاً، وفي صمتي موافقة،وفي قلبي المفتوح فرصة!
ألوذ بكهفي – الصمت – حين تضيق الدنيا، لكنني اكتشفت أنه قبر حفرته بيدي. ومع الوقت، أصبحت غريبة بين الجدران التي كانت تناديني باسمي، وفي العيون التي كنت أرى فيها ملامح وطني.
حتى أنا… لم أعد أعرف نفسي.!
لم ينهوني دفعة واحدة. بل أطفؤوني ببطء. كما تنطفئ شمعة تُترك وحدها في مهب الريح.
تعلمت أن الخيانة لا تأتي دائماً في صورة طعنة،
.. أحياناً تكون غياباً بلا مبرر، أو نظرة ناقصة، أو صمتاً يُقصيك من القصة!
واليوم،
لم أعد أبحث عن اعتذار تأخر، ولا أركض خلف عدالة لا تأتي. لم أعد أبحث عن الأعذار لكل من جرحني، ولا أوزع ثقتي على من لا يستحقها
أنا امرأة تعلمت أن الصمت صوت عالٍ، وأن بعض الجروح لا تُرى، لكنها تسكن العمق، وأن بعض الأبواب لا تُغلق إلا بالكتابة.
لم أُشفَ تماماً،
لكنني أعرف الآن كيف أضمّد جراحي. وأدركت أن بعض الآلام لا تنتهي…إلا حين يُوثّقها الحبر.!
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.