أمريكا الحليف الزائف والعدو الأخطر للأمة
بقلم : ناصر السلاموني

منذ أن نشأت الولايات المتحدة وحتى يومنا هذا، لم تكن يومًا نصيرًا للحق أو داعمًا للعدل، بل قامت على الباطل ولا تزال تسانده، وتتخذ من القوة وسيلة لفرض الهيمنة، ومن المصالح ذريعة لاستباحة الشعوب، ومن دعم الباطل سياسة ثابتة لا تتبدل.
الضربة الأخيرة التي وجهتها إسرائيل لإيران، والتي تُعد من أعنف الضربات خلال السنوات الأخيرة، جاءت بتنسيق مباشر مع واشنطن، وكشفت عن عمق التحالف الاستراتيجي بين الطرفين. أكثر من 350 موقعًا داخل العمق الإيراني تعرضت لغارات جوية، دون أي اعتراض فعلي، ما يعكس خللاً استراتيجيًا خطيرًا، وتخطيطًا مُسبقًا هدفه قلب موازين القوة في المنطقة.
ورغم محاولات التضليل الإعلامي التي تُوحي بوجود خلافات بين أمريكا وإسرائيل، فإن الواقع يؤكد أن التعاون بينهما في أعلى مستوياته، كما ظهر جليًا في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي التي أفصح فيها عن استهداف قلب المشروع النووي الإيراني ومفاصله الرئيسية.
لكن الأمر يتجاوز حدود البرنامج النووي الإيراني، فالهجوم ليس سوى حلقة في سلسلة تهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وتصفية مراكز القوة فيه، بما يخدم المشروع الصهيوني ويُمهّد لهيمنة “إسرائيل الكبرى”. فبإضعاف إيران، تُزال إحدى العقبات أمام تمدد الاحتلال، ويُفتح الباب لاستكمال مخطط تدمير العراق وسوريا واليمن ولبنان، مع تهديد مباشر للأمن القومي لمصر ودول الخليج.
لم تكن الولايات المتحدة يومًا إلا الراعِي الأول لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا، ولا تكاد تُحصى الملفات التي تثبت تورطها في تدمير مقدرات الأمة الإسلامية. من احتلال العراق، إلى تقسيم السودان، وتخريب ليبيا، وإغراق سوريا في الدم، وتفجير اليمن، وتصفية الجيش الأفغاني… كلها فصول في مسرحية واحدة عنوانها السيطرة والتفكيك والإخضاع.
ولعل أخطر ما فعلته أمريكا هو نشر قواعدها العسكرية الضخمة في معظم دول الخليج، لا لحماية تلك الدول كما يروج إعلامها، بل لضمان السيطرة المباشرة، ومنع أي تحرك استقلالي حقيقي. تلك القواعد ليست سوى قلاع استعمارية حديثة، تفرض الوصاية، وتمنع النهضة، وتزرع الخوف وتبتز القرار.
في المحافل الدولية، تتجلى ملامح هذا الانحياز الأمريكي لإسرائيل بأوضح صوره. واشنطن هي اليد التي تعرقل كل محاولة لردع الاحتلال، وهي من استخدمت حق النقض “الفيتو” عشرات المرات لإجهاض قرارات تدعم الحقوق الفلسطينية. أو تدين جرائم الاحتلال و تشرعن القتل والتشريد.
تمتلك الولايات المتحدة أدوات عدة لفرض هيمنتها، أبرزها السلاح والمال والإعلام، فالقواعد العسكرية تُحيط بالعالم العربي من كل جانب، وتسليح الجيوش يتم بشروط تضمن التبعية. أما اقتصاد العالم، فيُدار من خلال الدولار، تلك الورقة التي لا تستند إلى غطاء حقيقي، كما أقرّ بعض الرؤساء الأمريكيين بأنفسهم، لكنها تتحكم في مقدّرات الشعوب بلا منازع.
أما الإعلام، فهو سلاح خطير يُعيد صياغة الوعي، ويُزيّن الباطل، ويُخرس الأصوات الحرة، ويُسوّق للتطبيع كأنه قدر لا مهرب منه. ولا يقل عنه خطرًا وسائل التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منصات تجسس واستنزاف، تخترق العقول وتُضيّع الأوقات وتستنزف الطاقات، وتُبعد الشباب عن قضاياهم الكبرى.
وفي قلب هذا المشهد المعقّد، تطل “الديانة الإبراهيمية” كمشروع فكري خطير، تسعى أمريكا لفرضه باعتباره بديلًا عن الإسلام الحق، في محاولة لطمس الهوية وتذويب العقيدة، وضرب الثوابت. وقد أفتى كبار علماء الأمة أن هذا المشروع لا يمتّ للإسلام بصلة، بل يُفرّغ الدين من جوهره، ويمهّد لإذابة التوحيد في خليط فلسفي يُسقط الفوارق بين التوحيد والشرك، ويُكرّس لمنظومة روحية جديدة تابعة للهيمنة الغربية.
ولم يكن هذا المشروع وليد اللحظة، فقد أكدت تقارير متعددة أن الكونغرس الأمريكي صادق في جلسة سرية عام 1984 على مشروع لتقسيم المنطقة إلى أكثر من 34 دويلة طائفية وعرقية، بما يضمن بقاء إسرائيل القوة الوحيدة المستقرة في محيط ممزق مشتعل بالصراعات.
وفي هذا السياق، لا يخفى على أحد أن إسرائيل، بدعم أمريكي مباشر، تعبث بأمن المنطقة، من اليمن إلى لبنان، ومن العراق إلى سوريا، وتُشعل الجبهات، وتزرع الميليشيات، وتُفكك الدول، وتحوّل أوطاننا إلى ساحات للفوضى والنزاعات التي لا تنتهي.
فهل آن لنا أن نفيق؟
لم تعد المؤامرة خفية، بل باتت تُعلن بوضوح، وتُفرض بالقوة، وتُبثّ على الهواء مباشرة، لا بل تُشرعن في المؤتمرات الدولية. المعركة اليوم ليست على الأرض فقط، بل في العقول والقلوب والعقائد، إنها حرب شاملة تستهدف المساجد، والمناهج، والوعي، وحتى أسماء الله وصفاته.
لقد آن الأوان أن نقرأ الواقع بعيون الأمة، لا بعيون الحدود الضيقة أو الولاءات المصطنعة، وأن نُدرك أن أمريكا ليست شريكًا ولا حليفًا، بل هي العدو الأخطر على الإسلام، والعروبة، والإنسانية جمعاء.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.