كُتاب

مسمار جحا بين الدروز وإسرائيل

بقلم: ناصر السلاموني

كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان، جحا يملك دارًا جميلة قرر بيعها، لكنه اشترط أمرًا غريبًا: أن يحتفظ بـ”مسمار” مغروز في أحد جدران البيت! لم يرَ المشتري ضيرًا في الأمر، فوافق. لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن المسمار تحول إلى “تأشيرة دخول دائمة”، وجواز سيطرة غير مباشر، حتى انتهى الأمر بجحا وقد استعاد البيت كله بفضل هذا المسمار الصغير.

وهكذا صار “مسمار جحا” مثلًا شهيرًا، يرمز إلى تلك الذرائع الصغيرة التي تُتخذ مدخلًا للهيمنة الكاملة.

ومن مسمار جحا… إلى مسمار الدروز!

في المشهد السوري المعقّد، يتجدد هذا المثل بطريقة أكثر خطورة، لكن بنفس البراعة في الاستغلال. فإسرائيل، تحت ذريعة “حماية الدروز”، تواصل ضرباتها العسكرية على الأراضي السورية. والمسمار هذه المرة هو “الدروز”، والطموح لا يقف عند غارة أو اثنتين، بل يطال عمق السيادة السورية وتوسيع نطاق السيطرة والضم، تمامًا كما فعل جحا حين نام بجوار المسمار… ولم يغادر الدار بعدها!

تتذرع إسرائيل بحماية الأقليات، وفي مقدمتها الطائفة الدرزية، لتبرير تدخلاتها المتكررة. لكن في الواقع، تُستخدم هذه الذريعة لشرعنة الضربات الجوية ضد مواقع عسكرية سورية، أو قواعد لفصائل حليفة لدمشق، في إطار حسابات استراتيجية أكبر: الحد من النفوذ الإيراني، كبح تحركات حزب الله، وتثبيت معادلات الردع على الحدود الشمالية.

تحتفظ إسرائيل بعلاقة خاصة مع بعض الدروز في الجولان وفلسطين المحتلة، مستثمرة في ذلك عنصر “الولاء العسكري” لبعضهم داخل الجيش الإسرائيلي، لكنها تحاول تصدير هذه العلاقة كغطاء لتدخلها في العمق السوري، متجاهلة أن دروز سوريا أنفسهم يرفضون أي وصاية خارجية، ويؤكدون في كل مناسبة على انتمائهم الوطني.

لقد قامت إسرائيل بتصعيد عسكري غير مسبوق من القنيطرة إلى القصر الرئاسي

حيث شهدت سوريا منذ 1 مايو 2025 تصعيدًا خطيرًا:

1. غارات قرب القصر الرئاسي في دمشق

استهدفت إسرائيل محيط القصر الرئاسي، في رسالة وصفت بأنها “تحذير مبطن” للرئيس الجديد أحمد الشرع، المتهم بالتشدد الإسلامي.

2. غارات على درعا والسويداء

ضربات إسرائيلية على مواقع سورية جنوبًا، بزعم منع اقتراب “الميليشيات المتطرفة”، ترافقت مع نقل جرحى دروز إلى إسرائيل، ما أثار موجة رفض داخلية.

3. توغل بري في القنيطرة وريف درعا

توغلات محدودة وعلنية تحت شعار “العمليات الوقائية”، لكنها تشير إلى أطماع أوسع قد تشمل ضمًا فعليًا لمناطق سورية كما جرى في الجولان سابقًا.

وجاء الرد السوري والرفض الشعبي رغم التصعيد، يظل الرد السوري محسوبًا بدقة، مراعاةً للتوازنات الدولية. إلا أن الشعب السوري، وفي مقدمتهم دروز السويداء، قالوا كلمتهم بصوت عالٍ:مظاهرات شعبية في ساحة الكرامة رفضًا للتدخل الإسرائيلي، ورفضًا لأي محاولات تقسيم أو وصاية أجنبية.وحرق العلم الإسرائيلي كرمزية للكرامة الوطنية.

وهنا يبرز موقف صريح من الشيخ حكمت الهجري الذي شدد على الهوية السورية للدروز، ورفضهم الانفصال أو الانجرار إلى أي تحالف خارجي.

وهنا يقول الشعب إن السويداء ليست المسمار بل الحائط نفسه

فتحاول إسرائيل اللعب على وتر الأقليات لزرع “مسمار جديد” داخل الجدار السوري، لكنها تصطدم بحائط صلب من الوعي الشعبي. فالدروز ليسوا ذريعة ولا ورقة تفاوض، بل جزء أصيل من النسيج السوري

كما استعاد جحا الدار بـ”مسمار صغير”بدهائه، تحاول إسرائيل تثبيت “مسمارها الدرزي” في الجدار السوري، تمهيدًا لهيمنة أوسع. لكن الفارق هنا أن المشتري هذه المرة – الشعب السوري – لن يغادر الدار، ولن يترك الحائط. السويداء ليست منفذًا للسيطرة، بل هي بوابة للوطنية، ترفض أن تكون خنجرًا في قلب سوريا أو قنطرة لأحلام التوسّع الإسرائيلي.

فهل تظن إسرائيل أن دروز سوريا سينامون بجوار مسمارها؟

الجواب يأتي كل يوم من ساحة الكرامة: “نحن الحائط… والمسمار لن يثبّت.”


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً