كُتاب

رمضان وما أدراك ما رمضان؟!

بقلم: د. ناصر السلاموني

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

رمضان.. شهر الخير والبركة

يحلّ علينا شهر رمضان ضيفًا عزيزًا يحمل معه الخير والبركة، فهو شهر الصيام والقيام والتقرب إلى الله، كما قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).

ولكن، كيف نقضي أيام هذا الشهر الفضيل؟!
يؤسفنا أن نجد البعض يهدره بين الولائم، والتسوق المحموم، والسهر في المقاهي حتى الصباح، بينما الغاية الحقيقية من رمضان هي تزكية النفس، وتقوية الروح، وتدريب القلب على الإخلاص والتقوى.

الصيام عبر التاريخ

الصيام عبادة قديمة سبقت الإسلام، وكانت تختلف في تفاصيلها من ديانة لأخرى.

كان بنو إسرائيل يصومون بالامتناع عن الطعام والشراب، وأحيانًا عن الكلام.

أما النصارى، فكان صيامهم يتنوع بين الامتناع عن أنواع محددة من الطعام أو الصيام لساعات معينة.

ثم جاء الإسلام فوضع ضوابط دقيقة للصيام، وجعله عبادة موقوتة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وجعل غايته التقوى، فقال تعالى:
﴿وَكُلُوا وَٱشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ﴾ (البقرة: 187).

وقد بيّن النبي ﷺ طريقة تحديد دخول الشهر وخروجه بقوله:
“صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا” (متفق عليه).

آداب الصيام في النهار

1. الإخلاص لله تعالى: أن يكون الصيام خالصًا لله، بعيدًا عن الرياء والسمعة.

2. حفظ الجوارح: قال النبي ﷺ:
“إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم” (متفق عليه).

3. الإكثار من الذكر والاستغفار: قال تعالى:
﴿فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارًۭا ۝ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًۭا﴾ (نوح: 10-11).

4. حسن الخلق: قال النبي ﷺ:
“إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا” (رواه الترمذي).

5. تعجيل الفطر وتأخير السحور: قال النبي ﷺ:
“لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر” (متفق عليه).

آداب الصيام في الليل

1. قيام الليل والتراويح: قال تعالى:
﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًۭا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَٰمًۭا ۝ وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًۭا وَقِيَامًۭا﴾ (الفرقان: 63-64).

2. الإكثار من الدعاء عند الإفطار: قال النبي ﷺ:
“ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم” (رواه الترمذي).

3. الاعتكاف في العشر الأواخر: وهو سنة نبوية لمن استطاع، كما قال تعالى:
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٌۭ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ ۚ﴾ (المزمل: 20).

4. قيام ليلة القدر: وهي ليلة خير من ألف شهر، قال تعالى:
﴿لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌۭ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍۢ﴾ (القدر: 3).

الأعمال المستحبة في رمضان

1. الصدقة وإطعام الطعام: قال النبي ﷺ:
“من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” (رواه الترمذي).

2. إخراج زكاة الفطر: قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ۝ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ﴾ (الأعلى: 14-15).
كما قال ابن عمر رضي الله عنهما:
“فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة” (متفق عليه).

3. قراءة القرآن: فقد كان النبي ﷺ يكثر من قراءته في رمضان.

4. صلة الأرحام: قال النبي ﷺ:
“من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه” (متفق عليه).

5. تفريج الكرب عن المحتاجين: قال النبي ﷺ:
“من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” (رواه مسلم).

ما بعد رمضان: الاستمرار في الطاعة

بعد انقضاء رمضان، يأتي عيد الفطر، وهو يوم فرح وسرور، ومن السنن المستحبة فيه:

1. التكبير من ليلة العيد حتى صلاة العيد.

2. لبس أحسن الثياب والتطيب.

3. أداء صلاة العيد في المصلى.

4. صلة الأرحام وزيارة الأهل والجيران.

5. إدخال الفرح على الأطفال والمحتاجين.

6. صيام ستة أيام من شوال: قال النبي ﷺ:
“من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم).

الخاتمة

رمضان ليس مجرد شهر صيام، بل مدرسة للتربية الإيمانية، يدرّبنا على الصبر، والإخلاص، والإحسان، وحسن الخلق. من اغتنمه بالطاعات ارتقى روحيًا وأخلاقيًا، واستمر أثره طوال العام.

نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك، وأن يغفر لنا ذنوبنا، ويتقبل صيامنا وقيامنا، ويبلغنا ليلة القدر، ويكتبنا من عتقائه من النار.


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً