ليسَ غريباً أو عجيباً أن نعيشَ زماناً القابضُ فيه على دينِه كالقابضِ على جمرةٍ من النار ، وهو ما حدثنا عنه رسولُنا الكريم من شدةِ صبرِ أُمتِه في هذا الزمان وثباتِها على دينِها الحنيف والدفاعِ عنه.
لكن السؤال الذي يفرضُ نفسَه : هل نحنُ هذه الأمة التي ذكرها النبيُ الخاتم في حديثه الشريف ، ووصلنا إلى أخرِ الزمان الذي يقلُ فيه الخيرُ وأسبابه ويكثرُ فيه الشرُ وأسبابه ؟ أم لم يأت بعد ؟! ، وسيستمرُ مدّعو التجديدِ وأصحابُ الفكرِ المتطرف في حملاتِ التشويه والتشكيك ، بِطُغيانِهم يَعمَهُونَ عن ثوابتِ الدينِ وصحيحِ الإسلام وسنةِ النبي الكريم ، “كمثلِ الحمارِ الذي يحملُ أسفاراً” ، لا يفهمونَ أو يدركونَ شيئاً عن دينهم تحقيقاً لمصلحتِهم الشخصيةِ وإن تعارضت مع نهجِ القدماءِ والمخلصينَ للدعوةِ والمجتهدينَ الحقيقيين ، لكن الشواهدَ تدلُ على أننا بدأنا هذا الزمان.
رأيي “صوابٌ يحتملُ الخطأ” ، ورأي غيري “خطأ يحتملُ الصواب” ، تلك مقولةٌ خالدةُ للإمام الشافعي ، أحد أعلامِ وأئمةِ الفقهِ الإسلامي التي لم يعد لها مكانٌ فى زمنِ الفضائياتِ والسوشيال ميديا ، فهذا يشككُ في الأحاديثِ النبويةِ الشريفةِ ويطالبُ بالاكتفاءِ بالقرآن ، وذاكَ يدعي أنه المهدي المنتظر ، وثالثٌ يفتي بعدمِ فرضيةِ حجابِ المرأة ، وآخرون يتطاولونَ على علماءِ الدين الحقيقيين ورثةِ الأنبياء ويتهمونهم بالتطرفِ والإرهاب ، بعد أن فنوا حياتَهم في خدمةِ الدين ، واجتهدوا في تفسيرِ معاني القرآنِ الكريم ، وشريعةِ الإسلامِ السمحة ، وفتاوى متضاربة تطلُقها الفضائيات ليلَ نهار فتثيرُ الحيرةَ والبلبلةَ بين الناس .
وطوالَ العقودِ الماضيةِ كان هناك فقهاءٌ ومجتهدون ، أدلى كلٌ منهم بما رأى ، وقدمَ ما استنبط من الأحكام ، لم يكّفِر بعضهم بعضاً ، ولم ير أحدٌ منهم أنه على صوابٍ مطلق ، وإن رأى غيره خطأ ، وتغيرت الفتوى من زمانٍ إلى آخر ، ومن مكانٍ لمكان ، وبفضلِ هؤلاء الفقهاء كانت هناك سعةٌ فى الأمور التي لا يوجد فيها نصٌ قاطع ، فظهرت مقولةُ “اختلافهم رحمة” . ولم نقرأُ فى كتبِ التراث أن أحدَهم تجرأ على ثوابتِ الدين .
واليومَ نرى الدخلاءَ وغير المتخصصينَ يجادلونَ في قضايا اجتمعت عليها الأمة ، فهل أصبحنا في مجتمعٍ يرتكنُ إلى نظريةِ المؤامرة التى باتت كابوساً ، أو شماعةً يلقون عليها الأعذار التي يرون أنَّها وحدها تحولُ بينهم وبين اللحاقِ بركبِ التنميةِ والتجديدِ والتنوير؟ أم أن المبالغةَ فى توزيعِ نظريةِ المؤامرة يعدُ تسطيحاً للأمور؟! .
“الغرباء” لفظٌ يحملُ من المعاني الكثير ، فهناك غرباءُ الدينِ والوطن الذين يتطاولون على حدودِ الله ، ونصّبوا أنفسهم بفكرِ العولمةِ المتطرفةِ والثقافةِ الغربيةِ المتعجرفة حراسَ العلمِ والفضيلةِ ، وعلماءَ يعرفون ما لا يعرفه أحدُ قبلهم ، ولسان حالِهم يقول نحن نريدُ دلالةَ الناسِ للصراطِ المستقيم بكتاباتِنا وأفكارِنا وهم بعيدون كل البعد عن المنهجِ الصحيح ، وإذا طُلِبَ منهم الاحتكامَ للكتابِ والسنة تهربوا .
وهناك من يعيشونَ غرباءَ وطنهم ودينهم في زمنٍ التبست فيه الأمور وكَثُرت فيه الفتاوى المضللة ، هم أهلُ بصيرةٍ وغَيّرةٍ ودعوةٍ وإصلاح ، قليلونَ بين سيئينَ كثيرين ، يقبضونَ على دينِهم كالقابضينَ على جمرةٍ من نار .
وقد روى مسلمٌ في صحيحه أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال :
“بدأ الإسلامُ غريباً وسيعودُ غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء” أي الجنةُ والسعادةُ للغرباء الذين صلحوا واستقاموا عند فساد الدين ووحدوا اللهَ وأخلصوا له العبادة .
فطوبى لكلٍ من تمسكَ بكتابِ اللهِ وسنتِه وأدارَ عقلَه قلبَه وظهرَه لأفكارِ المضللينَ ودعاوى الفتنِ والتفريق ، فلا إعلامَ بدونِ علمٍ ولا شريعةَ بدون فقهٍ يحميها من هؤلاءِ المُفسدين .
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.