طُوبى للغرباء

عصام التيجي يكتب:

0

ليسَ غريباً أو عجيباً أن نعيشَ زماناً القابضُ فيه على دينِه كالقابضِ على جمرةٍ من النار ، وهو ما حدثنا عنه رسولُنا الكريم من شدةِ صبرِ أُمتِه في هذا الزمان وثباتِها على دينِها الحنيف والدفاعِ عنه.

لكن السؤال الذي يفرضُ نفسَه : هل نحنُ هذه الأمة التي ذكرها النبيُ الخاتم في حديثه الشريف ، ووصلنا إلى أخرِ الزمان الذي يقلُ فيه الخيرُ وأسبابه ويكثرُ فيه الشرُ وأسبابه ؟ أم لم يأت بعد ؟! ، وسيستمرُ مدّعو التجديدِ وأصحابُ الفكرِ المتطرف في حملاتِ التشويه والتشكيك ، بِطُغيانِهم يَعمَهُونَ عن ثوابتِ الدينِ وصحيحِ الإسلام وسنةِ النبي الكريم ، “كمثلِ الحمارِ الذي يحملُ أسفاراً” ، لا يفهمونَ أو يدركونَ شيئاً عن دينهم تحقيقاً لمصلحتِهم الشخصيةِ وإن تعارضت مع نهجِ القدماءِ والمخلصينَ للدعوةِ والمجتهدينَ الحقيقيين ، لكن الشواهدَ تدلُ على أننا بدأنا هذا الزمان.

رأيي “صوابٌ يحتملُ الخطأ” ، ورأي غيري “خطأ يحتملُ الصواب” ، تلك مقولةٌ خالدةُ للإمام الشافعي ، أحد أعلامِ وأئمةِ الفقهِ الإسلامي التي لم يعد لها مكانٌ فى زمنِ الفضائياتِ والسوشيال ميديا ، فهذا يشككُ في الأحاديثِ النبويةِ الشريفةِ ويطالبُ بالاكتفاءِ بالقرآن ، وذاكَ يدعي أنه المهدي المنتظر ، وثالثٌ يفتي بعدمِ فرضيةِ حجابِ المرأة ، وآخرون يتطاولونَ على علماءِ الدين الحقيقيين ورثةِ الأنبياء ويتهمونهم بالتطرفِ والإرهاب ، بعد أن فنوا حياتَهم في خدمةِ الدين ، واجتهدوا في تفسيرِ معاني القرآنِ الكريم ، وشريعةِ الإسلامِ السمحة ، وفتاوى متضاربة تطلُقها الفضائيات ليلَ نهار فتثيرُ الحيرةَ والبلبلةَ بين الناس .

وطوالَ العقودِ الماضيةِ كان هناك فقهاءٌ ومجتهدون ، أدلى كلٌ منهم بما رأى ، وقدمَ ما استنبط من الأحكام ، لم يكّفِر بعضهم بعضاً ، ولم ير أحدٌ منهم أنه على صوابٍ مطلق ، وإن رأى غيره خطأ ، وتغيرت الفتوى من زمانٍ إلى آخر ، ومن مكانٍ لمكان ، وبفضلِ هؤلاء الفقهاء كانت هناك سعةٌ فى الأمور التي لا يوجد فيها نصٌ قاطع ، فظهرت مقولةُ “اختلافهم رحمة” . ولم نقرأُ فى كتبِ التراث أن أحدَهم تجرأ على ثوابتِ الدين .

واليومَ نرى الدخلاءَ وغير المتخصصينَ يجادلونَ في قضايا اجتمعت عليها الأمة ، فهل أصبحنا في مجتمعٍ يرتكنُ إلى نظريةِ المؤامرة التى باتت كابوساً ، أو شماعةً يلقون عليها الأعذار التي يرون أنَّها وحدها تحولُ بينهم وبين اللحاقِ بركبِ التنميةِ والتجديدِ والتنوير؟ أم أن المبالغةَ فى توزيعِ نظريةِ المؤامرة يعدُ تسطيحاً للأمور؟! .

“الغرباء” لفظٌ يحملُ من المعاني الكثير ، فهناك غرباءُ الدينِ والوطن الذين يتطاولون على حدودِ الله ، ونصّبوا أنفسهم بفكرِ العولمةِ المتطرفةِ والثقافةِ الغربيةِ المتعجرفة حراسَ العلمِ والفضيلةِ ، وعلماءَ يعرفون ما لا يعرفه أحدُ قبلهم ، ولسان حالِهم يقول نحن نريدُ دلالةَ الناسِ للصراطِ المستقيم بكتاباتِنا وأفكارِنا وهم بعيدون كل البعد عن المنهجِ الصحيح ، وإذا طُلِبَ منهم الاحتكامَ للكتابِ والسنة تهربوا .

وهناك من يعيشونَ غرباءَ وطنهم ودينهم في زمنٍ التبست فيه الأمور وكَثُرت فيه الفتاوى المضللة ، هم أهلُ بصيرةٍ وغَيّرةٍ ودعوةٍ وإصلاح ، قليلونَ بين سيئينَ كثيرين ، يقبضونَ على دينِهم كالقابضينَ على جمرةٍ من نار .

وقد روى مسلمٌ في صحيحه أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال :

“بدأ الإسلامُ غريباً وسيعودُ غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء” أي الجنةُ والسعادةُ للغرباء الذين صلحوا واستقاموا عند فساد الدين ووحدوا اللهَ وأخلصوا له العبادة .

فطوبى لكلٍ من تمسكَ بكتابِ اللهِ وسنتِه وأدارَ عقلَه قلبَه وظهرَه لأفكارِ المضللينَ ودعاوى الفتنِ والتفريق ، فلا إعلامَ بدونِ علمٍ ولا شريعةَ بدون فقهٍ يحميها من هؤلاءِ المُفسدين .

 

 


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading