عشت في إنجلترا لمدة ثلاثة أعوام، قضيت الأول في الدراسة بكلية كمبرلي الملكية، بينما عملت في العامين التاليين مدرساً بنفس الكلية، وقد أتاحت لي تلك الفترة التعرف على مختلف زوايا المجتمع البريطاني وتقاليده. وعرفت حينها معنى، وأهمية لقب “سير”، الذي يُمنح لأعضاء العائلة الملكية، أو بمرسوم ملكي، لمواطن بريطاني، أدى أعمالاً عظيمة، واستثنائية، في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية، أثرت إيجاباً على المجتمع والشعب والبشرية بأكملها.
ولما تقرر منح الدكتور المصري مجدي يعقوب ذلك اللقب النبيل، تقديراً لجهده وعمله، ظهرت مشكلة كبيرة، إذ أن القانون البريطاني لا يجيز منح اللقب لمزدوجي الجنسية، وبناءً عليه فقد طُلب من الدكتور مجدي يعقوب التنازل عن جنسيته المصرية، لتنطبق عليه شروط منحه لقب “سير”. إلا أن الجميع فوجئ برفضه التنازل عن الجنسية المصرية، قائلاً أنه لم يطلب الحصول على ذلك اللقب، وأن حمله للجنسية البريطانية كان وسيلة لتفادي إجراءات تجديد إقامته ببريطانيا، كل أربعة أشهر، وهو ما كان كثيراً ما يتعارض مع طبيعة عمله.
وأمام إصرار الرجل على الاحتفاظ بجنسيته المصرية، ورغبة بريطانيا في تكريمه، نظراً لإسهاماته الجليلة التي رفعت اسمها عالياً في عالم عمليات القلب المعقدة، وبعدما وضع بريطانيا على القمة في عمليات زراعة القلب البشري، التي كان أول من أجراها الطبيب الفرنسي كريستيان برنارد، فما كان من البرلمان البريطاني، إلا أن أصدر قراراً، في سابقة تُعد الأولى في تاريخ بريطاني، باستثناء الدكتور مجدي يعقوب، ومنحه لقب “سير”، مع احتفاظه بالجنسية المصرية.
يعتبر الدكتور مجدي يعقوب أحد رواد زراعة القلب في العالم، وقد أجرى أكثر من 2500 عملية زراعة قلب في إنجلترا، كان من بينهم تلك التي أجراها في عام 1980، عندما قام بعملية نقل قلب للمريض دريك موريس، والذي أصبح أطول مريض نقل قلب أوروبي على قيد الحياة، حتى وفاته في 2005. اهتم الدكتور مجدي يعقوب بتدريب كوادر كبيرة من الأطباء البريطانيين، في هذا المجال، وأمام تلك الإسهامات العظيمة، منحته ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية، عام 1990 لقب “سير”، وأعقبته بوسام “فارس” عام 1992، كما فاز بجائزة الشعب البريطاني، من محطة BBC، عام 2000، ثم بجائزة الإنجاز المتميز عام 2007 من قناة ITV باستفتاء شعبي، والتي تسلمها بحضور رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون. وفي 2011 منحه الرئيس السابق، حسني مبارك، قلادة النيل العظمى، التي تعد أعلى وسام مصري، كما نال تكريمات عدة من معظم المؤسسات العلمية والعالمية، وكان ضيفاً دائماً في جميع الاحتفالات في قصر باكنجهام، بدعوة من ملكة بريطانيا، وأصبح واحداً من أهم الشخصيات العامة في بريطانيا، والعالم كله.
حظي سير مجدي يعقوب بشعبية بالغة في بريطانيا، حتى لقبه شعبها باسم “أمير القلوب”، وبعد هذا التألق والتوهج، قرر مجدي يعقوب العودة إلى مصر، اعترافاً منه بفضلها، ورداً للجميل، فقرر إنشاء مركزاً طبياً في أسوان، لعلاج القلوب، بالمجان، وخاصة قلوب الأطفال. وقد تولى بنفسه جمع الأموال والتبرعات لإنشاء هذا المركز الأول في مصر، كما أشرف على تدريب أعداد كبيرة من شباب الأطباء المصريين في ذلك المجال الدقيق. ولما قابلت سيادته، عندما كنت محافظاً للأقصر، حكى لي عن إصراره على استكمال ذلك المركز، رغم العقبات الإدارية والبيروقراطية التي واجهته، حتى نجح في استكمال المشروع، وبفضله أصبحت مصر مركزاً لزراعة القلوب في الشرق الأوسط.
بعدها بدأ في إنشاء مركزاً جديداً لزراعة القلب، في القاهرة، في مدينة 6 أكتوبر، وقام بجولة في عدد من الدول العربية لتدبير التمويل اللازم لإقامته، حفاظاً على نفس النهج، بأن يكون المركز بمواصفات عالمية، ويقدم الخدمة بالمجان لكل من ظنوا أنه لا أمل في الشفاء. ومرة أخرى، نجح الدكتور مجدي يعقوب في إنشاء المركز الطبي الثاني، في مصر، وأعد له الكوادر البشرية، التي تدربت على يديه. كما أنشأ قسماً لزراعة قلوب الأطفال، في مستشفى الأطفال، التابع لمجمع مستشفيات الجلاء للقوات المسلحة، ورغم اعتزاله للجراحة بيده، إلا أنه لا يدخر جهداً أو وقتاً في تدريب شباب الأطباء، الذين ينهلون من علمه المتميز، فقد أشرف على تدريب أكثر من مئة طبيب مصري شاب متخصص في مجال زراعة القلوب، في تلك المراكز الثلاثة التي أنشأها، وأصبح سير مجدي يعقوب أيقونة الطب في مصر والعالم، وأيقونة العطاء للبلد الذي نشأ فيه.
حصل سير مجدي يعقوب على العديد من التكريمات من العديد من قيادات دول العالم، سواء في الدول الأوروبية أو الدول العربية، وامتدت أياديه البيضاء إلى العديد من دول العالم الثالث؛ فقد أشرف على إنشاء مركز زراعة قلوب الأطفال في باكستان، واعتاد السفر إلى الدول الأفريقية لإجراء جراحات القلب لمواطنيها بالمجان. ورغم أنه تعدى الثمانين من عمره، داعين المولى أن يمده بالصحة، إلا أنه ما زال يعطي ويعمل؛ فلازال يدير مؤسسة سلسلة الأمل الخيرية، التي أنشأها في بريطانيا، لإجراء العمليات الجراحية لقلوب الأطفال في إنجلترا مجاناً.
لقد شهد له العالم بأنه مثالاً مشرفاً، لكل من يخلص في عمله، وحرفته، والحقيقة أنه استحق تلك الشهادة، فلم يمن عليه أحداً بها، فأصبح مثالاً يحتذى به في الاحترافية، وفي حبه لوطنه، وإخلاصه له، وفي رأيي أنه يستحق أن نطلق عليه لقب “المواطن المصري الأول”، في تاريخ مصر الحديث.
Email: sfarag.media@outlook.com
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.