
في هذا العالم المادي، لا يزال بعض الأغنياء يعتقدون أن المال يصنع لهم مهابة، وأن الناس تلهث خلفهم طمعًا في فتات عطاياهم. والحقيقة أنهم –في قرارة أنفسهم– يدركون ضآلة مكانتهم، ويعرفون كيف جمعوا أموالهم، ويعلمون كم هم أجوفون إذا ما نُزعت عنهم مظاهر الثراء.
ترى أحدهم محدث نعمة، يملأ الدنيا ضجيجًا بسياراته الفارهة، وخدمه، وملابسه الباذخة، ولا همّ له إلا أن يُشعر الناس أنه السيد وهم العبيد. يماطل في تلبية الطلبات البسيطة، ويستمتع بمرارة الآخرين، حتى وإن لم تكن مطالبهم مالية. يعطيك من طرف اللسان حلاوة، لكنه في قرارة نفسه يرى نفسه فوق البشر، مع أن الله سبحانه قال:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
فلا تكن صدىً لأوامرهم، ولا ذليلاً تطلب ودّهم. كن عزيز النفس، قوي الموقف، شريف الروح، حتى وإن كنت فقيرًا.
فالغنى الحقيقي هو غنى النفس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس” [متفق عليه].
كم من الناس تذللت لطلب وظيفة لابنه أو خدمة لابنته عند هؤلاء المتكبرين، فما وجد إلا التلكؤ والتعالي، رغم أنهم يملكون المصانع والشركات! لكن هيهات أن تنال من نفوس تخلت عن الرحمة وابتلعت الكبرياء.
قال تعالى:
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37].
إنك أقوى منهم بأخلاقك، بصدقك، بتعاطفك، بإيمانك.
فالقوة لا تقاس بالمال ولا بالجاه، بل بمواقف الرجال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير” [رواه مسلم].
قوة الشخصية لا تعني الجلافة، ولا التسلط، بل هي أن تكون واثقًا بنفسك، عزيزًا في مواقفك، واضحًا في أقوالك، صادقًا في نيتك، متواضعًا في عظمتك، رحيمًا في حكمتك.
هي أن تقول “لا” عندما يلزمك قولها، دون تردد أو تملق. أن تضع حدودًا واضحة تحمي بها كرامتك، وتُربي بها من اعتادوا أن يستعبدوا الناس بالمال.
قوة الشخصية تعني أن تتعلم، أن تنمو، أن تواجه الحياة بقلب المؤمن، الذي يوقن أن الرزق بيد الله، لا بيد عبدٍ من عباده، مهما علا شأنه أو كثر ماله.
قال تعالى:
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22].
هي أن تسير في طريقك بعزيمة لا تنكسر، وإرادة لا تلين، وتقول كما قال يوسف عليه السلام، حين خرج من السجن إلى الملك:
{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]
لم ينتظر منّة أحد، بل تكلم بثقة وإيمان.
وأخيرًا…
لا تخشَ أن تكون فقيرًا، ولكن اخشَ أن تكون ضعيفًا.
لا تستحِ من قلة مالك، ولكن استحِ أن تُذلّ نفسك لطاغٍ بماله.
فالعظمة لله وحده، والرزق من عنده، والكرامة لمن حافظ على نفسه وعزته.
“من تواضع لله رفعه” [رواه مسلم].
“واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك” [حديث صحيح].
كن قويًا… وإن كنت فقيرًا.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.