استقبلت في مكتبي الصحفية Claire Parker، مندوب جريدة Washington Post، لإجراء حوار حول المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في ضوء الحرب التي تشنها إسرائيل على فصائل المقاومة الفلسطينية، في غزة.
ولا أنكر ترددي، في البداية، من إجراء ذلك الحوار، لخبرتي، الممتدة، في تحيز الإعلام الأمريكي، الواضح، للجانب الإسرائيلي، التي اكتسبتها، منذ سبعينات القرن الماضي، من خلال متابعتي، اليومية، لمختلف وسائل الإعلام، أثناء فترة دراستي في الولايات المتحدة، والتي تراكمت بمرور الوقت، وانفتاح العالم، من خلال شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تنقل الأخبار لحظة وقوعها.
وقبل الموافقة، أو الرفض، على إجراء الحوار، بحثت في اتجاهات تلك الجريدة الأمريكية، دون الاكتفاء بشهرتها الواسعة، فعلمت أن الجريدة تأسست في ديسمبر من عام 1877، وتصدر يومياً، كما تعد من أكثر الصحف انتشاراً، وتوزيعاً، في الولايات المتحدة الأمريكية، لتركيزها، بصفة خاصة، على السياسات المحلية، مع تخصيص جزء منها للسياسة الخارجية، والأهم من ذلك أنها لا تتبنى اتجاه سياسي داخلي، أو خارجي، لصالح طرف على حساب غيره. كما تعتبر من أكثر الصحف الأمريكية، حصولاً على جوائز صحفية في تاريخها، وأول الصحف، في تاريخ الصحافة الأمريكية، التي تنشأ نسخة إلكترونية لإصدارها، منذ عام 1996. يُنسب للجريدة سبقها الصحفي، لأكبر فضيحة سياسية في تاريخ الصحافة الأمريكية، في عام 1972، المعروفة باسم “Watergate”، التي كانت سبباً في استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عام 1974.
ووافقت، في النهاية، على إجراء الحوار، لسببين؛ أولهما اتفاقي مع الصحفية أن يتم تسجيل الحوار بالصوت، لضمان عدم تحريف مفرداته، بما قد يفسرها بغير معناها، أما الأمر الثاني، فيرجع للمحادثة، التي سبقت الحوار، والتي أكدت خلالها السيدة Parker، أن واجبها إظهار الواقع، للقارئ، دون أي تزييف، وهو ما دفعها للتقدم بطلب لزيارة قطاع غزة، والتعرف على أوضاع الفلسطينيين به، لنقل الصورة الحقيقية، إلا أن الجانب الإسرائيلي رفض طلبها بعبور منفذ رفح لتغطية الأحداث، وهو ما أثار استياءها.
كما كان من الأسباب التي شجعتني على قبول الحوار لتلك الجريدة، أن يتم نقل وجهة النظر المصرية، عبر صفحاتها. وفي اليوم المحدد لإجراء الحوار، وصلت لمكتبي مندوبة الجريدة، كلير باركر، شابة في الثلاثين من عمرها، شعرت، في بداية اللقاء، أنها تسعى، بالفعل، وراء الحقيقة، وأنها مهتمة بالاستماع لوجهة النظر المصرية، ليس من مسؤول في الدولة. وبدا لي أنها قامت بدراسة عدد من الشخصيات المصرية، قبل اختياري لإجراء ذلك الحوار، وبعد موافقة إدارة الجريدة، في العاصمة الأمريكية، واشنطن.
كانت بداية الحوار مريحة، مثلما كانت محاوره واضحة وصريحة، فعرضت، خلاله، بكل أمانة وصدق، وجهة نظر الشارع المصري، وتطرقت إلى نجاح المقاومة الفلسطينية، من وجهة نظري، في تحقيق أهداف عسكرية، لم يكن أحد ليتوقع حدوثها، مشيراً في ذلك، بشيء من التحليل، لدور القوات الإسرائيلية، وعدم نجاحها، حتى الآن، في تحقيق هدفها المعلن من الحرب، سواء بتحرير الرهائن، أو القضاء على حماس، أو السيطرة على قطاع غزة. فضلاً عن الحديث عن فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية؛ سواء الموساد أو الشاباك أو أمان، في القيام بدورها في الحصول على معلومات، سواء عن استعدادات حماس للقيام بالعملية الهجومية، يوم 7 أكتوبر الماضي، وما سبقها من تدريب على تنفيذها، أو الأسلحة والمعدات الجديدة التي حصلت عليها، لاستخدامها في تلك العملية، مثل الطائرات الشراعية. بالإضافة لفشلها في الحصول على معلومات كاملة، ودقيقة، عن الأنفاق الفلسطينية، وأماكن تواجد قادة المقاومة، مما دفع القوات الإسرائيلية لتدمير البنية الأساسية، في شمال وجنوب قطاع غزة. وأمام ذلك الفشل المتوالي، الذي أثار الرأي العام الإسرائيلي، لم يكن أمام نتنياهو بداً من إطالة أمد الحرب، لضمان بقاؤه في السلطة، التي يُتوقع أن يخرج منها للمحاكمة بسبب الفشل، فضلاً عن تهم الفساد الموجهة له من قبل.
وبالطبع تطرق الحوار إلى دور القيادة المصرية، منذ اندلاع الحرب، برفض تهجير أهالي غزة إلى سيناء، والتمسك بحل القضية الفلسطينية في إطار حل الدولتين، رجوعاً إلى حدود 4 من يونيو 67، وهو ما تتفق معه الإدارة الأمريكية الحالية. ولم يخل الحوار من الحديث عن محور فيلاديلفيا، ومحاولات إسرائيل لاحتلاله، بالمخالفة لبنود معاهدة السلام مع مصر، فضلاً عن قرار الرئيس السيسي، منذ 7 أكتوبر، برفض تسلم مصر لإدارة قطاع غزة، بعد الانسحاب الإسرائيلي، والإصرار على أن يكون حكم غزة حق أصيل للسلطة الفلسطينية. كما ركزت في حواري على الدور المصري في عملية التفاوض بين المقاومة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، وهو الدور الذي نجحت من خلاله مصر، في السنوات السابقة، في وقف القتال، الذي اندلع، مراراً، بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، مما يؤكد مكانة مصر كحجر زاوية الاستقرار في المنطقة.
وانتهى الحوار، وصدر بعدها بأيام، على مساحة هامة في جريدة واشنطن بوست، واطمأننت لنشره دون تحريف أو تشويه. فشعرت بواجب نحو السعي لعرض وجهة النظر المصرية، في مختلف وسائل الإعلام الأمريكي، عله يتراجع عن تحيزه، غير المشروط، للكيان الإسرائيلي، والانتباه لضرورة عرض الحقيقة كاملة، لما يدور في المنطقة، خاصة وأن الشعب الأمريكي، قد تيقظ، مؤخراً، لزور ما يعرضه عليه إعلامه من مغالطات تاريخية، خاصة فيما يخص القضية الفلسطينية.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.